يعد حمام أبولوزة رمزاً ثقافياً وتاريخياً راسخاً في ذاكرة أهالي القطيف، يقع في قرية البحاري، وهي قرية ساحلية تقع على ساحل الخليج العربي في الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية، على بعد 22 كيلومتراً جنوب مدينة القطيف. ولقد بُني الحمام فوق عين كبريتية معدنية عميقة تصل إلى 22 متراً، لذا كان يستخدم للاستشفاء والعلاج من بعض الأمراض. وتتفرع من هذه العين عيون أخرى، منها: عين الخباقة، وهي التي كانت مخصصة للرجال فقط، وتقع على بعد 20 متراً من الحمام، وعين القصاري التي كانت مخصصة للنساء، وتقع على بعد 100 متر من الحمام. ويتميز الحمام بتصميمه المعماري الفريد، وارتباطه الوثيق بثقافة المنطقة وتاريخها العريق.
ولقد لعب الحمام دوراً، فهو ملتقى أهالي المنطقة من مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث كانوا يجتمعون للتواصل وتبادل الأحاديث والأخبار.
سبب التسمية
لا يوجد سبب جلي يفسر تسمية الحمام بأبي لوزة، إنما يُرجّح المؤرخون والباحثون سببين رئيسين لتسمية حمام أبولوزة:
1. تشابه القبة مع شكل اللوزة:
حيث تشبه اللوزة في انحنائها وتمدّدها، ويعزّز هذه الفرضية التصميم المعماري للحمام، حيث تتميز سقوفه القببية بتصميمها الفريد، بخلاف أسقف حمامات العيون الأخرى في القطيف التي كانت تُسقّف بجذوع النخيل أو الألواح الخشبية. وتُعتبر هذه الفرضية الأكثر ترجيحاً نظراً لارتباطها المباشر بالشكل المعماري المميز للحمام.
2. كثرة أشجار اللوز في المنطقة:
يرجّح البعض أنّ سبب تسمية الحمام يعود إلى كثرة أشجار اللوز في المنطقة قديماً، وتُشير بعض الروايات إلى وجود شجرة لوز كبيرة بالقرب من الحمام، ممّا قد يكون سبباً في تسميته بهذا الاسم.
تاريخ البناء
يُواجه تحديد تاريخ بناء الحمام بدقة صعوبة كبيرة، نظراً لغياب الدلائل الأثرية والنصوص التاريخية، التي تُثبت تاريخ بنائه بشكل قاطع. ويُرجّح المؤرخون والباحثون تاريخين لتشييد حمام أبولوزة:
1. القرن الخامس والسادس الهجري: تشير بعض الروايات إلى أنّ الحمام بُني في عهد القرامطة أو العيونيين بين القرنين الخامس والسادس الهجري، أي قبل أكثر من 800 عام.
2. قبل 500 عام: يرجّح البعض الآخر أنّ الحمام بُني قبل 500 عام، أي قبل القرن العاشر الهجري.
عمارة الحمام
يعد حمام أبولوزة تحفة معمارية فريدة من نوعها، ويتكون حمام أبولوزة من قسمين مُنفصلين أحدهما للرجال والآخر للنساء، ويحتوي كل قسم على جميع مرافق الحمامات التقليدية. ويتميز الحمام بتصميمه المعماري الذي يختلف عن تصميم حمامات العيون الأخرى في القطيف. حيث يتميز حمام أبولوزة بالسمات المعمارية التالية:
- القباب المميزة الشكل: تتميز سقوف حمام أبولوزة بقبابها التي تُشكل عنصراً معمارياً فريداً، يُميّزه عن الحمامات الأخرى التي كانت تُسقف بجذوع النخيل أو الألواح الخشبية.
- تصميم المحاريب المتدرجة: بُني الحمام على شكل محاريب متدرجة تعلو بعضها البعض، وهو تصميم غير مألوف في المنطقة.
- وجود القباب الداخلية: تُفرّغ فوق كلّ محراب قبة تحافظ على النمط المعماري نفسه من الداخل.
