إن الكاتبة تُجيد التقاط موضوعها، وتُحسن تصويره بعناية فائقة، يحسّ القارئ معها أنّه أمام كاتبة جادة، تحاول قدر طاقتها أن تلقي على صورتها من الظلال والألوان ما يوحي بكل الدلالات النفسية والاجتماعية التي تهدف إليها من رسم تلك الصورة، وقد تملي طبيعة بعض القصص وأجوائها على الكاتبة أن تستخدم أحياناً أسلوباً فيه مزاوجة بين العامية والفصحى، أو ليس فيه على الأقل قدر كافٍ من التماسك، ولكنّها حين تقصد إلى الأسلوب الجميل في بعض قصصها التي تستلزم مثل هذا الأسلوب؛ ترتفع إلى مستوى يقرب من مستوى الشعر، كما في قصتها: وجدت الأمل، التي توشك أن تكون قصيدة منثورة، فيها قدرة بارعة على توليد كثير من المعاني والخلجات النفسية الدقيقة من موقف ثابت. (الدكتور عبدالقادر القط، مقدمة كتاب سجن أملكه وقصص أخرى، سلسلة الكتاب الماسي، الدار القومية للطباعة والنشر، صدر كما هو مثبت بالغلاف الأخير للكتاب يوم 31 مارس عام 1965 ص 4، وص 5.)
السيرة والمسيرة
ولدت إحسان محمود كمال محمد يوم 13 ديسمبر عام 1929 بقرية العسيرات مركز جرجا محافظة سوهاج، جنوب القاهرة، والدها محمود كمال محمد ضابط الشرطة، سافر لدراسة القانون الجنائي بجامعة السربون في باريس، وبعد عودته من فرنسا تمّ تعيينه مأمور مركز شرطة مركز جرجا محافظة سوهاج، والتحقت بالمدرسة الابتدائية عام 1931، وحصلت على الشهادة الابتدائية عام 1938، كانت سنوات الدراسة بالمدارس الابتدائية آنذاك 7 سنوات، وحصلت على دبلوم المدرسة الثانوية الفنيّة للتطريز عام 1943، كانت سنوات الدراسة بالمدارس الثانوية آنذاك 5 سنوات. من أوائل قصصها المنشورة: سطر مغلوط، مجلة المجلة المصرية برئاسة تحرير يحيى حقّي، العدد 125، مايو 1967، وقصة أخرى بعنوان: كان أجمل يوم، مجلة الأديب بيروت لبنان، برئاسة تحرير ألبير أديب العدد 8، السنة 31، أغسطس 1967، وصدرت مجموعتها القصصية الأولى: سجن أملكه وقصص أخرى، عام 1965، وترجمت لها مجموعة قصصية للغة الفرنسية، وصدرت بعنوان: آدم لن يطرد من الجنة مرتين، ثم ترجمت قصصها القصيرة ضمن مختارات من قصص المرأة العربية للغات: الإنجليزية، الفرنسية، والسويدية، والصينية، والهولندية، بالإضافة إلى الروسية التي أنجزتها المستعربة الروسية: فاليريا كربتشينكو، وقد حازت جائزة مسابقة نادي القصة للقصة القصيرة عام 1960 عن قصة: سجن أملكه، واختيرت مجموعتها القصصية: سجن أملكه ضمن مجموعة قصص أصدرتها جامعة كاليفورنيا مترجمة للغة الإنجليزية، وحازت المجموعة القصصية نفسها (سجن أملكه) على جائزة كأس مسابقة جمعية حسين القباني الأدبية عام 1965، ونالت جائزة إحسان عبدالقدوس للقصة القصيرة عام 1991، وجائزة محمود تيمور للقصة القصيرة من المجلس الأعلى للثقافة عام 1994 عن مجموعتها القصصية: ضيفة الفجر، ونالت جائزة التميز من نقابة اتحاد كُتّاب مصر عام 2013 عن مجمل أعمالها القصصية، ونالت درع المجلس الأعلى للثقافة بوصفها إحدى رائدات القصة المصرية القصيرة، بحضور وزير الثقافة دكتورة إيناس عبدالدايم آنذاك، أبريل عام 2019، وقد ساهمت في تأسيس اتحاد الكُتّاب مع يوسف السباعي، وتحمل بطاقة عضوية اتحاد الكُتّاب رقم 3، وعضواً بأول مجلس إدارة اتحاد الكُتّاب عقب التأسيس، برئاسة توفيق الحكيم عام 1975، وأسّست مع زميلاتها: جمعية الكاتبات المصريات، وكانت عضواً بنادي القصة بالقاهرة، وجمعية الأدباء، ونائب رئيس الصالون النسائي الأدبي. وبعد رحلة طويلة مع الكتابة، توفيت إحسان كمال بحيّ الدقي محافظة الجيزة، القاهرة، يوم السبت 25 يوليو عام 2022، عن عمر 93 عاماً.
