مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

د. رمضان عبدالتواب نَشِبَ في حَبْلِ تصحيح التصحيف للصفدي

من أمثال العرب: (نَشِبَ في حَبْلِ غَيٍّ)، قال الميداني في مجمع الأمثال (2210/4 برقم (4560) بتحقيق علي أبو زيد نشره مركز أبو ظبي للغة العربية): (ويروى (في حِبَالة غَيٍّ) إذا وقع في مكروه لا مخلصَ له منه).
في عام 1397هـ  / 1977م نوقشت رسالة بعنوان (تصحيح التصحيف وتحرير التحريف، تأليف أبي الصفا صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي)، تحقيق عبدالله بن عبدالكريم المفلح، بحث مقدم لنيل درجة الماجستير من كلية الآداب بجامعة الرياض لعام 97 - 1398هـ، بإشراف الدكتور حسن شاذلي فرهود.
وجامعة الرياض هي جامعة الملك سعود، وتوفي عبدالله المفلح -يرحمه الله- سنة 1402هـ.
وكان د. رمضان عبدالتواب قد أشرف على الرسالة في بدايتها كما ذكرت د. منى بنت عبدالله المفلح في مقدمة نشرة الكتاب التي أصدرها كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها في مجلدين برقم 25، الطبعة الأولى، 1437هـ-2016م.
وأشارت د. منى بنت عبدالله المفلح إلى أنّ رسالة والدها أسبق زمنياً من رسالة دسوقي إبراهيم الشرقاوي.
وقد ذكر عبدالله المفلح حصوله على نسخة الإسكوريال من د. رمضان عبدالتواب مرتين في كتابه في صفحة 1: (وقد حصلت عليها من أستاذي الدكتور رمضان عبدالتواب فهو يحتفظ بميكروفيلم منها)، وفي وصف النسخ المعتمدة في التحقيق في صفحة (79).
ثم بعد تسع سنوات 1406هـ- 1986م نوقشت رسالة لتحقيق المخطوط نفسه للطالب دسوقي إبراهيم الشرقاوي بعنوان (تطور العربية حتى عهد الصفدي: مع تحقيق كتابه - تصحيح التصحيف وتحرير التحريف)، وهي أطروحة (ماجستير) في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب في جامعة عين شمس، وكان المشرف على هذه الرسالة د. رمضان عبدالتواب!
ثم طبعت الرسالة سنة 1407هـ- 1987م بعنوان (تصحيح التصحيف وتحرير التحريف) لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي 696هـ- 764هـ حققه وعلق عليه ووضع فهارسه السيد الشرقاوي، راجعه رمضان عبدالتواب، الطبعة الأولى، مكتبة الخانجي بالقاهرة.
وكتب د. رمضان عبدالتواب مقدمة لهذه النشرة جاء فيها (3): (إني لأشعر بالسعادة حقاً، وأنا أقدم هذه الطبعة الأنيقة، من كتاب طالت رقدته مخطوطاً على رفوف المكتبات هنا وهناك، وهو كتاب: (تصحيح التصحيف وتحرير التحريف) لخليل بن أيبك الصفدي، حتى قيض الله له واحداً من أخلص تلامذتي الأوفياء، وهو الأخ الفاضل: السيد دسوقي إبراهم الشرقاوي، فعكف على تحقيقه، وضبطه، وتخريج نصوصه، وصنع فهارسه، ودراسة منهجه، وعلاج مشكلاته ونال بذلك كله درجة الماجستير بتقدير ممتاز، وقد امتدحت اللجنة التي ناقشته بآداب عين شمس صبره وإخلاصه، وجده واجتهاده، وبذله الوقت والجهد في سبيل إنجاز عمله على الوجه الذى يرضى عنه المنهج العلمي السليم).
ثم ذكر في صفحة (6): وهذا الكتاب (تصحيح التصحيف) أكبر كتاب ألف في ميدان (لحن العامة). وكم وجهت إليه بعض طلبتي، ليقوم بتحقيقه ونفض غبار الزمن عنه، ولكن ضخامة الكتاب وصعوبة العمل فيه، كانت تصرفهم صرفاً عن تحقيق رغبتي في أن يعملوا فيه تحت إشرافي.