ويُضفي التصميم المعماري الفريد لحمام أبولوزة جمالاً خاصاً، ويجعله معلماً ثقافياً وتاريخياً مهماً، ويتيح التصميم المعماري الاستفادة من المساحة بشكل أفضل، وتوفير بيئة مناسبة للاستحمام والاسترخاء.
قيم استثنائية
يُجسّد حمام أبولوزة قيماً استثنائية تجعله رمزاً ثقافياً وتاريخياً مهماً، ليس فقط في القطيف أو المملكة، بل في العالم أجمع، ومن أهم هذه القيم:
1. التراث الثقافي الفريد: يُعدّ حمام أبولوزة شاهداً على تقليد ثقافي مندثر، وهو الحمامات العامة الساخنة، ويُمثل الحمام أهمية ثقافية كبيرة لأهالي المنطقة، حيث كان ملتقى اجتماعياً، ومكاناً للاستحمام والعلاج.
2. العمارة المميزة: يتميز حمام أبولوزة بتصميمه المعماري الفريد عالمياً.
3. الأهمية التاريخية: يُعدّ حمام أبولوزة من المعالم التاريخية المهمة في القطيف، يرتبط الحمام بتاريخ المنطقة وثقافتها، ويُجسّد عراقة الماضي وحضارته.
مشكلات وتحديات
1. جفاف العين: يُعدّ جفاف العين التي بُني عليها الحمام السبب الرئيس لتوقفه عن العمل، وأدى جفاف العين إلى توقف تدفق المياه التي كانت تُستخدم لتسخين الحمام وتوفير مياه الاستحمام.
2. الإهمال: تعرض حمام أبولوزة للإهمال لسنوات طويلة بعد توقف تشغيله، مما أدى إلى تدهور الحمام، بالإضافة إلى تآكله بسبب عوامل التعرية.
3. نقص التمويل: يعاني حمام أبولوزة من نقص التمويل اللازم لصيانته وإعادة تأهيله. ويُشكل نقص التمويل عقبة كبيرة أمام ترميم الحمام وإعادة إحيائه.
تُهدد هذه التحديات بفقدان معْلمٍ ثقافي وتاريخي مهم من معالم القطيف.
الحفاظ على حمام أبولوزة
تقع المسؤولية الرسمية للحفاظ على المعالم التاريخية والثقافية في المملكة العربية السعودية على عاتق هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة، ويُعدّ حمام أبولوزة من أهم هذه المعالم في محافظة القطيف لما له من قيمة تاريخية وثقافية ومعمارية وعلمية وسياحية، ولقد قامت هيئة التراث ببعض الخطوات الأولية لحماية حمام أبولوزة، ومنها إحاطته بسياج سلكي، وإغلاقه لمنع الدخول إليه. كما أوكلت مهمة الإشراف على حمام أبولوزة إلى متطوع من أهالي المنطقة، وذلك لرعاية الحمام والحفاظ عليه من التخريب أو الإهمال. وحديثاً توجد جهود واضحة من قبل الهيئة لترميم الحمام بشكل علمي منهجي.
تجدر الإشارة إلى أن أعمال الترميم السابقة لحمام أبولوزة من قبل بلدية القطيف، وما تم من أعمال ترميم وإضافات في الحمام والمنطقة المحيطة به؛ لا تناسب طرازه السابق، إذ أدخلت عليه تحسينات ومواد حديثة، وقد تأثرت قبة العين بشكل كبير بسبب جفاف العين، وكذلك في القبة والأسقف الأخرى. ومن باب مسؤولية هيئة التراث حول حماية وترميم المواقع، ولأهمية معالجة الحمام والحفاظ عليه من الانهيار؛ فقد اعتمد مشروع في سنة 1445هـ، يهدف إلى:
- تدعيم الحمام.
- ترميم الحمام وأجزائه.
- إزالة المستحدث من قبل البلدية.
- إزالة الترميمات الحديثة من الإسمنت والقوالب الخراسانية.. وغيرها.
- معالجة التشققات.
- البدء في تلك الأعمال، وما يزال العمل جارياً فيها.
