مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

أحمد زكي أبو شادي.. مؤسس مجلة وجماعة أبولو

أسهم الأديب والدكتور أحمد زكي أبو شادي، في بناء النهضة الأدبية المعاصرة في مصر والشرق العربي، ويتضح لنا ذلك جلياً من خلال كتبه وثقافته المتنوعة، ما أسهم في بلورة النقد الأدبي الحديث، ورسم خطاه ومناهجه الحديثة.
فلقد شهد الثلث الأول من القرن العشرين حركات أدبية جديدة في بعض البلاد العربية وفي المهجر الأمريكي هدفت إلى الارتقاء بمستوى الأدب العربي، وتخليص الشعر من قيود الصنعة، والتقليد والمحاكاة، وقد لمعت في سماء هذه الحركات الأدبية المجددة معارك نقدية، عكست كثيراً من الآراء والاتجاهات وأسهمت في دفع عجلة الأدب إلى الأمام وزودته بمقاييس جديدة.
فكان أبو شادي أحد أبرز رواد المدرسة الرومانسية في الشعر العربي الحديث، والذي يعرف عن نفسه بقوله:
وهل كان شعري غير إيمان مهجتي
وعشقي وإحساسي ولحني المردد
ولد الأديب أحمد زكي أبو شادي في القاهرة (1892) بحي عابدين، ونشأ في أسرة علمية أدبية، فوالده محمد بك أبو شادي كان نقيباً للمحامين، ومن أعضاء حزب الوفد المميزين، وله صالون أدبي يلتقي فيه كبار شعراء مصر وأدبائها، أما والدته فهي أمينة نجيب، من السيدات الأديبات الشاعرات، وكان أخوها مصطفى نجيب أديباً وطنياً.
وقد ظهرت موهبة أبو شادي الشعرية والأدبية في المرحلة الثانوية، حيث كان من تلاميذ الزعيم مصطفى كامل، ورغم أنه بدأ في سن مبكرة، إلا أن شعره كان رقيقاً ماتعاً، يمجد الوطنية، ويدعو إلى الحرية، والتجديد والخروج على الأساليب القديمة، واحتفظ بهذا الطابع على مر السنين.
درس أبو شادي الطب بمدرسة القصر العيني، وسافر ليكمل دراسة الطب في إنجلترا، وأتقن اللغة الإنجليزية، وتعمق في الأدب الإنجليزي، إلى جانب دراسته، ما زاده تعلقاً بالتجديد، في الأدب والشعر.
وتخصص في البكتريولوجيا، وأصدر له كتاب (الطبيب والمعمل)، وكتب له المقدمة العالم المصري محمد خليل عبدالخالق.
كما اهتم زكي بعالم النحل، حيث قام بتأسيس نادي النحل المصري، الذي حياه أمير الشعراء أحمد شوقي، بقصيدة بعنوان (مملكة النحل) عام (1923). ثم عاد إلى موطنه، وتنقل في مناصب حكومية.
ومن ثم كون أبو شادي، جماعة أبولو أول مدرسة أدبية، وتزعمها، حيث تدعو إلى الحرية في الفكر والأدب والفن، وكانت المدرسة لها مجلة أدبية تحمل نفس الاسم (مجلة أبولو) الشعرية الأدبية، والتي سبقت تأسيس الجماعة، وهي تكاد الوحيدة في العالم العربي، وكان يدعو فيها إلى تجديد الشعر العربي.
وقد منحت رئاسة مدرسة أبولو في البداية لأحمد شوقي، رغم خياره التقليدي في الشعر، ثم نقلت إلى المجدّد خليل مطران القادم من الشام، وقد ضمت الشعراء مثل، إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، ومحمد عبدالمعطي الهمرشي، وصالح جودت، وأبو قاسم الشابي، وجميلة العلايلي، واستمرت قرابة ثلاث سنوات ثم احتجبت لما لاقته من هجوم وحرب قاسية، من شعراء مدرسة الإحياء والبعث، وقد هاجمهم العقاد، هجوماً لاذعاً، وتحت شدة الجحود الذي أطبق على جهوده، وكاد أن يخنقه، لذلك قرر أبو شادي الرحيل والهجرة إلى نيويورك.