ولكن الأخ السيد الشرقاوي، كان عند حسن الظن به، فما إن تحدثت معه في أن يكون تحقيق هذا الكتاب جزءاً من متطلبات العمل تحت إشرافي لنيل درجة الماجستير حتى شرح الله صدره لخوض غمار هذا البحر، وأقبل على العمل بروح وثابة لا تعرف الملل، فجمع مخطوطات الكتاب من أماكنها في مكتبات العالم، واتبع المنهج العلمي في تحقيق النصوص، فخرج مسائل الكتاب المختلفة، وشواهده الكثرة، وضبط نصه ضبطاً دقيقاً، وترجم للأعلام الواردة فيه ترجمة مختصرة، وصنع له الفهارس الكثرة النافعة.
وكنت أرقب تقدمه في عمله بغبطة وفرح وسرور، حتى استوى هذا التحقيق قائماً على سوقه، واستحق صاحبه لذلك أن ينضم بجدارة إلى (المدرسة الرمضانية) في تحقيق النصوص، التي من أهم مميزاتها: (الإكثار من ذكر المصادر، لا الإكثار من النقل عن المصادر). انتهى كلام د. رمضان عبدالتواب.
وهذا الكلام فيه مِن الكذب ما فيه، إذ يعلم د. رمضان عبدالتواب أن عبدالله المفلح قد حقق الكتاب قبل تسع سنوات!
ومع أن د. رمضان عبدالتواب قد أشرف ابتداء على رسالة المفلح إلا أنه لم ينبه طالبه الشرقاوي إلى الخلل في وصف النسخ مما يرجح احتمال أن د. رمضان عبدالتواب لم يقرأ رسالة طالبه قراءة دقيقة ولم يتابع معه متابعة دائمة، لأن الخلل الذي وقع فيه الشرقاوي واضح لا يخفى على أمثال د. رمضان عبدالتواب.
وبادئ بدء ظننت أن سرقة علمية لعمل المفلح بحكم أسبقيته، لكن بعد التتبع زال هذا الظن، لأن الشرقاوي لديه نصوص ساقطة كثيرة يصعب معها الحكم بالسرقة.
وليس هذا موضع المقارنة بين النشرتين، إذ المقارنة ستكون طويلة يتناسب صدروها في كتاب أو حلقات عدة لا مقالة واحدة، وإنما أذكر ما له علاقة، والملمح العام أن نشرة المفلح أفضل من نشرة الشرقاوي.
وصف النسخ الخطية
وَصْفُ عبدالله المفلح للمخطوطات أضبط مع العلم أنّ كلا المحققين اعتمدا على المخطوطات نفسها، لكن باختلاف التوصيف:
النسخة الأولى: نسخة أحمد الثالث بتركيا برقم 2418، وقف على مصورتها عبدالله المفلح وسافر إلى طهران وصورها من نسخة الميكروفيلم برقم 939 المحفوظة في المكتبة المركزية بجامعة طهران.
وأما السيد الشرقاوي فلم يفطن أن المصورة في المكتبة الزكية بدار الكتب المصرية هي مصورة من أحمد الثالث.
النسخة الثانية: مكتبة آيا صوفيا بتركيا برقم 4732، وذكر عبدالله المفلح أن منها مصورة ميكروفيلم في المكتبة المركزية في جامعة طهران برقم 2262 ومصورة ورقية في مركز الوثائق والمخطوطات بجامعة الرياض برقم (41 ص).
وهذه المصورة الورقية في جامعة الرياض اعتمد عليها السيد الشرقاوي ورمز لها (ب) وهي نسخة آيا صوفيا التي ذكر في مقدمة وصف النسخ (32) أنه حاول الحصول عليها، فلهذا وهم السيد الشرقاوي حين سماها نسخة الرياض وإنما هي مصورة ورقية عن آيا صوفيا، وذكر أنه حصل عليها بمساعدة الدكتور حمزة الباقر عضو هيئة التدريس بالجامعة.
النسخة الثالثة: نسخة الإسكوريال بإسبانيا، وقد حصل كلاهما على مصورتها من د. رمضان عبدالتواب.
