مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الإلحاد والإيمان

في العدد 452 من المجلة العربية كتب الدكتور طارق راشد موضوعاً تحت عنوان (هل كان شكسبير ملحداً أم علمانياً؟). وهذا الموضوع يضعنا أمام إشكالية معاصرة بإسقاطها على معطيات القرن الواحد والعشرين، حول الملحدين الذين بين أيدينا أحياناً تنتشر تغريداتهم أو كتاباتهم. ليستحيل الموضوع بما تسمح به المساحة لمساءلة صادقة لأنفسنا عما تعنيه فكرة الإلحاد والتدين، وهما على طرفي نقيض.. ليس في زمن شكسبير وحده وإنما في زمننا هذا. 
فمن بين خيارين متناقضين لديه هما المسيحية والعدم اختار شكسبير العدم؛ هروباً من فكرة الوجود ذاتها التي يراوغ عنها الملحدون عادة -مع إنهم يوصفون بالأشرار- لأن ما لدى أقلهم حتى في أبسط الأشياء هو قلب للكلام أو حتى لبعض حروفه، لنقل (الفكرة) من الخرافة إلى الحقيقة المنطقية أو من وجهها الدرامي إلى وجهها الكوميدي .
وفي حوار شخصيات شكسبير نجدها جميعها تصل إلى لا شيء، وهي النقطة التي يصل فيها المنطق الخاص إلى حده، وهذا يبرر لماذا اختار شكسبير العدم، حين ترك شكسبير - في مقال الدكتور طارق - «الحياة دون خط أساسيّ وبالتالي دون معنى». وأقول قياساً على ذلك حين نصل نحن إلى درجة أن يكلم الإنسان نفسه أو يغني أو يتلو.. أو قد يبدع شعراً أو فناً في لغة هذيان من نوع آخر، هي لغة اللاوعي. وهذا يحدث، فلا يستطيع أن يجيب عن تلك الأسئلة الوجودية الكبيرة لتوقف مداركه. 
وهذا ما يحدده الناقد مؤلف كتاب (شكسبير ملحداً) إريك مالين – نقلاً عن موضوع د. طارق - حين يقول: إن مسرحية الملك لير تفتقر إلى (صورة الكون الخير النابع من ألوهية خيرة). وهو ما يؤكده د.طارق راشد - وما أريد أنا قوله أيضاً -  وهو «أن ذلك يرجع إلى أن شكسبير لم يضع أي قوى غيبية ضمن أولوياته... وهذا قد يفتح للقارئ ولدارسي الأدب المقارن، تساؤلات تعيد الحديث حول علاقة شكسبير بما أنتجته الحضارة الإسلامية فيما وصله (أو لم يصله) وتأثره فيه حتى وقته من عدمه.. وهذا ليس عن معتقد شكسبير وحده بل حتى معتقداتنا نحن في زمننا هذا وليس في زمن شكسبير.
«ولايمكننا وصف أي شخص بالملحد» وهذا مستقى من حديث الدكتور طارق عن شكسبير . وأنا أقول عوداً على بدء إننا الآن في بداية القرن الواحد والعشرين ويمكن أن نعيد التساؤل نفسه على أنفسنا دون خوف من الفكرة نفسها بل نسعى إلى الراحة التي يبعثها الإيمان في نفوسنا خصوصاً حينما نصل إلى الحقيقة.. ليس حقيقة الوجود الصعبة المنال وإنما حقيقتنا نحن الخاصة ومنطقنا الخاص بنا.
ذو صلة