من بين باحثين تجاوز عددهم آلافاً، حصل الدكتور سيف المعمري على مرتبة متقدمة لمرتين في معامل التأثير العربي (أرسف)، وهو معامل قياس معرفي أكاديمي عربي، يقيس درجة تأثير الباحث في مجاله البحثي من خلال تحليل استشهادات الباحثين الآخرين بأعماله، مما يعزز من مرجعيته البحثية. ويوضح المعمري أن القيمة التصنيفية والترتيبية لمعامل التأثير العربي في غاية الأهمية؛ لأنها تقوم على الاستفادة من البيانات والأبحاث التي تنشر من زوايا أكاديمية متعددة تتعلق بأهمية الدوريات التي يتم النشر بها، وكذلك تأثير الباحثين ومرجعيتهم في حقولهم المعرفية من خلال قياس مستوى تأثيرهم في إطار زمني قد يكون سنة أو سنتين مقارنة بأقرانهم. ويرى المعمري أن لهذه المعامل دوراً مهماً في الارتقاء بالدوريات العلمية العربية؛ لأنه يرتبط بمدى ثقة المؤسسات بها وبإجراءاتها، كما ينعكس على الجامعات وتصنيفها العالمي، وله منافع مادية أيضاً، حيث أن توجه العالم نحو تسليع التعليم العالي جعل المعرفة مورداً اقتصادياً كبيراً لمختلف الجامعات والمؤسسات.
قيم المواطنة
خصص المعمري حياته الأكاديمية التي تمتد إلى 23 عاماً لمحاولة النهوض بدور المدرسة لتكون مؤسسة حضارية تنويرية تعمل على الارتقاء بالمجتمعات، وذلك من خلال إكساب النشء قيم المواطنة المسؤولة، إذ يشير المعمري إلى أنه لكي يعمل المجتمع على بناء شعور سليم بالمواطنة والانتماء للوطن باعتباره قيمة عليا للإنسان في القرن الحادي والعشرين؛ فإن هناك جوانب يجب التركيز عليها في بناء هذه المواطنة، هذه الجوانب حضارية وتشريعية وجغرافية وفلسفية واجتماعية وثقافية، علاوةً على الجوانب العملية للطلاب من خلال الأنشطة المدرسية خارج المدرسة، ومن خلال برامج المسؤولية الاجتماعية.
تعليمنا والمنافسة العالمية
من ناحية أخرى يوضح المعمري ما ينقص المنظومة التعليمية في منطقتنا العربية كي تنافس عالمياً؛ فيقول: هل تستحق التصنيفات كل هذا الضجيج في منطقتنا؟ أي نحن نريد أن نكون عالميين في أهم قطاع وهو قطاع المعرفة، في الواقع نحن نشعر أننا تفوقنا على كثير من دول العالم المتقدمة في بنيتنا التحتية، والمباني، ومستوى الشوارع، والمطارات؛ لكننا لم نحقق ما نريد حتى الآن في تصنيف الجامعات. ويرجع المعمري السبب وراء ذلك إلى أن إنتاج المعرفة وتأسيس بنيتها التحتية يحتاج إلى زمن، ويتطلب إرساء أعراف وتقاليد، وتغيير معتقدات، وتمكين الحريات، وبناء الشراكات مع المجتمع وعالم الاقتصاد والصناعة، وصرفاً عالياً، وجلب أفضل الأساتذة في العالم، الذين يمكن أن يقودوا الريادة في عالم الابتكار، وحصاد جوائز نوبل، وتقديم فتوحات علمية ونظريات جديدة في حقول المعرفة. ويرى المعمري أن الجامعات العربية أمامها طريق طويل جداً لتصل إلى مصاف الجامعات التي تحتل المراكز الأولى، وبدون إحداث تغييرات كبرى في منظومة التعليم العالي والخروج به من عباءة التدريس لأعداد ضخمة من الطلبة، إلى آفاق تكون فيها الجامعات أماكن تغيير للمجتمعات، سبّاقة في التحول والتغيير، لا أن تكون آخر المتحولين من المؤسسات في هذه المجتمعات.
نظرية الرصيد المعرفي
وتبرز أهمية نظرية الرصيد المعرفي: (حاجة التعليم في المنطقة العربية إلى أن يكون أكثر ارتباطاً بالواقع الذي يأتي منه الطلبة، منطلقاً ومزروعاً في التربة الوطنية والمجتمعية)، مشيراً إلى أن عمليات الاقتباس للتجارب والنظريات دون اختبار فاعليتها وصلاحيتها للمجتمعات أدى إلى إفشال كثير من الإصلاحات التعليمية، وظل متخذو القرار، والمعلمون، وأولياء الأمور، والقائمون على الجامعات، وأيضاً الشركات؛ يشتكون من ضعف مخرجات التعليم وعدم تواؤمها مع متطلبات سوق العمل ومع احتياجات المجتمع في الحفاظ على هويته. وما سبق ذكره هو السبب وراء عمل الدكتور المعمري أستاذاً جامعياً، فهو يريد أن يكون تربوياً عضوياً على حد تعبير غراميشي، حيث لا يتم الاكتفاء بالقراءة الناقدة للنظام، إنما محاولة إصلاحه من خلال اختبار نظريات يمكن أن تساعد في تحقيق الأهداف بشكل أفضل، ولذا اختبر المعمري عدداً من النظريات خلال السنوات الماضية: البنائية، والتواصلية، وشتاينر، ونظرية التعلم في الطبيعة، ونظرية الأرصدة المعرفية؛ ساعياً من وراء ذلك إلى ردم الفجوة الواسعة بين المنهج والمجتمع.