المنجز الأدبي
أصدرت إحسان كمال إحدى عشرة مجموعة قصصية: سجن أملكه وقصص أخرى عام 1965، سطر مغلوط كتاب مشترك كل كاتبة خمس قصص: إحسان كمال/ نجيبة العسال/ هدى جاد، سلسلة كتابات جديدة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر عام 1971، أحلام العمر كله، سلسلة روايات الهلال العدد 229 برئاسة تحرير صالح جودت مايو عام 1976، الحب أبداً لا يموت، سلسلة روايات الهلال عام 1981، أقوى حب، سلسلة كتاب اليوم عام 1982، لحن من السماء، الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1987، ممنوع دخول الزوجات، سلسلة كتاب اليوم عام 1988، ضيفة الفجر، الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1992، قبل الحب أحياناً، دار قباء للنشر بالقاهرة عام 1998، بصمة شفاه، سلسلة كتاب اليوم عام 2000، خيط لا ينقطع، سلسلة كتاب اتحاد الكُتّاب بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2011.
قصص إحسان كمال والدراما
تحولت بعض قصص إحسان كمال للدراما التليفزيونية، فقد عُرضت قصصها عبر سهرات ومسلسلات وأفلام تليفزيونية منذ أول السبعينات حتى نهاية عام 2009، كما هو منشور على موقع: السينما دوت كوم، كما يلي:
1 - كل في طريق، سهرة تليفزيونية، قصة إحسان كمال، سيناريو وحوار: رؤوف حلمي، بطولة: تيسير فهمي، نبيل الحلفاوي، ميمي جمال، صبري عبدالمنعم، وإخراج: طارق النهري.
2 - مع استعمال الرأفة، سهرة تليفزيونية، قصة إحسان كمال، سيناريو وحوار: رؤوف حلمي، بطولة: صابرين، خالد زكي، ليلى فهمي، كوثر العسال، إجلال زكي، وإخراج: إقبال الشاروني.
3 - رجل اسمه عباس، عن قصة إحسان كمال (أحلام العمر كله)، سيناريو وحوار: مصطفى بركات وفايز غالي، بطولة: سميحة أيوب، محمود المليجي، عبدالله غيث، إلهام شاهين، سوسن بدر، على الشريف، وإخراج: علوية زكي.
4 - حل يرضي جميع الأطراف، فيلم تليفزيوني، إنتاج عام 1986، قصة: إحسان كمال، سيناريو وحوار: نادية رشاد، بطولة: سناء جميل، سمير غانم، عبدالمنعم إبراهيم، نادية رشاد، عزة كمال، فاطمة الكاشف، وإخراج: علوية زكي.
5 - سجن أملكه، مسلسل تليفزيوني، إنتاج عام 1987، قصة: إحسان كمال، سيناريو وحوار: فايز غالي، بطولة: صلاح قابيل، خيرية أحمد، كمال حسين، محمد أبو داود، لطفي لبيب، سلوى عثمان، وإخراج محمود الشريف.
6 - أغلب النساء يفعلن ذلك، سهرة تليفزيونية، إنتاج عام 1987، قصة: إحسان كمال، سيناريو وحوار: نادية رشاد، بطولة نادية رشاد، محمود الحديني، بدر نوفل، ألفت سكر، عزة لبيب، ممدوح وافي، زوزو نبيل، إخراج محمد عبدالسلام.
