مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

دراما الطفل.. والمدرسة الحديثة

الطفولة حلم وأمل ورغبة جياشة، نسعى إلى تحقيقها بدافع الغريزة، التي أوجدها الخالق سبحانه وتعالى في عباده، وفق سنة التطور وقانون الحياة، والأطفال هبة عظيمة من الله للإنسان، يسعد الفؤاد بمشاهدتهم، وتقر العين برؤيتهم، وتستريح النفس بحديثهم، فهم زينة الحياة الدنيا، نشيد الحياة الخالد وبهجتها ونقاؤها، إنهم كائنات ملائكية مليئة بالجمال والصفاء والبراءة والصدق.
وفي داخل كل طفل فنان صغير أو فنان تلقائي شامل يقلد الآخرين ويمثل ويغني ويؤلف ويخرج، فهو يصنع الدراما ويمارسها بتلقائية وبساطة دون أي قيود أو تقاليد فنية. والدراما كلمة يونانية الأصل انتقلت إلى اللغة العربية لفظاً لا معنى، فكلمة دراما تعني الحدث أو الفعل كذلك تعني الحركة أو العمل، وهي نوع من أنواع الفن الأدبي القائم على تصوير الفنان لقصة تدور حول شخصيات تدخل في أحداث، وتسلسل أحداث هذه القصة من خلال الحوار المتبادل بين الشخصيات، ومن خلال الصراع الذي ينشأ ثم يتأزم ثم ينتهي عن طريق المصالحة أو الفصل بين القوى المتصارعة، وتتجسد هذه الصورة عن طريق الممثلين والديكور والملابس والإضاءة والموسيقى، فالدراما نوع من النصوص الأدبية التي تؤدى تمثيلاً في المسرح أو السينما أو التلفاز أو الإذاعة.
ولقد تطور مفهوم الدراما ودورها في العصر الحاضر لتصبح غير قاصرة على المسرح فقط، بل امتد دورها لتصبح وسيلة للدعم النفسي والتربية والتعليم، والدراما بمثابة عملية ارتجالية غير استعراضية، تتعامل مع الجسد والقلب والعقل كوحدة واحدة تساعد الأطفال على التعامل مع المشاعر، وحل المشكلات، والتواصل مع الآخرين من خلال تجاربهم الحياتية.
ويعد الارتجال وسيلة لا غنى عنها في دراما الطفل لأن النص المكتوب يقيد حركة الأطفال وإبداعهم وتنتفي معه صفات التلقائية والعفوية وغيرها من الصفات المميزة لدراما الطفل التي تعتمد على الخلق من الداخل وليس على ما يأتي من الخارج.
فدراما الطفل نشاط إبداعي يعبر فيه الأطفال عن ذواتهم وينفسون عن رغباتهم ويسهمون من خلاله في نمو شخصياتهم وتكوينها وبلوغها مرحلة النضج والكمال، فالدراما هي أحد الفنون التي عن طريق ممارستها ينمو الأطفال وينضجون، وعن طريق الجانب الإبداعي للعمل الدرامي يستطيع الأطفال أن ينتجوا مما هو قديم شيئاً مبتكراً جديداً بالنسبة لهم.
ولدراما الطفل دور كبير في تربية وتعليم الطفل حيث تساهم في بناء ونمو شخصيته بشكل متكامل من الجوانب الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية، وإتاحة الفرصة للأطفال للتعبير عن أنفسهم بشكل حر، وإكسابهم مهارات الاتصال والتواصل، كما تساهم في تحقيق التوازن بين جوانب الشخصية، ومن خلالها يتعرف المعلم على مواهب وميول وإمكانيات الطفل، ويصبح قادراً على فهمه وحل مشكلاته، كما تساهم الدراما أيضاً في تبسيط المناهج الدراسية، وتعرضها بأسلوب مشوق وجذاب؛ ومن ثم يشعر الطفل بالمتعة والسعادة والبهجة مما يجعله أكثر قابلية للتعلم، كما أن استخدام الدراما في التعليم يساهم في القضاء على أسلوب التلقين وتنمية القدرة على النقاش والحوار وزيادة ارتباط الأطفال بمدارسهم والإقبال على التعليم بشغف.
وتستهدف المدرسة الحديثة رسالة مهمة وهي العمل على تربية وتعليم الطفل وتكوين شخصيته من جميع نواحيه الجسمية والنفسية والعقلية والمعرفية والاجتماعية واللغوية، فالمربي الناجح في الوقت الحاضر لا يقتصر همه على تزويد التلميذ بالمعارف والمعلومات بل يعد مسؤولاً كل المسؤولية أن يحقق لتلميذه القدرة على حسن التوافق النفسي والاجتماعي بالإضافة إلى عنايته بجانب التحصيل العلمي الأكاديمي.
لذا يمكن استخدام الدراما في المدارس في مختلف الموضوعات الدراسية لمساعدة الأطفال في التعبير عن قضاياهم وهمومهم ومشكلاتهم سواء أكانت ثقافية أو اجتماعية أو شخصية وهذا بمثابة جزء من علاج الشخصية وتدعيم الثقة بالنفس، فالدراما تساعد على تنمية التخيل والإبداع والابتكار عند الأطفال، وعندما يقدم المعلم المحتوى التعليمي على شكل نشاط تمثيلي يؤثر بالطفل ويتأثر به مما يكسبه مهارات واتجاهات وقدرات مرغوبة فيها، كما يستطيع المعلم توظيف قدرات الطفل في الموقف التعليمي، كما أن الدراما تستخدم كعلاج للتخلص من الكبت والضغوطات والانفعالات الضارة عند الأطفال عن طريق الرسم أو الموسيقى أو الشعر أو النشاط المبدع؛ وبالتالي تبني فرداً راشداً له قيمته لنفسه وللمجتمع.
إن الدراما عند الطفل فن ينبغي أن نعمل على انتشاره وتنميته وتشجيعه، فدراما الطفل تعد رافداً أساسياً من روافد تربية وتعليم الطفل وتنشئته ثقافياً واجتماعياً ونفسياً وعقلياً، وتطوير ملكاته وتهذيبها، وغرس القيم المستهدفة من وراء عملية التنشئة، وتنمية مهاراته الذهنية، كما أنها تعطي للطفل فرصة الاستمتاع بطفولته وتفتح مواهبه ونسج علاقاته بالعالم من حوله؛ ليجرب مواقف الحياة المختلفة، كما تؤثر تأثيراً بالغاً في وجدان الطفل وتثري اللغة عنده، كما تربي لديه الإحساس بالفن وحب المسرح.

ذو صلة