نماذج من سقط النصوص في تحقيق السيد الشرقاوي:
1 - صفحة (16) من نشرة المفلح: تفسير بيت المعري (فقيل له: إنما من الغربان يريد بذلك الأغربة).
سقط هذا التفسير من نشرة الشرقاوي (19).
2 - صفحة (19) من نشرة المفلح: (أبي أبى سؤال رسوله سواك، آمل أمك رجاء رخاء).
سقط النص من نشرة الشرقاوي (22).
3 - صفحة (19) من نشرة المفلح، البيت الثاني: (.. بصير نصير).
سقطت كلمة (نصير) من نشرة الشرقاوي (22) ولم يتنبه إلى أن سقوطها يخل بالمراد.
4 - صفحة (19) من نشرة المفلح: (الموثق المونق المسند المشيد المفيد المقيد).
سقطت (المشيد) من نشرة الشرقاوي (23) ولم يتنبه إلى أن سقوطها يخل بالمراد.
5 - صفحة (30 - 31) من نشرة المفلح ثلاث مقطوعات في تسعة أبيات من قوله: (وقال ابن قلاقس) إلى قوله: (ومما اتفق..) سقطت كلها من نشرة الشرقاوي، ولعل السبب أن هذا النص في (طَيَّارَة) وهي: (قصاصة من ورق تستخدم للإضافات، والشروح، والإدراج بين أوراق الجزء). انظر: تقاليد المخطوط العربي، آدم جاسك، ترجمة مراد تدغوت، معهد المخطوطات العربية، القاهرة 2010م، صفحة 205.
فمن المحتمل أنها سقطت في مصورة المكتبة الزكية، والأمر يتطلب الاطلاع على هذه المصورة للتأكد.
لقد كان د. رمضان عبدالتواب يعلم علم اليقين أن هذا الكتاب قد سُجِّل في رسالة علمية، إذ كان المشرف عليها، لكنه لما عاد إلى بلده رأى نفع أحد طلابه فقدم إليه فكرة الرسالة مع صورة من إحدى المخطوطات في مخالفة صريحة لأبجديات تسجيل الرسائل العلمية.
ولم أقف على ذكر لرسالة عبدالله المفلح لدى السيد الشرقاوي حسب المطبوع، ولا أعلم عن أصل الرسالة.
وأغلب الظن أن د. رمضان عبدالتواب حسب أن لن يكشف فعله، لأن عبدالله المفلح توفي وطوي أمره.
إنّ سرقة موضوعات الرسائل العلمية في الجامعات السعودية قبل عقود وتقديمها في دول أخرى ليس مستغرباً، فمما يُتداول أنّ أحد أقسام اللغة العربية في إحدى الجامعات السعودية كانت الاعتراضات على المقترحات البحثية تبدى شفوياً بأنّه لا يصلح أو أنه قد سُجِّل، ثم يتفاجأ الطالب المقدم أنّ مقترحه قد سُجِّل في جامعة عربية يعمل فيها الدكتور المعترض أو له علاقة بها، وصار هذا القسم مشهوراً برفض المقترحات.
ثم لما تغيرت رئاسة القسم أصدر الرئيس الجديد قراراً بأنّ أي اعتراض لا يقبل شفوياً بل لا بد أن يكون مكتوباً ويضمن في المحضر، وبعدها قُبِلَت الموضوعات وأحجم كثير من المعترضين.
وإني لأتعجب من أمثال د. رمضان عبدالتواب الذي وقع في مزالق كبرى أشهرها قضية السرقة العلمية لترجمة كتاب العربية ليوهان فك، وتفاصيل السرقة في مقالة د. حمزة المزيني (وللنقد المحايد كلمة) المنشورة في جريدة الرياض في العدد 5984 السبت 17/2/ 1405هـ في ملحق ثقافة اليوم، وهي في كتابه (مراجعات لسانية) في الجزء الأول في الصفحة (15) من كتاب الرياض العدد 79 يونيو 2000م، الطبعة الثانية.
إنّ د. رمضان عبدالتواب لديه إنتاج فيه إتقان وليس بحاجة إلى سرقة موضوع أو كتاب لكنه -عفا الله عنا وعنه- (نَشِبَ في حَبْلِ غَيّ).

ذو صلة