7 - حياتها الرائعة، سهرة تليفزيونية، إنتاج عام 1993، قصة: إحسان كمال، سيناريو وحوار: نادية رشاد، بطولة: نوال أبو الفتوح، سعيد عبدالغني، أمينة رزق، إيهاب فهمي، صفاء الطوخي، غادة إبراهيم، وإخراج: إسماعيل جمال.
8 - فستان فرح، مسلسل تليفزيوني، إنتاج عام 2009، قصة: إحسان كمال، سيناريو وحوار: رؤوف حلمي، بطولة: سلوى خطاب، محمود الجندي، إيمان، دنيا عبدالعزيز، نشوى مصطفى، علا رامي، حسن مصطفى، جمال إسماعيل، إنعام سالوسة، بهاء ثروت، ناهد رشدي، سناء شافع، وإخراج: محمد السيد عيسى.
قصص سجن أملكه والأدب الإنساني
صدر كتاب سجن أملكه وقصص أخرى، بسلسلة الكتاب الماسي، عن الدار القومية للطباعة والنشر كما هو مثبت بالغلاف الأخير للكتاب يوم 31 مارس عام 1965، في ثلاث عشرة قصة، ومقدمة للدكتور عبدالقادر القط، عميد كلية الآداب جامعة عين شمس. وأسماء القصص: سجن أملكه، جاء الشتاء، خالصين يا أحمد، حدث في عزبة الورد، دعاء، وجدت الأمل، العمل شرف، ما أحلى الرجوع إليه، الأمل الثالث، أمل يجري، آن الأوان، الموسيقار، عقبال عندكم. وأبطال غالبية قصص المجموعة شخصيات نسائية تجدها في نزاع دائم مع الرجل المتسلّط، بتعدّد أدوار الرجل: الأب، الزوج، الأخ، أخو الزوج، كبير العائلة، فالمرأة في الكثير من قصصها تعاني سطوة وسلطة الرجل الذي يقهر المرأة، ويسجنها داخل دوار البيت، كما في قصة سجن أملكه، حيث واجهت بطلة القصة قسوة العادات والتقاليد في مجتمع صعيد مصر خلال فترة كتابة القصة بالخمسينات والستينات، حتى أن من مفردات هذا المجتمع آنذاك: إن المرأة تخرج مرتين: الأولى من بيت والدها إلى بيت زوجها، والثانية من بيت زوجها إلى القبر، لهذا حاولت بطلة القصة التمرد والخروج على عادات وتقاليد وأعراف المجتمع، وصممت أن تترك البيت الكبير الدوار، بيت أهل زوجها في صعيد مصر، وفضلت السفر للقاهرة والعيش في بيت أختها، على أمل أنها ستعيش حريتها وكرامتها، لكن زوج أختها، بدأ يلقى بكلماته القاسية لزوجته على مسامعها، وردّت بطلة القصة أنه ربما يكون سبب ضيق زوج أختها كثرة مصاريف البيت، والأكل والشرب، فهمست لأختها عزمها على أن تساعد في مصاريف البيت، لكن جاء ردّ زوج أختها أكثر قسوة، غلت الدماء في عروق بطلة القصة، وظلّت تتقلب في فراشها طيلة الليل، وفي الصباح الباكر عقدت العزم، وقد أخذت قرارها متجهة ناحية مكتب البريد، وهكذا قررت العودة إلى بيت عائلة زوجها، بحجة رؤية ابنتها سلوى التي تستعد للسفر مع ابن عمها، زوجها، وبعد وداع ابنتها، فتح أبو المجد مرة أخرى معها موضوع الزواج منها، وإذا بها هذه المرة لا ترفض بعد ما سمعته من زوج أختها بالقاهرة، مؤكدة أنّ هذا بيتها حتى لو كان سجناً، هكذا راجعت نفسها أمام قسوة البديل. ويؤكد الدكتور عبدالقادر القط بمقدمة الكتاب أنّ قصص إحسان كمال تميل للفكاهة والسخرية: (وللسيدة إحسان ميل واضح إلى الفكاهة، ولكنّها فكاهة لا تهبط إلى مستوى الإضحاك المحض دون هدف، ولا تصل إلى أن تكون سخرية مريرة غير متعاطفة مع الناس، وإنّما فكاهة تجمع بين