عندما تولى الشيوعيون المصريون في الستينات أمور الثقافة، الفن في الصحف والمجلات وفي مؤسسات وزارة الثقافة مثل الثقافة الجماهيرية ومؤسسة السينما والمسرح تبنوا الأدب والفن الهادف وادعى البعض منهم أنهم ينشدون نشر المذهب الواقعي في الإبداع الأدبي والفني، ولذلك قام الشيوعيون بتشجيع الكتابات التي تصور الفقر والبؤس وآلام المصريين في أعمال أحالت الحياة إلى بقعة سوداء.
وفي نفس الوقت قاموا باضطهاد الكتاب والفنانين الذين اتصفت أعمالهم بالرومانسية أو أي مذهب آخر غير مذهب الواقعية. واضهد الشيوعيون كل الروايات العاطفية ووقفوا ضد كتابها وحرموهم من أن ينالوا خطوة عن أعمالهم وهم يتصورون أنهم بهذا التجاهل إنما يقضون على أعمال يوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله وإحسان عبدالقدوس، رغم أن إحسان من كتاب الواقعية وكذلك يوسف السباعي في بعض أعماله مثل روايته (السقا مات) ورواية (ليل له آخر) والكثير من القصص القصيرة. والغريب أن الروايات التي قام بكتابتها هؤلاء الثلاثة ولم تنل إعجاب النقاد وأهل الأدب وأهل الفن من الشيوعيين وترفعوا عن ذكرها في كتاباتهم أو في أحاديثهم قد حققت رواجاً كبيراً في سوق النشر وكانت مبيعاتها أعلى المبيعات بكثير من الروايات التي امتدحوها.
والكتاب الذين كانوا يكتبون تحت شعار الواقعية أو بمعنى أدق تحت ادعاء بالواقعية ينطبق عليهم ما قاله آلان روب جرييه (بأنهم يعتقدون أنهم واقعيون) ويحاول كل منهم أن يتنصل مما وصفه به بعض النقاد على أنه كلاسيكي أو رمزي أو يميل في أعماله للأوهام والخيال الذي يصل إلى الفانتازيا.
وربما وجد بعض أساتذة الجامعة ممن يقومون بتدريس الأدب في بعض كليات الآداب ويعملون بالنقد في الصحف والمجلات أن ما يحدث في مجال التصنيف والنقد الأدبي والفني قد أثار البلبلة والخلط فيما يتعلق بالمذهب الواقعي وذلك بالنسبة لمن يدعون ذلك من الكتاب وكذلك القراء. ولذلك قام بعض هؤلاء النقاد الكبار بكتابة البحوث والمقالات من أجل توضيح المذهب الواقعي لهؤلاء المدعين بمعرفة هذا المذهب المظلوم.
وقد اعتمدنا في تعريف مصطلح الواقعية في الأدب على بعض معاجم المصطلحات الأدبية المعروفة وبعد ذلك سوف نعرض لما قاله كبار النقاد في الشرق والغرب عن هذا المذهب.
يقول س. س. لويس بأن الواقعية لازمت الأدب منذ بدايته وقد ضرب أمثلة بذلك في (ملحمة بيولف) ورواية (موت آرثر) و(جوين) و(يونس في بطن الحوت). ورغم أن الواقعية توحي دائماً بدقة في التفاصيل، ومعلومات دقيقة عن المكان، وإيهام باحتمالية الوقوع، فإن هذا الاصطلاح قد أضيف إلى معناه من خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين والتركيز على التفاصيل الفوتوغرافية والتحليل الدقيق للأشياء كما هي عليه. وإحباطات الأشخاص في أجواء الحرمان والتحلل والقذارة.
ومعنى الواقعية في علم الجمال هو كل فن يحاول أن يمثل الأشياء بأقرب صورة لها في العالم الخارجي. (والواقعية هنا بالطبع نسبية لأن تمثيل الأشياء لابد أن يتأثر بميول الفنان ومهما كانت واقعية الفنان بالنسبة للشيء الذي يقوم بتصويره فلابد وأنه ينظر إليه من زاوية معينة تختلف إذا ما نظر فنان آخر إلى نفس الموضوع فسوف يكون مختلفاً عما قبله).
