يمكن رصد الحركة الثقافية المعاصرة في منطقة حائل، على ضوء الحركة الثقافية وتطورها في المملكة العربية السعودية، عبر مراحل تاريخية مختلفة، أسهم فيها العديد من العلماء والمثقفين والمبدعين والكتّاب. فوسائل التعليم القديمة المتمثلة بـ«الكتاتيب»؛ أسهمت في تشكيل الوعي الثقافي في منطقة حائل. وكذلك حلقات المساجد والمكتبات الخاصة؛ وصل عددها في حائل إلى أكثر من عشرين مكتبة خاصة، ومنها على سبيل المثال مكتبة الشيخ عوض الحجي (ت 1303هـ)، ومكتبة الشيخ عبد العزيز المرشدي (ت 1324هـ)، ومكتبة الشيخ يعقوب بن سعد (ت 1303هـ). وفي تلك المرحلة المتقدمة أثرى وجود هذه المكتبات الحركة الثقافية في منطقة حائل، وبرزت حينها ظاهرة نسخ الكتب ووقفها. (عبدالرحمن السويداء: الثقافة والتعليم في منطقة حائل قبل المدارس النظامية، ط1، دار السويداء للنشر والتوزيع، الرياض1423هـ/2002م).
وقد حوت الخزائن العلمية لعلماء مدينة حائل نوادر المخطوطات، ومن تلك الخزائن -على سبيل المثال: خزانة الشيخ صالح البنيان (ت 1330هـ) وتحوي 294 مخطوطاً، وخزانة الشيخ محمد بن سعد (ت 1228هـ) تحوي 169 مخطوطاً، وخزانة الشيخ حمود بن حسين الشغدلي (ت 1390هـ) وتحوي 38 مخطوطاً. حيث تشير المصادر إلى أن أقدم مخطوط نسخه رجل نجدي موجود اليوم في حائل، وهو كتاب الشافي -المعروف بالشرح الكبير- للمقدسي، وهو من أوقاف حمود بن عبيد آل رشيد، ومحفوظ في مكتبة اليعقوب الخاصة بحائل. (حسان الرديعان: منبع الكرم والشمائل في ذكر أخبار وآثار من عاش من أهل العلم في حائل، ط1، مكتبة فهد العلي العريفي في حائل).
والمتابع للشأن الثقافي في منطقة حائل يجد أن تطور الحركة الثقافية كان متدرجاً، حيث كان للشعراء قصب السبق في تمثل الثقافة وتطورها، وذلك بإحياء التراث الشعري العربي والالتزام بقواعده المتعارف عليها في النظم. ويشير السويداء إلى أن الحركة الثقافية المتمثلة بالشعر جاءت على أنواع من الشعراء، وفي مقدمتهم «الشعراء العلماء أو الفقهاء» الذين كان لهم دور في التمهيد للحركة الأدبية من خلال شعر الدعوة والوعظ والإخوانيات والمناسبات. يأتي بعدهم «الشعراء المقلّون»، وهم ممن سار في الاتجاه ذاته لمن سبقهم لكنهم لم يعرفوا كشعراء ومنهم الشيخ حمود بن حسين الشغدلي (1295-1391هـ / 1871-1971م)، وهو من قضاة حائل المشهورين، وقد درس في الأزهر بمصر. ثم يأتي دور الشعراء الشباب، ومن أبرزهم الشاعر إبراهيم بن رشيد الليلا (1914-1983م / 1333- 1403هـ)، وكان يعمل قنصلاً للمملكة العربية السعودية في دمشق. ويؤكد السويداء أن حائل شهدت ظاهرة سماها بظاهرة «الأسر الشاعرة»، حيث برز عدة شعراء من أسرة واحدة، ومنهم -على سبيل المثال: أسرة البنيان، وأسرة الملق، وأسرة السويداء، وأسرة الشغدلي.. وغيرهم من الأسر الحائلية.(عبدالرحمن السويداء: شعراء الجبل، ط1، النادي الأدبي بحائل، 1420هـ/1999م).