وهذه النظرية من وجهة نظر المعمري تبني المنهج لدى المجتمع من أرصدة اقتصادية أو ثقافية أو إنتاجية أو تاريخية، أي أن الأفراد ذوي الحصيلة الحياتية والمعرفية في المجتمع يساعدون في بناء المنهج وتنفيذه، ووفق هذه النظرية ينفذ المنهج داخل المدرسة وخارجها، أي في المزارع وورش الحرف، والقلاع، والمصانع.. إلخ، وقد جرّب المعمري هذه النظرية بدراستين هما الوحيدتان في المنطقة العربية، ويتوقع بأنها يمكن أن تكون مفتاحاً لمعالجة إخفاقات الأنظمة التربوية، وبخاصة فيما يتعلق برفع التحصيل والدافعية للتعلم، وتعليم المهارات الاقتصادية والحفاظ على الهوية الثقافية.
هجرة الرصيد الفكري
وقبل عدة أعوام كان الدكتور سيف المعمري قد دعا إلى التقليل من نشر الأبحاث العلمية بالإنجليزية، وأن تنشر بلغتنا الأم، منعاً لهجرة الرصيد الفكري، حيث أن اللغة هي هوية، ولا يمكن الحفاظ عليها إن لم تكن لغة كتابة وتأليف ونشر، واللغة علامة تحرر من التبعية، ولا يمكن أن تكون الجامعات في المنطقة ذات قوة إلا إذا أعطت للنشر باللغة الأم الأهمية، والأمر له أبعاد متعددة، منها البعد الاقتصادي، اليوم يتم الاستحواذ على إنتاج الباحثين من قبل شركات محددة، ويُعاد تسويق هذه البيانات مرة أخرى، وتحصل هذه الشركات على عوائد اقتصادية ضخمة، وهو مورد يمكن أن يُستفاد منه وطنياً أو عربياً. وهناك جانب حضاري وهو التخلص من التبعية والاستعمار الثقافي، ورفع الشعور بقيمة اللغة العربية التي يتكلم بها ملايين داخل الوطن العربي وخارجه. فدور الجامعات هو أن تكون مؤسسات حفاظ على الجوانب الحضارية وتقويتها، لا أن تدفع بكوادرها لإضعاف شعورها نحو مقومات هويتها ومنابع حضارتها.
الاستدامة والمدرسة الساحرة
ويحدد المعمري ما تعنيه الاستدامة من مفهوم ينحصر في توظيف الموارد بشكلٍ يفيد الأجيال في المستقبل، فالاستدامة استثمار للموارد الطبيعية وحفاظً عليها من النفاد أو التدهور، والاستثمار في التنمية، وفي بعض كتاباته يستلهم المعمري مفهوماً طريفاً للمدرسة وهو (المدرسة الساحرة)، حيث رسمت الكاتبة الكبيرة جي كي رولنج في سلسلتها (هاري بوتر) معالم مدرسة السحرة، وقد استلهم المعمري هذا المفهوم لأن واقع الجيل الحالي يشير إلى ولعه كثيراً بعالم التخيل والقوى الخارقة، ولذلك فإننا نجدهم في معارض الكتاب يبحثون عن هذه الأشياء في الكتب المعروضة،
من هنا دأب المعمري على البحث عما ينقص مدارسنا لتكون مدارس ساحرة، فوجد أن النظام التعليمي في قوالبه وبيئته الجامدة الروتينية لا يلبي ما يجذب الأجيال الجديدة، إذ لا توجد مساحات للمغامرة، ولا فرص للتخيل، ولا تحديات، ولا أفق للتحليق خارج الصندوق.
ويشدد المعمري على القيمة الكبيرة، للوطنية قائلاً: لو عدنا للتاريخ سنجد كيف أن هذه القيمة شكلت التاريخ الإنساني، وكانت هي المسؤولة عن معظم أحداثه، لكنها شيئاً فشيئاً تحولت إلى غنيمة، وعندما تصبح هذه القيمة المقدسة بهذه الصورة، تتراجع كثير من المجتمعات عن قدرتها على الفعل الحضاري، ولا يمكنها أن تشبه أسلافها الذين حققوا إنجازات بفضل قوة معتقدهم في الوطن والجماعة والصالح العام، والفخر على الاستقلالية، والتضحية بدون حساب.
جوائز وتكريمات
خلال مسيرته الأكاديمية نال المعمري العديد من الجوائز والتكريمات، مؤكداً بذلك ريادته البحثية، خصوصاً في مجال المواطنة والتربية عليها. ويقيّم المعمري واقع تلك الجوائز في شتى المجالات المعرفية عربياً برغم ضعف الاهتمام العربي بالتربية والثقافة قائلاً: إن هذه الجوائز مبنية على معايير وتقديم أدلة، كما أن عملية التقدم لها شاقة جداً، ويدعو المعمري إلى إعطاء مزيد من الاهتمام بمجال الجوائز المخصصة للتربية والتعليم، أسوةً بالحقول الأخرى، وذلك لتحفيز العاملين فيها على الابتكار والارتقاء بالتعليم وتحقيق الإنجازات.