وقد ازدهرت مدرسة واقعية في الأدب الفرنسي في منتصف القرن التاسع عشر بقيادة شامفلوري وجوستاف فلوبير والأخوين جونكور (إدموندوجول). كانت تتميز هذه المدرسة بالقصص الواقعي اشتقت موضوعاتها من حوادث جرى ذكرها بالفعل في الصحف اليومية أو تكون مبنية على وثائق تاريخية دقيقة تصور أشخاصاً عاديين في حياتهم اليومية تصويراً تتلاشى فيه الأهواء الشخصية للكاتب.
وكما يقول الشاعر الإنجليزي وليم وردزورث: (اختيار أحداث ومواقف من الحياة الشائعة وإعادة تقديمها أو وصفها بقدر المستطاع من خلال اختيار لغة يستخدمها الناس حقيقة، وفي نفس الوقت إضفاء بعض التلوين الخيالي عليها حتى يبدو العادي كشيء خيالي. فقد أردت أن أجعل القارئ في صحبة اللحم والدم). ولكن هذه المسحة الرومانتيكية التي تتجلى في الجزء الأخير من كلام وردزورث لا تتفق مع النزعة الواقعية لأن الواقعية في الأدب هي تصوير الحياة بأمانة. ولذلك فليست لها علاقة بالمثالية وبتصوير أشياء جميلة على غير ما هي عليه أو على أي الأحوال تقديمها في أي مظهر كاذب. ولا على أساس القاعدة تهتم الواقعية بتقديم المتجاوز المحدود أو التسامي رغم أنه بالطبع تعتبر كتابات ريتشارد رول الهامبولي على سبيل المثال أو القصائد الصوفية للقديس جون الصليبي هي واقعية بشكل كاف إذا كنا نؤمن بالله والنظام الروحاني. وتختص الكتابات الصوفية والكشفية بتقييم خاص قد يسمى (ما فوق الواقع) وعلى كل يميل المرء إلى أن يفكر في الواقعية في ضوء اليومي والعادي والبراجماتي. وبشكل أكثر نضوجاً تفترض الواقعية سترات مخلوعة وأكماماً مشمرة ومدخلاً عقلانياً.
وقد يفترض المرء بأن معظم الكتاب قد اهتموا بالواقع ومن ثَم نتج عن ذلك بعض المحاولات في أشكال الواقعية منذ بداية التاريخ. ومن الممكن أن نحسب كثيراً من الأدب على الواقعية وكثيراً من الملاحم رغم أنها عن رجال خارقين وعن أعمال بطولية.
ومعظم الدراما عندما تستخدم أسلوباً معيناً فإنها تتقولب كما في الدراما اليابانية على سبيل المثال. وأن معظم الشعر الذي كتبه جورج كراب وردياردكيبلنج وروبرت فروست أكثر واقعية من أعمال هيوزمانزوفيربانكوايفيكومبتون–بيزنت أكثر واقعية بمعنى اقترابها من الأرض وأكثر قرباً من الحياة اليومية وبذلك تكون داخل خبرة الإنسان.
يقول الدكتور مجدي وهبة بأن معنى الواقعية في علم الجمال: (هو كل من يحاول أن يمثل الأشياء بأقرب صورة لها في العالم الخارجي). والواقعية هنا بالطبيعة نسبية لأن تمثيل الأشياء لابد أن يتأثر بميول الفنان. وقد ازدهرت مدرسة واقعية في الأدب الفرنسي في منتصف القرن التاسع عشر بقيادة:
شامفلوري Shamfeury) 1821 - 1889)
وجوستفافلوبير1821 - 1880 (GustaveFloubert )
والأخوانجونكور - إدموند جونكورEdmonGoncurt) 1822 - 1896)
وجول جونكور 1832 - 1870
( Jule Goncourt)
وكانت هذه المدرسة تتميز بالقصص الواقعي التي تكون موضوعات اشتقت من حوادث ذكرت مثلاً في الصحف اليومية أو تكون بنيت على وثائق تاريخية دقيقة تصور أشخاصاً عاديين في حياتهم اليومية تصويراً تتلاشى فيه الأهواء الشخصية للكاتب. وهذه هي الدراسة التي ينسج على منوالها إلى حد كبير القصاصون المحدثون في العالم العربي.
ونلاحظ أن ما أورده الدكتور مجدي وهبة في قاموسه ما هو إلا ترجمة حرفية لما جاء في قاموس كادون للمصطلحات الأدبية الذي أوردناه قبل أن نورد ما قاله الدكتور مجدي وهبة.
