في هذا الصباح الرابض بالخمول والرتابة قررت الكتابة، أغلقت على نفسي الغرفة، وبسطت الرقعة أمامي، شعرت حينها بالغثيان، معدتي خالية من الطعام، سوى طعم السهاد بألوانه المحنطة، ومع ذلك سأتقيأ، سأخلي جوفي من سموم تجرعتها سنين طويلة، كان أبطالي يتساقطون على الرقعة معلنين تمردهم وعدم انصياعهم لأوامري، كانت نظراتهم جادة، تنسي المنظور إليه أصول اللباقة، وكانت نظرتي لأي واحد منهم تجعله يرتبك إن لم يُغش عليه، الرقعة تلطخت باللون الأحمر، فطغى على اللونين الأبيض والأسود.
ركزت نظري عليهم دون أن أشير لأحدهم بالتحدث فلزموا الصمت، كان من بينهم فتاة جميلة، وغلام وسيم، وشاب ملتح، وكهل وقور، وعجوز ضجر، وطفل يحبو.
ها هم أمامي، لكن نظراتهم المترددة تقف بيني وبينهم سداً منيعاً، سددت إلى الكهل نظرة عرف مغزاها، فاستجاب مختصراً أنه كان في عمله فانهار عليه الحائط، وأخرجوه أشلاء مهشمة مختلطة بالدماء، حركت نظري عن الكهل وقد أزعجني منظره وصوبته نحو الفتاة، فتقدمت خطًا قليلة وهي ممسكة ببطنها، ثم تركتها ليسقط منها جنينها والدماء تلطخه، وبعصبية حركت يدي اليسرى في الهواء، ثم رحت أضغط بها على صدغي، رفعت حاجبي قليلاً، ومن بين أصابعي انطلقت نظرة مني نحو الغلام، فركب سيارته وانطلق بها بسرعة مجنونة، انتهت بحادث أليم، وقبل أن أنظر إلى الشاب الملتحي، إذا به مصوب من جنود الأعداء وبصره شاخص إلى السماء، كان العجوز يحاول الإفلات، فتصديت له بنظرة أرجعته في لمح البصر إلى حقله، وقد تسور عليه ثلاثة رجال أرادوا أن يسرقوه، فوقع معهم في عراك دام.
أما الطفل فظل يحبو على الرقعة حتى وجدته على سرير أبيض، وقد عملت فيه المشارط فعلها، فأحالته إلى كومة من الشاش الملفوف بعناية والدماء تنزف منه.
تركت صدغي، وأنا أحاول أن أنفي عن نفسي هذه القصص، بل لا أتذكر متى دونتها، الشخوص أمامي ارتفع صياحها مختلطة بأصوات جاءت من الخارج، الدماء تتكاثر وتزداد حتى غطت أرض الغرفة، نظرت إلى الشارع عبر النافذة الوحيدة في الغرفة فلم ألمح شيئاً، وبسرعة خاطفة كان نظري يبحث عن يدي ليوقفها عن الكتابة، فألفيتها قابضة على خنجر.