إذا كانت الرياض عاصمة متذوقة للمسرح فإن الخمسة الأيام التي بدأت من 21-7-1432هـ الموافق (23-6-2011م) كانت فرصة مثالية للاستمتاع بالحدث الذي نظمته جمعية المسرحيين السعوديين كأول نشاط فعلي لها من خلال إقامة مهرجان الفرق المسرحية الأهلية الأول وذلك تحت رعاية وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، وبحضور وكيل الوزارة للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان وعدد من المسؤولين والمثقفين والمهتمين، ومشاركة ستة عروض هي (الرؤيا) فرقة مسرح الشباب في الرياض، و(مزحلي/جدلي) لفرقة السمار من مكة المكرمة، (كنا صديقين) لفرقة مسرح الطائف، (مريم وتعود الحكاية) لفرقة نورس من سيهات، (البرمائي) لفرقة محترف كيف المسرحية بجدة، (سعيدان والزير سالم) لفرقة تبوك المسرحية.
المهرجان الذي احتضنه مركز الملك فهد الثقافي وكان تكريم الدكتور عبدالعزيز السبيل ملمحه الرئيس؛ تضمن مزيجاً بين شكل رسمي تمثل في العروض المسرحية والندوات والجلسات النقدية وبين شكل اجتماعي وثقافي تجسد في اللقاءات اليومية المتواصلة بين مبدعين ومؤلفين ومخرجين تقاسموا المكان والزمان نفسه في حضرة المسرح، وكان الحدث فرصتهم لمناقشة شؤون مسرحهم وشجونه، حيث أجمع المشاركون على أن المهرجان كان خطوة بارزة في مسيرة الجمعية نحو احتواء الفرق المسرحية الأهلية والتعرف على ما تكتنزه من طاقات.
وبشكل مغاير عما يحدث عادة في افتتاح المناسبات الثقافية، اختار المهرجان أن يصنع خصوصية لافتتاحه من خلال وضع فقراته الاستهلالية جميعها في إطار لوحات مسرحية حوارية يتم من خلالها تقديم المتحدثين والشخصية المكرمة، وكانت البداية مع وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر بن صالح الحجيلان الذي عبر في كلمته عن سعادته بهذه الفعالية الثقافية واعتزازه بتكريم شخصية مميزة كالدكتور السبيل، آملاً أن يكون هذا العمل باكورة أعمال مسرحية مميزة. كما نقل تحيات وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، وأمنياته لهذا المهرجان بالنجاح وأن يحقق الأهداف المنشودة.
بدوره شكر رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين مدير عام المهرجان أحمد الهذيل الوزارة على دعمها مطالباً بوضع أسس حراك سليم يرتقي بمستوى المسرح السعودي. قبل أن يشاهد الحضور عرضاً مرئياً عن المهرجان، جاءت بعدها لحظة التكريم حيث قدم رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحين السعوديين مدير عام المهرجان درعاً تذكارياً للدكتور عبد العزيز السبيل تقديراً له ولجهوده في خدمة الجمعية، ليبدأ بعدها تقديم العروض يومياً متبوعة بجلسات نقدية خاصة.
كانت الموهبة هي القاسم المشترك في كل الأعمال على اختلاف أشكالها ومدارسها وتبايناتها الفنية والتقنية والأدائية، فقد شاهد الجمهور شباباً يتمتع بحس مسرحي عالٍ ينم عن اطلاع جيد وروح إبداعية فطرية، وهو مايعكس الهدف الأساس للمهرجان وهو احتواء الفرق الشابة وتقديمها كقوة داعمة لحركة المسرح المحلي.
نتائج المهرجان
- جائزة أفضل نص: ياسر الحسن عن مسرحية (مريم وتعود الحكاية).. فرقة النورس.
- جائزة أفضل ممثل أول: حسين اليوسف عن دوره في مسرحية (مريم وتعود الحكاية).. فرقة النورس.
- جائزة أفضل مخرج: عقيل الخميس مخرج مسرحية (مريم وتعود الحكاية).. فرقة النورس.
- جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل: مسرحية (مريم وتعود الحكاية).. فرقة النورس.
- جائزة أفضل سينوغرافيا: فهد ردة الحارثي عن مسرحية (كنا صديقين) لفرقة الطائف.
كما منحت لجنة تحكيم المهرجان شهادات تميّز لثلاثة ممثلين عن تميّزهم في الأداء، وهم: كميل العلي (المنطقة الشرقية)، وعبدالعزيز الحارثي (الطائف)، وخالد المغربي الحربي (تبوك). الطفلة (نورة) التي مثلت في عمل (مريم وتعود الحكاية) كانت نجمة المهرجان الأولى وحصلت على شهادة الممثلة الواعدة. كما كرّم المهرجان أعضاء اللجان التنظيمية والتي تمثّلت في لجنة الإعلام ولجنة العلاقات العامة ولجنة التحكيم.
