تنبهت الثقافة العربية إلى دراسة التراث الثقافي المعنوي الذي ينتمي إلى هوامش حواضرها، على أن مثقفين قدامى خصصوا لها فصولاً في كتبهم مثل ابن خلدون في مقدمته والأبشيهي في مستطرفه، وثمة من خصص كتباً مثل صفي الدين الحلي ومحمد النواجي، وفي القرن العشرين واصل ذلك كل من أحمد تيمور باشا وأحمد أمين، واستوعب الحقل الأكاديمي ذلك في الثلث الثاني منه بأطروحات سهير القلماوي وعبد الحميد يونس.
يذكر المؤلف -شاعر أيضاً- الكمالي (1929 - 1984)، بأن الدافع وراء تأليف هذا الكتاب هو أنه يملك ما يلزم دارس هذا الشعر، أي السليقة التي تربت في محيط بدوي بقوله: (قد نشأت في مجتمع قريب من البداوة تسيطر عليه المفاهيم والمثل البدوية، مجتمع ينظر إلى البداوة على أنها القمة في النقاء والأصالة وصفاء النسب. وأنها القدوة والمثال لكل ما هو حسن، حتى إن الفرد في منطقنا ليتشبه بأهل البادية في حديثه وتصرفاته إن أراد الظهور بمظهر العريق في النسب والرفعة في المكانة).
ويقصد الكمالي ببدو (الجناح الشرقي من الوطن العربي، أعني بدو سيناء وبوادي الأردن ونجد والشام والعراق والكويت والبحرين وقطر).
يحتوي الكتاب على سبعة أبواب بفصولها متوالية: الباب الأول: البدو وأقسامهم، أهم القبائل البدوية، التكوين الاجتماعي عند البدو، حياتهم الدينية والعقلية، الحالة الاجتماعية. والثاني: الشعر عند البدو، أنواع الشعر البدوي. والرابع: خصائص الشعر البدوي، والقصيدة وخصائصها، الأوزان والقوافي. والخامس: أغراض الشعر البدوي، الغزل، والمدح، والرثاء، الفخر والحماسة، والهجاء، الوصف. والسادس: مقارنة بين الشعرين، البدوي والجاهلي. والسابع: نماذج من الشعر البدوي.
خصص الفصل الثاني من الباب الأول بالقبائل البدوية التالية: شمر، عنزة، الضفير، حرب، مطير، العجمان، بني مرة، بني هاجر، قحطان، بني خالد، الحويطات، العدوان، بني صخر، صليب أو صلبة.
وتنبه إلى رأي المؤرخ الاجتماعي ابن خلدون، وطرح الاصطلاح النقدي حول تسمية هذا الشعر بدوياً أم شعبياً، ويمكن الرجوع إلى مؤلف الأديب عبدالله بن خميس (الأدب الشعبي في جزيرة العرب) (1958) الذي طرح المسألة، وإن كان كلا المصطلحين امحيا لصالح مصطلح طغى عليهما هو (الشعر النبطي) الذي حملته المدونات الشعرية التي أطلقت أولى مطبوعاتها (رسالة في شعر النبط) (1911) وصولاً إلى كتاب الباحث سعد العبدالله الصويان (الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص) (2000).
وفي الباب الثالث وضع المؤلف تصنيفاً لهذا الأدب الشعري البدوي بأشكاله الشعرية: القصيد والحداء، والسامري، والهجيني، أضاف إليها رقصة الدحة والحماشي.
إن الملفت أن هذه الأشكال الشعرية نصوص لا تقوم لها قائمة دون طروقها، أي: قوالبها الأدائية بنصوصها وأنغامها وإيقاعها، كما أن هذه القوالب لا تخص البدو، فإذا كان القصيد يقوم على طروق الربابة، فالسامري يقوم على الطبول والطيران عند أهل القرى متنوع في طرق أدائه والمشاركة الجماعية بصفوفه سواء عند الرجال أو النساء، والهجيني غناء يرافق الجمالة وهم عاملة نجد. كما أن رقصة الدحة -رقصة الحرب- تخص الشمال الغربي من الجزيرة العربية غوراً إلى صحراء النقب. وأما الحماشي فهو المثولث الذي يستخدم في المحاورات الشعرية، وليس القلطة (المراد).
واعتنى في الباب السادس بمقارنة بين الشعرين: البدوي والجاهلي على فكرة أن الأول يماثل الثاني (مع فساد لغته)، ورددت هذه الفكرة كثيراً في مؤلفات باحثين مثل غسان الحسن وسعد الصويان، وأقام عليها مرسل العجمي كتابه (النخلة والجمل: علاقات الشعر النبطي بالشعر الجاهلي) (2012).
تكتشف قيمة السابق باللاحق، وفي ذلك اغتناء للمكتبة العربية.
المطبعة: جامعة بغداد 1964