تقول كاثلين مورنر و رالف روش في قاموسهما للتعريف بمصطلح الواقعية في الأدب: الواقعية عامة هي تصوير الواقع أو الحياة أو من باب الاحتمال، وهو هدف متكرر في الأدب غالباً ما نراه متناقضاً مع أهداف الرومانتيكية والانطباعية والتعبيرية، والواقعية هي أيضاً اسم الحركة الأدبية في أوروبا -خاصة في فرنسا- وأمريكا وإنجلترا في القرن التاسع عشر حيث تأسست الرواية كنوع فريد قادر على أن يعكس الحياة العادية للشخص العادي. والواقعيون في القرن التاسع عشر بما يشمل الروائيين، يختلفون في نظراتهم وأسلوبهم مثل أونوريه دي بلزاك وجوستاف فلوبير في فرنسا وجورج إليوت وجورج ميريديث وأنتوني ترولوب في إنجلترا. ووليام دين هاولز ومارك توين وهنري جيمس في الولايات المتحدة وإيفان تور جنيف وفيدوردوستويفكسي وليو تولستوي في روسيا.
ونتيجة للتأثر باتساع رقعة الفقراء من الطبقة الوسطى حيث كتب الواقعيون هؤلاء عن مشاكل وصراعات شخصية يستطيعون هم وقراؤها التماثل معهم. كان هدفهم تقديم شخصيات ومواقف وكأنما يكتبون تقريراً عليها من واقع الحياة. ومع ذلك لم يكن هناك عشوائية بالنسبة لحرفية الواقعيين. فقد كانوا يعانون في اختيار الأحداث والأماكن والحوار التي كانت تمثل الواقعية. وكان أسلوبهم ينتقي بعناية فرواية (مدام بوفاري) لفلوبير مشهورة بأسلوبها الراقي حتى أن فلوبير وصف نفسه كمن يتدحرج على الأرض متألماً من أجل البحث عن الكلمة السليمة (Lemot Guste) فأراد الواقعيون أيضاً خلق الوهم بأن قصصهم تعبر عن نفسها. ولم يهتموا بالحبكة وأكثر من ذلك اهتموا بالتحليل النفسي للشخصيات وهو اتجاه ساد من خلال هنري جيمس وأدى إلى ظهور الرواية السيكولوجية ثم إلى رواية (تيار الوعي).
وتختلط الواقعية أحياناً مع (الطبيعة) وهي حركة نمت من خلال الواقعية ولكنها لم تحل محلها. فالطبيعة إصلاح لفلسفة الحتمية نلمسها في الشخصيات الذين وقعوا في شرك قوى الوراثة والبيئة ولا يستطيعون الفكاك منها.
في حين يرى هاري شو أن الواقعية هي نظرية في الكتابة حيث يتم تصوير المظاهر المألوفة والمعتادة من الحياة بطريقة حقيقية مباشرة صممت لتعكس الحياة كما هي. ومعالجة الموضوع بطريقة تقدم وصفاً دقيقاً للحياة اليومية التي تخص غالباً الطبقات المتوسطة والمعدمة.
(الواقعية التي تشير إلى كل من المضمون والتقنية في الإبداع الأدبي بدأت مع الأدب منذ نشأته. على سبيل المثال الروائيون الإنجليز وكتاب المقالات س. س. لويس) التنين يشهق على الحجر (في ملحمة بيولف) وليامون آرثر عند سماعه أنه أصبح ملكاً فجلس هادئاً وأحياناً كان يحمر وجهه وأحياناً يبدو شاحباً والبروج العالية في (جوين) التي بدت وكأنها كانت مكشوطة على الورق (ودخول يونس بطن الحوت) مثل ذرة غبار تدخل من باب أحد الأديرة وفولستاف على فراش الموت (يتشبث بالغطاء).
ورغم أن الواقعية تتوخى دائماً الدقة في الكلام والتفاصيل وخلفية المعلومات الدقيقة واهتمام بالنقد فقد أضيف إلى الاصطلاح معنى جديد من خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في القارة وإنجلترا والولايات المتحدة: التركيز على التفاصيل الفوتوغرافية ومعالجة وتحليل الأشياء كما هي في الواقع وإحباط الشخصيات في جو من التحلل والحرمان والخسة. كانت الواقعية ومازالت اصطلاحاً غامضاً ومراوغاً ولكن من الإنصاف أن نقول إن المظاهر المختلفة للموضوع (الواقعي) والمعالجة التي ظهرت في مسرحيات وقصائد وقصص قصيرة عديدة وحديثة في أعمال كتاب مثل دانيل ديفو وهنري فيلدنجوثاكري وديكنز وبلزاك وزولا وتولستوي ومارك توين ووليام دين هاولز وجون جالزورثي وسنكلير لويس وجون أو. هارا.