نجمة المهرجان
بطريقة أكثر موضوعية من فكرة (الطفل المعجزة) وأقل صخباً مما يفعله فنانون بقدرات فنية عادية في أفضل الاحتمالات، تتجه الطفلة (نورة يوسف) بثقة إلى مسرح مهرجان الفرق المسرحية الأهلية لتستلم جائزة أفضل ممثلة واعدة مرتدية كنزة زرقاء بسيطة، كانت مبتسمة ولا وجود في محياها ولا في لغة جسدها لما يعرف بالارتباك الذي قد يصبح وجيهاً في حضور جمهور كبير بالنسبة لطفلة تجاوزت عقدها الأول بقليل، لكن في هذه الحالة لم يكن الحضور بحاجة إلى ذلك النوع من التصفيق التعاطفي الذي يحفز الأطفال لمواجهة الموقف بشجاعة، لأن (نورة) كانت هي من يقوم بتحفيزهم ليشعروا بأن في المسرح مواهب حقيقية تستحق التصفيق بإعجاب وليس بتعاطف فقط!
طيلة أيام المهرجان الذي وضع صورتها على غلاف العدد الختامي من مجلته كتعبير عن أمل مسرحي جديد، كانت الطفلة التي لعبت دور (مريم) في مسرحية (مريم وتعود الحكاية) تمثل ملمحاً نوعياً ليس فقط بعمرها وموهبتها، وإنما بعنفوانها وروحها الاجتماعية الجميلة، نورة ذاتها التي ارتسمت ملامحها بطريقة شديدة التأثير والانضباط الأدائي وهي تمثل دور البطولة مرتدية زياً تراثياً ومشاركة في لوحات رمزية وبصرية متعددة؛ هي نفسها التي تأتي في اليوم التالي لتمارس هواية التصوير الفوتوغرافي لأجواء المهرجان وللعروض المسرحية، يمازحها المشاركون، فيما يعتقد البعض أنها مجرد طفلة تحمل كاميرا، دون أن تضطر هي إلى نفي هذه الفرضية، أو إلى إخبارهم أنها قبل ليلة فقط كانت قد حبست أنفاس المئات بأدائها المسرحي في المكان ذاته. نورة تعلم أنها نجمة، لكنها -كما يبدو- لا تحب أن توضع في خانة من قام بشيء غير معتاد في عمره، تتعامل مع الإشادة بشيء من اللطف الممزوج بالحياء، وتتقبلها بذكاء تلقائي لا يخرجها عن سياق شخصيتها البريئة الودودة، تتكلم بصوت واضح مسموع ينم عن ثقة كبيرة، تناقش الأعمال المسرحية مناقشة العارف ببواطن الأمور، تروي لحظات طريفة مرت بها بطريقة مشوقة، وتتذكر كثيراً من مواقف مشاركاتها السابقة في مسرحيات ومهرجانات، هي شخصية لماحة دقيقة الملاحظة، تتذكر الأسماء جيداً، وتتمتع بحس إنساني عالٍ، ولا تلتفت كثيراً لكل ما يؤثر عليها سلباً، لقد صادفت مرور أحد المسرحيين بعد تعرضه للنقد في الجلسة التطبيقية فبادرته قائلة (ماعليك منهم، اسمع من هنا.. وطلع من هنا!).
ما لم تبادر به (نورة) هو تعريف نفسها لك بأنها فنانة؛ ستقول لك إنها (بنت عادية) ذات طبيعة هادئة واهتمامات عادية، لكن الحديث معها يقودك لاكتشاف أنها بالإضافة إلى التمثيل، شاعرة ومصورة فوتوغرافية وإعلامية تقدم برنامجاً في إذاعة جدة، تقول في حديثها الخاص للمجلة العربية إن موهبتها بدأت منذ سن الرابعة حيث تمتعت بقدرة على الحفظ والتلقي قبل أن تصل إلى سن الثامنة وتلتقي بالشاعر خالد المريخي حيث أبهرته بإلقاء قصيدته الشهيرة (يا اللي تطالع) وحينها توقع لها مستقبلاً زاهراً، وبعد سنة واحدة فقط كانت بطلة لمسرحية (شهد) مع معتز عبدالله، لتستمر مسيرتها عبر عدة محطات كان منها لقاؤها بولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز في افتتاح جامعة الأمير محمد بن فهد، وتحقيقها جائزة أفضل ممثل أول في مسابقة العروض القصيرة بالدمام، وصولاً إلى (مريم وتعود الحكاية) التي تعتبرها نقطة تحول في تجربتها، تقول نورة إنها تحب اكتشاف مواهب الآخرين بالدرجة نفسها التي يحبون بها اكتشاف مواهبها، قالت إن مهرجان الفرق المسرحية الأهلية قد ساعدها في ذلك، وكشفت عن عمل فني قادم لها وهو المشاركة في مسلسل تلفزيوني يعرض قريباً، وهو ما تعتبره خطوة في طريق طموحها الذين لن يتوقف عند المحلية كما تقول، وإن كان وصول نورة لعمر 14 عاما يعني نهاية أحقيتها بالتمثيل المسرحي محلياً.. فهو لا يعني مشكلة كبيرة لها، لأن الأمل فيها يكبر باتجاه المسرح الخليجي والعربي حيث يتسع حيز الاحتواء وتضيق مسافة المستحيل.