ويُعد الحفاظ على القيم الاستثنائية لحمام أبولوزة مسؤولية مشتركة، تتطلب تضافر الجهود، واتخاذ خطواتٍ جادة لحماية هذا المعلم الثقافي والتاريخي من الاندثار، حيث تقع مسؤولية الحفاظ على حمام أبولوزة على عاتق الجميع، من أفراد المجتمع والحكومة والمنظمات الدولية. حيث يتمثل دور المجتمع في توعية أنفسهم وأبنائهم بأهمية حمام أبولوزة، والحفاظ على نظافته وحمايته من التخريب. بينما يتلخص دور الحكومة والتي تمثلها هيئة التراث بالمنطقة الشرقية في توفير التمويل اللازم لصيانة وترميم وإعادة تأهيل حمام أبولوزة، وإدراجه ضمن قائمة التراث الوطني ثم العالمي، ومن ثم استثماره سياحياً بما يعود بالنفع على المجتمع والدولة والقيمة الاستثنائية نفسها. كما يتلخص دور المنظمات الدولية في تقديم الدعم الفني والمالي للحفاظ على حمام أبولوزة، ونشره بوصفه معلماً ثقافياً وتاريخياً مهماً. ومن خلال هذا الجهد الجماعي، يمكننا ضمان الحفاظ على هذا المعلم الفريد للأجيال القادمة.
وفيما يلي بعض أهم الخطوات التي يجب اتّخاذها:
1. يجب على الجهات المسؤولة عن الحمام وضع خطة شاملة للحفاظ عليه، تتضمن خطوات الإصلاح والتطوير ونشر الوعي، وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ خطة الحفاظ على الحمام، والتعاون مع الجهات ذات الصلة، مثل المنظمات الدولية والمحلية، للحفاظ على الحمام.
2. إجراء دراسات علمية: وذلك لفهم تقنيات البناء وأنظمة التهوية واستخدام المياه في تلك الفترة، ويجب تسجيل المعرفة التاريخية والنتائج العلمية في وثائق رسمية لحفظها للأجيال القادمة.
3. نشر الوعي بأهمية الحمام: وذلك بتنظيم حملات توعوية لنشر الوعي بأهمية الحمام التاريخية والثقافية والعمرانية بين أهالي المنطقة والسياح. ويجب إدراج الحمام في البرامج التعليمية لتعريف الأجيال القادمة بتاريخه وثقافته.
4. ترميم وإعادة تأهيل الحمام: وذلك للحفاظ على بنية الحمام المعمارية الفريدة ومنع انهياره، ولا بد أن تتم عملية الترميم بدقة عالية وبمنهجية علمية، باستخدام مواد بناء تقليدية للحفاظ على أصالته.
5. تطوير الموقع سياحياً: يجب توفير بنية تحتية مناسبة لاستقبال الزوار وتسهيل تنقلهم داخل الموقع، وتجهيز الموقع بمرافق حديثة مثل مسار للزيارة مجهز بشاشات عرض ووسائل تساعد المرشد السياحي في عمله، ومركز للزوار ومحلات لبيع الهدايا التذكارية.
6. إدراج الحمام ضمن قائمة التراث العالمي: يجب ترشيح حمام أبولوزة للإدراج ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وسيُساهم ذلك أيضاً في منحه حماية دولية وتوفير الدعم المالي للحفاظ عليه.
من خلال اتخاذ هذه الخطوات، يمكننا ضمان الحفاظ على القيم الاستثنائية لحمام أبولوزة للأجيال القادمة.
خاتمة
يمثل حمام أبو لوزة شرياناً ثقافياً وتاريخياً حيوياً في القطيف، يروي حكاية حضارة عريقة، ويجسد إبداع الإنسان في فن العمارة، ورغم التحديات التي واجهها الحمام، من جفاف العين وتآكل الزمن، إلّا أنّ الجهود المُضنية لإعادة تأهيله وإحيائه، تُبشّر بعودته، فهو رمز ثقافي نابض بالحياة، وقد حظي الحمام بعناية فائقة من قبل هيئة التراث، ممّا أعاد له رونقه المعماري، وأعاد إحياء ذاكرة المكان في قلوب أهالي القطيف.
إنّ حمام أبو لوزة، ليس مجرد بناء حجري، بل هو حكاية تروى، وقيم تحافظ، وذاكرةٌ تخلّد، ورمز يلهم.