أن توجد دراسات في حقل الأنثروبولوجيا الخليجية، فهذا أمر مطلوب، وأن تكون من أبناء الخليج، فهو أمر ممتاز.
وقد تسيلت العلوم الإنسانية والاجتماعية على بعضها في حقول علم اللغويات وعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وعلم التاريخ والجغرافيا والمجالات النقدية مثل الدراسات الثقافية، فاعتمدت تلك الحقول على الجمع بين مهارات بحثية عدة، وتتباين فيها الاختصاصات الأكاديمية بين الباحثين والباحثات، والمكتسبات التحليلية، والخبرة القرائية، والقدرات التأملية، والتحركات الميدانية، وتتفاوت نتائج تلك الدراسات بين بعضها بعضاً.
على أنه تبقى بعض المدونات الأولى للرحالة والباحثين الإثنوغرافيين الأوروبيين، من المصادر الملهمة لكثير من الباحثين لاحقاً، فيما يخص أهل الحضر والبادية والأقليات وأصحاب المهن، على رأسها ثلاثة كتب (رحلة إلى نجد) (1881) لليدي آن بلنت (1837-1917)، و(الترحال في الصحراء العربية) (1888) لتشارلز داوتي (1843-1926)، و(عرب الصحراء) (1949) لهارولد ديكسون (1881-1959).
على أن المتغيرات السياسية والاقتصادية، باكتشاف النفط واستحداث الصناعات، انعكس على المجتمع الخليجي، ما دعا إلى دراسات تستوعب هذه الظروف الجديدة، فشهد الفضاء نفسه حضور أسماء سعودية وكويتية وبحرينية لامعة، بكتب ودراسات وحوارات في الربع الأخير من القرن العشرين، مثل ثريا التركي وخلدون النقيب وسعد الصويان وعبدالمالك التميمي وباقر النجار وأبو بكر باقادر.
وتأتي إسهامات يتيم في هذا الحقل ضمن السياق ما بين دراسات ميدانية وهي قليلة، ونقدية لدراسات سابقة عليها. كما أنه توسع إلى دراسات خارج مجتمعه البحريني، في الإمارات وقطر ما يغني عدته البحثية وخبرته التحليلية.
يحتوي الكتاب، القائم على أبحاث ومقالات منشورة بين عامي (2001-2016) على أربعة أبواب: الأول، البحرين، ويتكون من فصول ثلاثة: الجذور الاجتماعية للنخب (منشور في مجلة البحرين الثقافية، 2013)، الدين والهوية والمواطنة: الجذور والتحديات (منشور في مجلة وسط أوروبا للدراسات الدولية والأمنية، 2014)، الموسيقى والغناء الشعبي (منشور في مجلة العلوم الإنسانية، 2004). الثاني، الإمارات، ويتكون من فصلين: التخوم الاجتماعية بين أهل الحير (منشور في جريدة دراسات الخليج وشبه الجزيرة العربية، 2001)، والدين والمجتمع في البادية (منشور في مجلة ثقافات، 2009). والباب الثالث، قطر، ويتكون من فصل واحد: البدو والبادية (منشور في مجلة العلوم الإنسانية، 2003). والباب الرابع تجارب وآفاق أنثروبولوجية، ويتكون من أربعة فصول: أنثروبولوجي من الخليج (منشور في مجلة أوان، 2003)، والأنثروبولوجيا الدنماركية والخليج العربي (منشور في مجلة شؤون اجتماعية، 2010)، وإحياء الثقافة الشعبية (منشور في مجلة الثقافة الشعبية، 2009)، وراهن التحولات الثقافية في الخليج العربي (منشور في مجلة الثقافة الشعبية، 2016).
ارتكز يتيم على الترسانة النظرية والعملية لحقل الدراسات الأنثروبولوجية الأوروبية أثناء السير في موضوعات شائكة بكثير من الحذر سواء في دراسة النخب الاجتماعية والسياسية البحرينية، والأنظمة الدينية الخليجية المتصارعة، والجماعات البدوية أهل الحير في الإمارات والمرة والنعيم في قطر أفضى إلى فتح نوافذ لا بد من أن تتسع إلى أبواب.
وبما أن الحقول الدراسية في مجال المجتمع والثقافة، تتسع لها عملية السيلان العلمي والبحثي اللذين يفترضان أن يأخذ كل باحث بنصيبه منه لاتساع الرؤية ولو ضاقت العبارة.
الجدير ذكره أنه صدر للمؤلف كتب أخرى، بالإضافة إلى مقالات وأبحاث في ذات الحقل منذ عام 1993، وهي على التوالي: كلود ليفي ستروس: قراءة في الفكر الأنثروبولوجي المعاصر (1998)، دفاتر أنثروبولوجية: سير وحوارات (2001)، بدو جبال الحجر الإماراتيون: دراسة أنثروبولوجية تاريخية (2007)، المنامة المدينة العربية: دراسة نقدية أنثروبولوجية (2016)، البحرين: المجتمع والثقافة (2017).
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2016.