في الحديث عن الأديب الإخباري (يموت بن المزرّع) وردت حكايات كثيرة من ضمنها أن (ابن المدبّر الضبي) الكاتب المعروف كان إذا مدحه شاعر فلم يرض شعره، قال لغلامه:
امض به إلى المسجد الجامع ولا تفارقه حتى يصلي مئة ركعة ثم أطلقه، فتحاشاه الشعراء إلا الأفراد المجيدين، فجاءه أبو عبدالله الحسين بن عبدالسلام المصري المعروف (بالجمل) فاستأذنه في النشيد، فقال له: قد عرفت الشرط؟ قال نعم، ثم أنشده:
أردنا في أبي حسن مديحاً
كما بالمدح تنتجع الولاة
وقلنا أكرم الثقلين طراً
ومن كفاه دجلة والفرات
فقالوا: يقبل المدحات لكن
جوائزه عليهن الصلاة
فقلت لهم وما تغني صلاتي
عيالي، إنما الشأن الزكاة
فيأمر لي بكسر الصاد منها
فتصبحليالصلاةهيالصلات
فضحك (ابن المدبر) واستظرفه، وقال: من أين أخذت هذا؟ فقال: من قول أبي تمام الطائي:
هن الحمام فإن كسرت عيافةً
من حائهن فإنهن حِمام
فاستحسن ذلك وأحسن صلته..
أما عن: (يموت بن المزرع)، فهو ذاك الذي قال فيه منصور الفقيه الضرير الشاعر المشهور مادحاً:
أنت تحيا والذي يكره
أن تحيا يموت
أنت صنو النفس
بل أنت لروح النفس قوت
أنت للحكمة بيت
لا خلت منك البيوت
كان له ولد يُدعى (مهلهل) وكان شاعراً، فقال ناصحاً له:
مهلهل قد حلبتُ شطور دهري
وكافحني بها الزمن العنوت
وحاربت الرجال بكل ريع
فأذعن لي الحُثالة والرتوت
فأوجع ما أُجن عليه قلبي
كريم غتّه زمن غتوت
كفى حزناً بضيعة ذي قديمٍ
وأنباء العبيد لها البخوت
وقد أسهرت عيني بعد غُمضٍ
مخافة أن تضيع إذا فنيت
وفي لطف المهيمن لي عزاء
بمثلك إن فنيتُ وإن بقيت
فجب في الأرض وابغ بها علواً
ولا تقطعك جائحة سبوت
وإن بخل العليم عليك يوماً
فَذِل له وديدنك السكوت
وقل بالعلم كان أبي جواداً
يقال، ومن أبوك فقل يموت
يقرّ لك الأباعد والأداني
بعلم ليس يجحده البهوت