ويحاول أندرو إدار وبيتر سيدويك أن يقوما بتعريف الواقعية كمصطلح في مجال الأدب وعلم الجمال حيث يشيران إلى أن مصطلح الواقعية إنما يعني تلك الأساليب الخاصة بالعرض الفني الذي يفترض من أنها تعمل من خلال نوع من المشابهة أو المحاكاة بين العمل الفني والموضوع الذي يصوره (ومن ثم فإن لوحة زيتية يرسمها الفنان فيرمير Vermere أو رواية يكتبها والترسكوت Walter Scott تبدوان في ظاهر الأمر وكأنهما تقدمان صورة أو وصفاً لأحداث تشابه الكيفية التي نعايش بها تلك الأحداث في الحياة الواقعية. وفي مقابل ذلك نجد أن لوحة تعبيرية من أعمال الفنان مونش Munch تقدم في أحسن الأحوال صورة محرفة للواقع).
ويستطرد التعريف بعد ذلك حيث قام النقد الأدبي وعلم الجمال الماركسي بوضع الواقعية في مواجهة الحداثة وكيف أن ذلك قد أثار جدلاً خطيراً حول مدى اتصاف هاتين النزعتين بالتقدمية السياسية. فمن ناحية قام جورج لوكاش G.Lukacs بالدفاع عن الواقعية في أعمال بلزاك مثلاً وذلك لقيام هذه الأعمال بالتعبير عن مجمل الواقع الاجتماعي (أي مختلف القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعمل وتؤثر تحت سطح الأحداث الاجتماعية التي تبدو في ظاهرها أحداثاً عرضية طارئة).
ثم يجيء بعد ذلك الحديث عن مدرسة فرانكفورت وانتقادات مفكريها للواقعية وذلك لفشلها في التعمق في الممارسات والأعراف التي تحكم الصورة الفنية (فبدلاً من تعبيرها عن المجتمع كما هو عليه في واقع الأمر، قامت بإعداد صورة للمجتمع بعد أقلمتها وإضفاء الطابع الأيديولوجي عليها).
وقد تشكك بعض الفلاسفة من غير الماركسيين وأشهرهم نلسون جودمان في إمكانية التفرقة بين الأعمال الفنية أو الأدبية الواقعية وغير الواقعية. إذ يرى جودمان، من خلال ملاحظته لعدد من المشكلات المتصلة بالتفسير الدقيق لمعنى التشابه بين العمل الفني والواقع ومكمن هذا التشابه، وشاهد ذلك لفتة النظر إلى أن اللوحة الزيتية تشبه لوحة زيتية أخرى إلى درجة أقرب مما تشبه به أي منهما الموضوع الذي تعبر عنه، وذلك رغم أنه من النادر أن تكون لوحة زيتية صورة للوحة زيتية أخرى، يرى أن الواقعية في حقيقة الأمر إنما تحكمها الأساليب والأعراف السائدة في تفسير الأمر يختلط علينا عندما نظن أن العلاقة بين اللوحة الزيتية الواقعية وبين الموضوع الذي تعبر عنه علاقة مباشرة أو طبيعية إنما يرجع إلى أننا تعلمنا هذه الأساليب التقليدية في تفسير العمل الفني وتشربناها إلى حد بعيد وفي مرحلة مبكرة من مراحل تطورنا.
وفي (معجم أكسفورد للأدب الفرنسي) يرى أن الواقعية: هي حركة في الرواية الفرنسية بلغت أوجها بين 1850 - 1865 وقع عكست هذه الحركة إتمام الكتاب الوضعيين التقدميين وظهور العصر العلمي بالنسبة للحقائق المادية والرفض العام للحماس الرومانتيكي الغامض. فقد نادت الرومانتيكية بحرية الفنون، أما الواقعية فكان شعارها (الأمانة في الفن).