ومن أوائل وأبرز مثقفي حائل، الأديب والمؤرخ فهد بن مارك بن عبدالعزيز (1328-1398هـ/1910- 1978م)، الشهير بفهد المارك. له مؤلفات عديدة، من أشهرها كتاب «من شيم العرب» الذي تناول فيه قصصاً في الشجاعة والكرم والتضحية والإيثار.. وغير ذلك، مما اعتبرها أخلاق الفرسان في شبه الجزيرة العربية. وقد صدر هذا الكتاب بطبعته الأولى في دمشق عام 1955م، وله كتب أخرى منها كتاب «افتراها الصهاينة وصدقها العرب» 1385هـ، وكتاب «سجل الشرف أو ذكرى الخالدين»، صدر في بيروت عام 1385هـ، وذكر فيه أسماء الشهداء السعوديين الذين استشهدوا في حرب تحرير فلسطين، وذكر فيه أيضاً أسماء الذين تبرعوا بأموالهم في هذه الحرب. وكتاب «صدى زيارة شبل الجزيرة إلى سوريا»، ويعتبر رصداً لما نشرته الصحافة عن زيارة الملك سعود إلى سوريا، حين كان ولياً للعهد. وبلغ عدد كتب الأستاذ فهد المارك المطبوعة 12 كتاباً، و13 كتاباً آخر لم يطبع. (موسى سليمان السويداء: ترجمة الأستاذ الأديب فهد المارك صاحب كتاب «من شيم العرب»، موقع صيد الفوائد الإلكتروني).
وحين تذكر حائل لا بدّ من ذكر الأستاذ فهد العلي العريفي، الملقب بـ«الجبل الثالث» باعتبار أن مدينة حائل تقع بين الجبلين الشهيرين أجا وسلمى. ويعتبر العريفي رمزاً ثقافياً حائلياً، حيث أنه في طليعة المثقفين الحائليين. ولد عام 1348هـ/1929م، وتتلمذ لفترة قصيرة على يد الشيخ صالح بن محمد الزريقي، ثم التحق بمدرسة سبيل الرشاد (أسسها الشيخ سليمان السكيت) بحائل عام 1353هـ، وبعد افتتاح المدرسة السعودية سنة 1356هـ انتقل الشيخ السكيت وتلاميذه -ومنهم فهد العريفي- إليها، وهي أول مدرسة حكومية بحائل خلال العهد السعودي. سيرته الثقافية زاخرة بالإسهامات، وقد ترك العمل الحكومي متجهاً إلى العمل الحرّ والصحافة والكتابة، وهو عضو مؤسس لمؤسسة اليمامة الصحفية، وعضو في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وعضو بنادي الرياض الأدبي. وقد زاول الكتابة في بعض الصحف والمجلات المحلية والعربية، وأصدر كتابين: «حائل»، و»من وراء الحدود» (انظر: الموقع الإلكتروني لمكتبة فهد العريفي بحائل).
ومن جيل المثقفين الرواد في منطقة حائل الأديب سعد بن خلف العفنان (1358-1434هـ)، الذي رحل تاركاً أربعين كتاباً متنوعاً، أشهرها «حائل وعبقرية المكان». وكان يقدم نفسه بسيرة مختصرة في كتبه بأنه مثقف ثقافة ذاتية. ومنهم أيضاً الأديب عبد الرحمن بن زيد السويداء (1358هـ)، وله عدد كبير من المؤلفات الأدبية والتاريخية. وكذلك الأستاذ عبد الله بن تركي البكر، وهو من التربويين المهتمين في علوم اللغة العربية في المنطقة.
