مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

الإبل في الموروث اللغوي الحَسَّانِي

يتوافر كل بلد على لغة رسمية، وعلى لهجات متنوعة تختلف من منطقة لأخرى، ويعد المغرب من البلدان العربية التي تنتشر بها لهجات متعددة ومن ضمنها الحَسَّانِيَّة، وهي بمثابة لهجة عربية مستعملة في الصحراء المغربية وموريتانيا، وتشكل الحسانية اللغة الأم لساكنة تعيش في مساحة جغرافية تمتد من وادي نون في الجنوب المغربي إلى نهر السنغال جنوب القطر الموريتاني.
كما تنسب الحسانية إلى اللهجات العربية البدوية التي تختلف عن اللهجات الحضرية بخاصياتها الصوتية والصرفية، وبالرغم من اتساع مجالها الجغرافي فإنها لا تختلف كثيراً من منطقة إلى أخرى، وتسمى الحسانية عند الناطقين بها (كَلاَم البِيضَانْ) أو (كَلاَم البِيضْ) لتمييزها عن اللهجات الزنجية والأمازيغية التي تحيط بها. ويقول في هذا الصدد الباحث في التراث الحساني أحمد بن الأمين الشنقيطي في كتابه (الوسيط في تراجم أدباء شنقيط): (الحسانية خليط من العربية الفصحى الممزوجة بالعامية، ويسميها أهلها بكلام حَسَّانْ، نسبة لقبيلة بني حسان العربية التي هاجرت إلى المنطقة، قادمين من المعقل، ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين...).
كما يتميز أيضاً المعجم اللغوي الحساني بغناه وتنوعه على مستوى الكلمات والتعابير الأمازيغية، خصوصاً في ميدان الأعشاب الصحراوية والأعلام الجغرافية وعوالم الإبل. وهذا ليس غريباً؛ إذ أن المناطق التي تُستعمل فيها الحسانية كانت أصلاً أراضي أمازيغية، وكان دخول هذه اللهجة عامل تغيير لساني واضح أحدثته القبائل المعقلية والهلالية على فترات متفرقة من التاريخ الإسلامي لشمال أفريقيا.
وقد تكون أقرب اللهجات المغاربية الأخرى إلى اللهجة الحسانية هي اللهجة الليبية، ولهجة جنوب تونس ووادي سوف بالجزائر، كما تعتبر من أفصح اللهجات العربية، وذلك بحكم العزلة التي ظلت قبائل بني حسان العربية تعيش فيها في أعماق الصحراء الكبرى، ولذا كانت التأثيرات الخارجية قليلة في لهجتها العربية.
مكانة الإبل وأهميتها عند المجتمع الحَسَّانِي
حظيت الإبل بعناية خاصة لدى القبائل الحسانية، فهي رمز الغنى، لذلك يسمونها أحياناً: (المال) أو (الحَيَّة)؛ لأنها وسيلة للتبادل وحمل الأثقال وأداء الديون والديات، وعلى ظهورها يترحلون، كما أنها توظف في الممارسة الحربية عند حدوث النزاعات ما بين المجموعات القبلية.
وحيازة الإبل مفخرة، لذلك وضعوا علامات خاصة لكل قبيلة ترسمها على قطعانها من الإبل، فمثلاً قبيلة (أَوْلاَدْ تِيدْرَارِينْ) تضع حرف (د)، و(قبيلة لَمْيَارْ) حرف (س)، و(أَرْكِيبَاتْ الشرق) حرف (ق)، أما (أَرْكِيبَاتْ السَّاحِل) فيضعون حرف (ف)، و(أَوْلاَدْ بُسْبَاعْ) حرفي (مك)، و(أَهْل بَارْكْ الله) حرف (لا)، و(العْرُوسِيِّينْ) يضعون نقطة (.)، بينما (أهل الشَّيْخ مَاءْ العَيْنَيْن) يوظفون حرف (T)...إلخ.
كما شكلت الإبل العمود الفقري للاقتصاد الرعوي الصحراوي، مما جعل ذكرها حاضراً في الإبداع الأدبي والشعري وفي كتابات الفقهاء والعلماء الحسانيين. فحيازة القطعان دليل على المكانة الاجتماعية لمالكها، كما أن نحرها وتقديمها كهدية له رمزية خاصة في الثقافة الحسانية، فهي حاضرة في صداق (مهر) المرأة، وفي التبادل ما بين الرحل وسكان الواحات في وادي نون وآدرار التمر. كما أنها كانت حاضرة إبان مقاومة الاستعمار وحركة جيش التحرير في خمسينات القرن الماضي. وفي حالة اللهو والترويح نجد أن الإبل تقوم بدور أساس يتمثل في سباق الهجن الذي يدعى محليا (اَلْلَّزْ) أو (رْوَانْتَة).