وقال في الكلمة الأخيرة التي ودّع فيها أبو شادي مجلّته وجماعته: (ربما ختمنا بهذا العدد الممتاز المجلّد الثالث من هذه المجلّة، كما نختتم بختام هذه السنة جميع جهودنا العامة إلى غير عودة. المعاكسات المتنوّعة والإساءات الجمّة التي أصابتنا من الحكوميين ومن غيرهم فاقت كل حدود الاحتمال).
وفي نيويورك بدأ نشاطه الأدبي والشعري يتدفق، وكتب في بعض الصحف العربية، وارتاد الأندية الأدبية، وحرر مجلة الهدى، وعمل في إذاعة صوت أمريكا، ومن ثم أسس جماعة أدبية، عرفت برابطة (منيرفا)، على غرار جماعة أبولو، وضمت عدداً من الأدباء والمفكرين العرب والأمريكيين، واختير بأن يكون عضواً في (لجنة حقوق الإنسان الدولية). ورغم هجرته للعالم الجديد، إلا أنه كان دائم الصلة بوطنه، ذاكراً مصر في كل أحاديثه ومحاضراته ويناضل عنها ويحن إليها، وكان يقول: (وددت قبل مماتي أن أراك يا مصر مرة، وأن أكون في جنان، فريدة الحسن حرة). إلى أن وافته المنية في واشنطن (1955).
ولقد ترك لنا أبوشادي إرثا أدبياً ضخماً متنوعاً، فقد صدر له أكثر من عشرين ديواناً شعرياً منهم: أنداء الفجر، وأنين ورنين، ورجع الصدى، والشفق الباكي، وكان آخر دواوينه (من السماء).
كما أصدر أوبرات الشعر التمثيلي منها: (إحسان- أردشير- الزباء- الآلهة). وتطرق أبو شادي إلى القصة الشعرية فترك قصة عبده بك، وقصة معها، إلى جانب إسهاماته في المسرحيات الغنائية، والشعر الغنائي. وعدة كتب منها، قضايا الشعر المعاصر.
ومن المفارقات أنه حينما بدأ أبو شادي، في كتابه (قضايا الشعر المعاصر)، جمع فيه مقالاته وصدر عام (1956)، بدفاع صريح وواضح عما كان يسمّى في أيامه (الشعر المنثور)، والذي عرف لاحقاً باسم (قصيدة النثر).
وقد نشر عدة مقالات في (قصيدة النثر) بمجلة (شعر) ولتُطلق بعد ذلك الشاعرة نازك الملائكة، هجمة ضارية على قصيدة النثر، في كتابها الذي أعطته عنوان كتاب أبو شادي نفسه، أي (قضايا الشعر المعاصر) في عام (1962).
وليس معروفاً ما إذا كانت نازك على معرفة بمقالات أبو شادي، وأنها كانت تردّ على دفاعه، فصبّت هجومها فقط على ما نشرته مجلة (شعر) البيروتية، واعتبرته (بدعة غريبة)، لخّصتها بالقول إن بعض المطابع تُصدر كتباً تضمّ بين دفاتها نثراً طبيعياً مثل أي نثر آخر، غير أنها تكتب على أغلفتها كلمة (شعر) إلى أن قالت (وقد تبنّت مجلة (شعر) هذه الدعوة وأحدثت حولها ضجيجاً مستمراً، لم تكن فيه مصلحة لا للأدب العربي، ولا للغة العربية، ولا للأمة العربية).
ووفق رأي أبو شادي أن الأمر هذه المرّة لم يكن نزاعاً حول الشعر بين محافظين ومجدّدين، كما كان قديماً، بل هو (نزاعٌ بين المجدّدين وحدهم).

ذو صلة