وبالنسبة للحركة الثقافية السردية والشعرية في المنطقة؛ فقد برز عدد من مثقفي حائل المبدعين في المجال السردي، وذلك خلال فترة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات الميلادية. وبشكل عام يأتي في طليعة هؤلاء المبدعين في مجال الرواية والقصة القصيرة والرواية والنص الشعري الحديث والمقالة الصحفية، ومنهم -على سبيل المثال: عاشق الهذال، ويوسف الكويليت، وجارالله الحميد، وفهد السلمان، وجبير المليحان، وعبدالحفيظ الشمري، وسعود الجراد، وأحمد العريفي، وناصر العديلي، وصالح العديلي، وعبدالله الكويليت، وعلي الحبردي، وخالد البليهد، وسعد الهمزاني، وسعود السعدي، وعثمان المجراد، وعيسى الحليان، وعثمان العامر، ومبارك الرباح، وصالح الفهيد.. وغيرهم.
وقد شكلت المؤسسات الثقافية الرسمية رافداً ثقافياً أساسياً في النهوض بالحركة الثقافية في منطقة حائل، حيث أنشئ فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بحائل عام 1412هـ، وتكون أول مجلس لإدارته برئاسة الأستاذ عاشق الهذال رئيساً، ود.عبد الرحمن الفريح مسؤولاً عن النشاط الثقافي، ومحمد السيف مسؤولاً عن النشاط المسرحي، ويوسف الشغدلي مسؤولاً عن الفنون التشكيلية، وفهد الراشد مسؤولاً عن الفنون الشعبية.
وفي عام 1415هـ أنشئ نادي حائل الأدبي، وتكون أول مجلس إدارة له برئاسة د.رشيد العمرو رئيساً، ود.عبدالرحمن الفريح نائباً للرئيس، والأستاذ عبدالرحمن السويداء عضواً، ود.عبدالله العنزي عضواً، وإبراهيم العيد عضواً، واللواء سعود المشعان عضواً، وعبدالرحمن الربيعان عضواً. وقد تولى د.عثمان العامر رئاسة النشاط الثقافي (لجنة منتدى الكلمة). وتجدر الإشارة إلى أهمية جائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية التي ينظمها، والتي تعتبر أول جائزة للرواية على مستوى المملكة.
كما تجدر الإشارة إلى الدعم السخي الذي تحصل عليه النادي من قبل ابن حائل البار معالي الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد منذ إنشائه حتى الآن، إذ تكفل ببناء مقر للنادي تجاوزت قيمته 23 مليون ريال، وتم افتتاح المبنى منتصف هذا العام 1437هـ/2016م.
وقد استقطبت هاتان المؤسستان -في بدايات الألفية الثالثة- الشباب المبدعين في عدة مجالات، ومنهم -على سبيل المثال لا الحصر: عبد السلام الحميد، د.فارس الهمزاني، وسعود السويداء، وخضير الشريهي، ومحمد الحمد، ورشيد الصقري، وشتيوي الغيثي، وسالم الثنيان، ود.عبدالله المطيري، ود.عبدالعزيز النخيلان. وفي فترة لاحقة برزت أسماء أخرى ومنهم -على سبيل المثال: خليف الغالب، وعبدالله الزماي، وبراك البلوي، وعبدالرحمن سعدي.. وغيرهم.
وللمرأة الحائلية إسهامات ثقافية مهمة، لا يمكن تجازوها في الحركة الثقافية والأدبية في المنطقة. ومن تلك الأسماء التي برزت في إسهاماتها الأدبية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر: منيرة الأزيمع، وشيمة الشمري، وسحر السديري، وحنان الرويلي، وآلاء المقرن.. وغيرهن ممن لا يتسع المجال لذكرهن.
وبالإضافة إلى المؤسسات الرسمية برزت الصالونات الثقافية في المنطقة من خلال اثنين من الملتقيات الأسبوعية، وهما: «أربعائية الفريح» و«ثلوثية السيف»، أسهما في إبراز الأنشطة الثقافية منذ بدايات الألفية الثالثة.
وختاماً، تزخر منطقة حائل بالإبداع والمبدعين في شتى المجالات الثقافية، الأدبية والفنية والإعلامية؛ ولكن لضيق المساحة والمجال اكتفينا بذكر بعض النماذج لإلقاء الضوء على ملامح الحركة الثقافية في منطقة حائل وتطورها.