خرجت في الصباح لشراء الخبز، وأخذت معي وعاءين ممتلئين بالقمامة، فلما نظرت لثقلهما، قلت ماذا يحدث لو لم أخرج تلك القمامة من البيت؟ ماذا يحدث لو لم يكن لدينا عمال النظافة؟ كيف سيكون حال مدينتنا عندما تكتظ بالقمامة عندما يغيب عنا عمال النظافة؟
كثيراً ما يضيع اهتمامنا بين الشمس والقمر، وننسى أن بينهما من الأجرام السماوية المؤثرة في حياتنا مثل النجوم التي تتوسط سماءنا، ألا وإن من تلك النجوم المضيئة التي تضيء حياتنا، وتشرق بهم أيامنا، وتزهر ليالينا: عمال النظافة.
كثيراً ما نرمز لعامل النظافة بالبساطة ومع ذلك نُذَكِّرُ طلابنا وتلاميذنا في المدرسة بأهمية عامل النظافة ومكانته التي يقوم بها وأثره في المجتمع، وليس بعيداً أن نجعل ذلك درساً من دروس الإنشاء ليتفنن طلابنا وتلاميذنا في ذكر مناقب عامل النظافة وأثره في الحياة، ولا مانع أن ندربهم على أن يكتبوا له رسالة شكر وإعجاب بدوره العظيم.
هذا في الجانب النظري لدورنا نحو عمال النظافة، فماذا عن تقديرنا له في الحياة العملية، ماذا نعطيه من الرواتب والحوافز المالية التي تكافئ بعضاً من معاناته، إن معاناته لرائحة القمامة تكفيه لينال من الراتب شيئاً عظيماً. إن معاناته لجمع الفضلات والقمامات ووضعها في عربته الصغيرة، ثم يصحبها في العربة الكبيرة، ليضعها في مثوى آخر تكفيه لينال ما يكفيه من الأجر المالي الكبير.
لو كان ما يناله عمال النظافة من الراتب يُقاس بكبر عملهم لاستحقوا أن ينالوا من الراتب شيئاً كبيراً، أليست الرواتب هي جزاء لما يبذله العامل من عمل.
كيف وهم لا ينالون من الإجازات مثل ما ينال غيرهم، فهم يعملون كل يوم، وليس لهم إجازة أسبوعية، كيف سينالون إجازة ومن غيرهم لقماماتنا وفضلاتنا، فنحن من أكثر الناس إنتاجاً للقمامة، فلو أخذ إجازة من الذي سيقوم بحمل فضلاتنا وقماماتنا.
متى نعرف لعمال النظافة مكانتهم، ومتى نقدم من التقدير والتبجيل والاحترام مما يرفع قدرهم ويعظِّم شأنهم، ومتى نوفر لهم من الرواتب ما يليق بصنيعهم العظيم، لقد اعتاد الكثير منا ألا يعرف قدر الأشياء المهمة إلا إذا فقدناها، ولا يعرفوا قيمة الأشخاص المهمة إلا إذا بالتراب واريناهم.
كثيراً ما نعرف للصناع والحرفيين والأطباء والمهندسين والمعلمين والمخترعين قدرهم، ونرفع ذكرهم، ونعدد مناقبهم، ونشيد بهم في وسائل الإعلام، فأين ذكر عمال النظافة في هؤلاء.
كثيراً ما يضيع جهد البنائين ويُنسى جهدهم، ولا نذكر غير جهد المهندس الذي رسم تخطيط البناء، وكثيراً ما نتذكر التخطيط العظيم لقائد المعركة وننسى جهود الجنود المجهولين الذين خاضوا معه المعركة الباسلة، وحققوا الفوز الكاسح، ألا إن من جنود الحياة المجهولين عمال النظافة، الذين يحتاجون أن يكونوا مذكورين ومشكورين وموقرين ومقدرين.
ما فائدة الذكر الجميل الذي نحرزه لعمال النظافة عبر ثناء عليهم في المذياع والتلفاز والإنترنت ومناهج مدارسنا، وهم لا ينالون إلا شظف العيش وقسوة الحياة والراتب الزهيد.
ما أعظم أثر عامل النظافة فينا، وما أسوأ أثرنا فيه، ينظفنا ويجملنا ويذهب عنا الدنس، ونحن نتنكر له، ولا نعطيه ما يكفيه من الأجر، ليذهب ليبحث عن عمل مساعد ليكفي رمقه من الحياة.
إذا كنا نمنح للأدباء والعلماء والمعلمين والضباط ورجال الشرطة الجوائز والأوسمة والنياشين، لنمنح عمال النظافة الرواتب العالية والمكانة السامية والجوائز التقديرية، تقديراً لعملهم العظيم وجهدهم الكبير، فتحية إجلال وتعظيم لعمال النظافة.
رسالتي في هذا المقال: اعرفوا لعامل النظافة مكانته، وأعلوا قدره، وأعطوا له الراتب الجزيل والحافز المالي الوفير، وامنحوه أعظم الحظ والنصيب من الحوافز والعلاوات المالية، فلا تجعلوه يعيش على هامش الحياة مهمشاً، بل اجعلوه يعيش عزيزاً مكرماً ليفخر بعمله.