تحوي المملكة تراثاً وآثاراً وثقافات عظيمة تؤكد عمق الحضارة التي تقف عليها والحضور التاريخي على مر العصور, وفي محطته الثالثة بين الدول الأوروبية حط معرض (روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) في متحف الأرميتاج في مدينة سانت بطرسبيرغ بروسيا, ويستمر المعرض أربعة أشهر منذ أن افتتحه في السادس عشر من مايو الماضي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزير الثقافة الروسي إلكسندر أفدييف.
ويحوي المعرض (347) قطعة أثرية، من القطع المعروضة في المتحف الوطني في الرياض، ومتحف جامعة الملك سعود، ودارة الملك عبدالعزيز، وعدد من متاحف المملكة المختلفة، إضافة إلى قطع عثر عليها في التنقيبات الأثرية الحديثة. وتغطي قطع المعرض الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر الدولة السعودية. ويشهد المعرض الذي يحظى باهتمام إعلامي روسي إقبالاً كبيراً من الجمهور والمختصين, خاصة وأنه أول معرض يقام بهذا الحجم في متحف الأرميتاج عن آثار منطقة الجزيرة العربية, كما أنه يحوي قطعاً أثرية تعرض للمرة الأولى خارج المملكة يعود تاريخ بعضها لأكثر من مليون سنة.
وقد أكد الأمير سلطان بن سلمان في كلمته في حفل افتتاح المعرض أن استضافة روسيا ومتحف الأرميتاج بشهرته العالمية الواسعة لمعرض (روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) يمثل محطة مهمة لتعريف الشعب الروسي وزوار المتحف العالمي بتاريخ المملكة وبعدها الحضاري. مشيراً إلى أن للمعرض رسالة رئيسة تتجسد في أن المملكة ليست طارئة على التاريخ والمكانة التي تتبوؤها اليوم سياسياً واقتصادياً هي امتداد لإرث حضاري عريق.
وأشار إلى أن المملكة عرفت بأبعادها الإسلامية من خلال احتضانها للحرمين الشريفين ودورها ومكانتها الإسلامية, كما عرفت ببعدها الاقتصادي البارز كأكبر مصدر للنفط في العالم, وكذلك دورها السياسي المهم, والآن تشهد بعداً جديداً هو البعد الحضاري الذي نعكسه من خلال هذا المعرض الذي نسعد بتدشينه اليوم في سانت بطرس بيرج وفي أحد أكبر وأهم المتاحف في العالم. من جانبه قال وزير الثقافة الروسي بأن المعرض يشكل فرصة رائعة للاطلاع على الآثار السعودية والمقتنيات النادرة الذي تكشف تاريخ المملكة والجزيرة العربية ودورها التاريخي والحضاري, مؤكداً بأن هذا المعرض يعد حدثاً ثقافياً كبيراً تشهده روسيا. ويعد متحف الإرميتاج بروسيا المحطة الثالثة للمعرض - الذي صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على انتقاله إلى عدد من المدن الأوربية والأمريكية- وذلك بعد متحف اللوفر بباريس الذي اختتم فيه المعرض في 27 سبتمبر 2010م, ومؤسسة لاكاشيا في أسبانيا التي اختتم فيها المعرض في 20 نوفمبر الماضي. وتعكس القطع المعروضة المشاركة الفاعلة لإنسان الجزيرة العربية عبر العصور في صنع التاريخ الإنساني، ودوره في الاقتصاد العالمي عبر العصور، والتأثير في الحضارات انطلاقاً من الموقع الجغرافي المميز للجزيرة العربية التي كانت محوراً رئيساً في مجال العلاقات السلمية والثقافية والاقتصادية بين الشرق والغرب، وجسراً للتواصل الحضاري بينها. وتمثل القطع قيمة أثرية وفنية كبرى، ومن تلك القطع ما يتميز بجمال الصنع والتميز الفني، مثل القناع الذهبي من موقع ثاج الأثري، ومكعب حجر تيماء المنقوش بزخارف بارزة، وكذلك اللوحة الجدارية الملونة من موقع الفاو وعليها رسوم ملونة بألوان طبيعية جميلة.
ومن بين القطع المعروضة مسلات تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، تصور أشكالاً آدمية منحوتة بأسلوب تجريدي تبرز من خلاله المهارة والدقة في التنفيذ.
ومن أبرز ما قدمه المعرض قطع ترجع إلى العصر الحجري، ومنها جرة فخارية مزدوجة الشكل المخروطي من نوع كان معروفاً في بلاد الرافدين (2900 سنة قبل الميلاد) من فترة الحضارة الدلمونية، إضافة إلى عدد من الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني. ومنحوتات حجرية، ومنها منحوتات حجرية بأشكال آدمية لملوك مملكة لحيان تشير سماتها الفنية إلى علاقات ثقافية وتواصل حضاري مباشر بين شمال غرب الجزيرة العربية ووادي النيل, بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من القطع في العصور الإسلامية وباب تاريخي للكعبة.