الإمتاع من ناحية، وبين مفارقات الحياة من ناحية أخرى، وتهدف إلى الكشف عن كثير من الأوضاع الاجتماعية والنزعات النفسية وتمتزج فيها المأساة بالدعابة... ص 5)، نرى ذلك بوضوح في قصة: عقبال عندكم، آخر قصص الكتاب، فالأسطى سيد الحلاق نسمعه في عراك يومي مع زوجته حول مصاريف الأولاد والمدارس ولوازم البيت، حتى عندما يستيقظ من النوم يسمع زوجته تقول: عايزة فلوس بدلاً من أن تقول: صباح الخير، وعندما اشتد الخلاف والعراك زارته حماته وأعطته الحل: (بقى اسمع، بنتي ما عدتش تستحمل قرفك، ده النهارده جماعة من بلدك جم عشان عايزين يشتروا الكام فدان بتوعك، اللي جوز أختك بيأجرهم، واللي بالاسم بيأجرهم، وهو في الحقيقة بيسفهم، ولا بتطول منهم لا أبيض ولا أسود، وتبني بيهم حتة بيت يلّم أولادك عشان محدش يخبّط عليكم ويقول هات الأجرة... قصة عقبال عندك ص 171)، وبالفعل اشترى قطعة أرض وبنى دورين عليها، وقام بتوقيع شقة الدور الأول للحاج عوضين، وسكن هو في شقة الدور الثاني، وعهد لزوجته أن تأخذ الإيجار من الحاج عوضين مصروفاً للبيت، ومع أول شهر، سمع زوجته تقول له: عايزة فلوس، وأكملت: الجماعة لم يرسلوا الأجرة اليوم خمسة في الشهر، وأرسل الأسطى سيد ابنته بوصل الإيجار: (قالت وسط ضحكات عالية: معلهش اصبر علينا شوية يا سي سيد، شايف بيتكم وشه حلو علينا إزاي، أصل عقبال عندكم بنتي اتخطبت الجمعة اللي فاتت... ولكن إن شاء الله قبل نصف الشهر تكون الأجرة عندكم... قصة عقبال عندك ص 173)، وأصبحت جملة عقبال عندكم هي مفتاح عدم دفع أجرة السكن: (وفي الشهر الثالث يا أختي عقبال عندكم اشتريت للبنت كم فستان، وعقبال عندكم جبت للبنت النحاس، وعقبال عندكم اشتريت للبنت حتتين صيغة، وعقبال عندكم اشتريت للبنت سجادتين.. وعقبال عندكم الجمعة اللي فاتت كانت ليلة كتب الكتاب، وعقبال عندكم ليلة الحنة كانت أول امبارح، سنتين كاملتين وهم يجهزون عروستهم... قصة عقبال عندك ص 174)، وتنفس الأسطى سيد الهواء، عندما تسلّم أجرة الشقة، لكن فرحته لم تدم طويلاً، ففي الشهر التالي مباشرة، أرسل الأسطى سيد ابنته تطلب الإيجار فجاءت أم محمد الساكنة بنفسها: (وقال الساكنة وهي تقطع حديثها بين كل جملة وأخرى بضحكة عالية: معلش يا سي سيد، اصبر علينا شوية، أصل بنتي الصغيرة محاسن تصوروا بتاعة أول امبارح كانت خطوبتها الجمعة اللي فاتت وعقبال عندكم.. ص 175).
هكذا تعالج إحسان كمال أحوال الأسرة المصرية فتضعها في قالب ساخر، فالأم تغالب المشاكل المالية وضيق ذات اليد بالضحك وتستأذن صاحب البيت بدافع إنساني أنها ستتأخر في دفع الإيجار حتى تقوم بتجهيز البنت، ولا يملك الأسطى سيد ابن البلد وبدافع إنساني أيضاً قائلاً: (ولا يملك إلا أن يقول لها: رقبتي ليك يا ست أم محمد.. ص 174).
تطرح قصص الكاتبة إحسان كمال وتناقش الكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية المنتشرة بمجتمعنا العربي، ولهذا تعدّ رائدة القصة القصيرة الإنسانية، فقد رصدت مشاكل المرأة ووضعتها على مائدة البحث للدراسة والتحليل والمناقشة.