لكن تراجع نمط عيش الترحال وتمدن الصحراء والارتباط بالعمل المأجور وعوامل الجفاف وضعف المراعي؛ كلها متغيرات انعكست على درجة التكسب بالإبل، إذ تراجعت أعداد قطعانها وصار الرعي عملية تجارية محضة في تبعية مطلقة لاقتصاد السوق وللمدينة، فنتج عن ذلك تدهور ثقافة تربية الإبل، ولم تعد تحتل المكانة التي كانت تحظى بها فيما مضى، غير أن المنطقة عرفت مؤخراً عودة من نوع جديد إلى البادية وتربية الإبل، وهي ممارسة يقوم بها بعض رجال الأعمال في إطار تنويع مصادر الدخل والحضور المزدوج محلياً في البادية والحاضرة، ناهيك عن بعض العائلات التي لا تزال تحن لحياة البداوة التي أصبحت مقيمة بصفة شبه دائمة في البراري وتعمل على تربية رؤوس الإبل كاقتصاد معاشي.
أسماء الإبل في اللهجة الحسانية
يقال للإبل في اللهجة الحسانية (البُلْ)، وتختلف أسماؤها حسب حجم قطيعها فهناك:
- أَزْوَايْل: هو القطيع الذي يضم ما بين رأسين وخمسة رؤوس من الإبل.
- الكَطْعَة (جمع أكْطَاعْ): ما بين خمسة رؤوس من الإبل إلى عشرين رأساً.
- أكَلِيفْ (جمع إكَلْفَان): يضم ما بين عشرين ومئة رأس.
- دَوْلَة (جمع دول): هو القطيع الذي يتجاوز مئة رأس.
كما يقال للجمل الذي يحمل الأمتعة: جمل أَدْبَشْ، والذي يحمل الهودج: جمل لَمْسَامَة (Chameau de palanquin)، كما تسمى قافلة الجمال: أَكْبَارْ، وقافلة المِلْح: أَزْلاَيْ.
صفاتها:
- الناقة: وهي الأنثى من الإبل إذا ولدت للمرة الثانية، وجمعها (أَنْيَاكْ).
- لَكْعُودْ: يطلق على الذكر، وبخاصة في سن الثانية، وفي العربية القعودة من الإبل: ما اتخذه الراعي للركوب وحمل الزاد والمتاع، وجمعه أقعدة وقعد وقعدان.
- البَكْرَة: وهي التي تقابل القعود في السن، وتكون قد ولدت مرة واحدة، ولا تستعمل في اللهجة الحسانية إلا للأنثى.
- الشَّايْلْ: وهي كل أنثى يتبعها ولدها، وقد بدأت في فطامه، وجمعها شُولْ، أو شَوَائِل.
- الحَايْلْ: وهي التي لم تُلقح، والأصل التي مر عليها حول كامل بعد ولادتها ولم تلقح مرة ثانية، والجمع حِيلْ.
- العَشْرَة: هي التي مضى على حملها عشرة أشهر تقل أو تنقص قليلاً، بل يذهب بها بعض البدو إلى كل بهيمة تحمل في بطنها جنيناً.
- التْمَرْكِيتْ: جمع تِيمَرْكَاتْن، وهي الناقة التي لا تُدر لبناً.
أعمارها:
تُقسم الإبل في الموروث الحساني إلى أنواع حسب الأعمار، ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة عشر صنفاً:
- الحَوَّارْ (ولد الناقة)، من الولادة إلى غاية اكتمال سنته الأولى.
- ابن عَشَّارْ أو بنت أَعْشَارْ، ما أكمل سنته الأولى ودخل في الثانية، وسمي بذلك لأن أمه لقحت عليه مرة ثانية، ودخل حملها في شهره العاشر، والناقة مدة حملها 12 شهراً، وهو في اللغة العربية ابن المخاض والأنثى ابنة مخاض.
- بَلْبُونْ أو ابن لَبُّونْ وبنت لَبُّونْ، أي ولد الناقة أو ابنتها، وهو ما دخل في السنة الثالثة، وسمي بذلك لأن أمه حملت وولدت وصار لها لبن، وهذه السن هي المقبولة في الزكاة.
- آمْسَخْسَر، ما بين سنتين وثلاث سنوات.
- العَكَّ، (أي الحق)، ما دخل في السنة الرابعة، وهو ولد الناقة، والأنثى تسمى حَثَّة، فهو الذي بلغ أن يركب ويحمل عليه.
- أَجْدَعْ أو الجْدَعْ، ما أكمل السنة الرابعة ودخل في الخامسة، وهو الجمل، وقد صار كاملاً، إذ يعد في الإبل ويعتمد في الفحول.
- أَدَارِيفْ، جمع أَدْوَارِيفْ، ما أكمل خمس سنوات، وهو ما يُركب ويُحَمل بالأثقال، ويكون قد بدل نابه، ويسمى شَابْكْ النَّابْ، وهذا هو (أَجْمَلْ).
- أَثْنِي، ما بلغ ست سنوات، وهو ما أكمل أسنانه الأمامية.
- أَرْبَاعْ، جمع رَبْعَان، ما بلغ سبع سنوات، وهو ما صارت له أربعة أسنان.
- أَسْدَاسْ، ما بلغ ثماني سنوات.
- سَالْخْ النَّابْ، وهو ما أكمل أسنانه كلها، ما بين 12 و13 سنة
- كَارْحْ أَجْمَالْ، ما بين 13 و25 سنة.
- عُودْ أَجْمَالْ، المتقدم في السن.
خلاصة:
انطلاقاً مما سبق ذكره يتبين لنا أن المجتمع الحساني يولي أهمية كبيرة للإبل باعتبارها مكوناً أساسياً لهويتهم، الشيء الذي انعكس على معجم المفردات والمعاني، الذي يتميز بالغنى والتنوع، وهو ما قد لا نجده عند شعوب أخرى.

ذو صلة