ويعتبر ستندال وبلزاك إلى حد ما بين رواد الواقعية (فقد دعم ستندال أحداث شخصياته حيث يتقدمون بشكل منطقي من عوامل صغيرة عديدة تكون طبيعتهم وتؤثر في دوافعهم (رغم أنه يجب أن نلاحظ أن عوامل ستندال كانت أخلاقية أكثر من كونها مادية) وأعلن بلزاك أن رواياته ذات قيمة اجتماعية وتعتبر دراسة لقيم المجتمع وكانت بشيراً حقيقياً. ولقد لعبت نظرية (التوثيق) دوراً قوياً في كل الرواية الواقعية والرواية الطبيعية: انبثقت من دقة الواقع الذي اتخذه بلزاك كخشبة مسرح لقصصه. وجعل بلزاك شخصياته معروفة بملاحظته التفصيلية للحقائق المادية في حياتهم والبيوت التي عاشوا فيها وعادات حياتهم والرحلات التي يقومون بها ومعاملاتهم التجارية).
وقد أيد الفيلسوف والناقد الفرنسي الشهير هيبوليت تين هذه المظاهرة في روايات ستندال وبلزاك، واعتبر تين نفسه عن طريق كتاباته كواحد من القوى العظمى (الواقعية والطبيعية) وعلى الرغم من أن اصطلاح الواقعية واصطلاح الطبيعة غالباً ما يختلطان لاشتراكهما كثيراً في بعض الملامح إلا أن عقائد الطبيعتين المبالغ فيها كانت أبعد من عقائد الواقعيين.
ويدين الواقعيون للمصور كوربيه ديناً كبيراً فهو الذي قدم الواقعية في الفن قبل تطبيقها في الأدب. وفي عام 1848 أعلن نيته في رسم الحديث والسوقي فقط. وجذبت نظرياته عدداً من الفنانين والكتاب وانتقلت من الفن إلى الأدب بواسطة شامفليري الروائي الذي أصبح رائداً للحركة حيث كتب عدداً من الروايات يقل أو يزيد قراؤها مثل حال الواقعية وذلك لتكون بمثابة (مانفستو) للعقيدة الجديدة. وكان هدف الواقعيين المتشددين هو تقديم استنساخ دقيق للحياة في كل مظاهرها. كان على الرواية أن تقدم التاريخ الذي يكون قد حدث (كما قال الأخوانجونكور ومفهوم بلزاك الاجتماعي للرواية) وعلى هذا فيجب توثيقها كما يجب أن يكون العمل التاريخي بنفس الاعتبار الدقيق للحقيقة، كل حقيقة وكل تفصيلة للخلفية لابد من تسجيلها بجدية ودون مبالغة أو وصف عشوائي دون اعتبار للأسلوب والبعد عن الخيال والعاطفة وحب الشكل ومعالجة الأصوات والصور والألوان على أكمل وجه والجهد من أجل استبعاد الجمال المثالي الزائف والحركات المزيفة الأحداث الكارثية والعواطف المؤثرة الحقيقية. فيجب أخذ الموضوعات من الحياة المعاصرة اليومية ومن الأفضل من الطبقة الدنيا والبورجوازية الصغيرة والحياة الصناعية حيث يمكن الحصول على الحقيقة العارية.
وعندما ظهرت رواية فلوبير (مدام بوفاري) للمرة الأولى في (ريفي باريس عام 1856 وفي شكل كتاب 1857 هتفوا لها كانتصار للواقعية) وأيضاً في تاريخ لاحق (للطبيعة) (وعارض فلوبير هذا التصنيف) لرصدها القريب من الحياة وكون الحدث فعلاً حتمياً حيث يرجع السبب والتأثير إلى طبيعة الشخصيات نفسها.
ونادراً ما يلاحظ عظمة الكتاب كعمل فني أو يلاحظ فقط بشكل سلبي عندما ينتقده بشدة بعض الواقعيين المتشددين لأنه قد كتب بحرص شديد. وكانت رواية (جميني لاسيرتو) هي الأخرى أكثر واقعية كتبها 1865 إدموند وجول جونكور رغم أنها مرة أخرى بأسلوبها -الأسلوب الانطباعي المتشنج الذي اتخذه هؤلاء المؤلفون أسلوباً غريباً- الذي لا يختلف عن النتاج الواقعي العادي. إنها تمثل الواقعية التي آمنت بأن العام في هذه الحالة يعني الرذيلة والفسق وعدم أخلاقية الطبقات العاملة يمكن تحققها بأقصى درجة من الحيوية عن طريق الدراسة القريبة للشكل المبالغ فيه للخاص. فالخاص هو خادمة ضحية شكل شاذ من الهيستريا فهي تغرب في الشرب والسرقة والرذيلة وأكثر أشكال الفسق وحشية وفي النهاية تموت بمرض السل.