جون دوست: مشروعي نقل الأدب الكردي إلى القارئ العربي
حوار/ هشام أزكيض: المغرب
ولد جون دوست، الكاتب الكردي السوري، الحامل للجنسية الألمانية، في الثاني عشر من آذار سنة 1965م، بمدينة كوباني، التابعة لمحافظة حلب، والتي تقع في الحدود السورية التركية شمالي البلاد. مساره الأدبي والثقافي حافل، -إلى حدود الآن- بإنجازات مهمة، تثير انتباه المتتبعين للشأن الثقافي والأدبي، وتتوزع بين الرواية، والقصة القصيرة، والمسرحية. نال الجائزة الأولى في القصة القصيرة الكردية في سوريا، عن قصته (حلم محترف) التي تحولت إلى مسرحية عرضت في مناطق تركيا.عمل جون دوست في التلفاز مذيعاً في قسم الأخبار، ومحرراً ومقدماً للبرامج السياسية، في قناة (ميديا تيفي) الكردية، وقناة زنوبيا، وفي سنة 2012م، بمدينة (أيسن) الألمانية، كما حصل على جائزة الشعر من رابطة الكتاب والمثقفين الكرد السوريين، خلال مهرجان الشعر الكردي. كما نال في 15 آذار سنة 2013م، (جائزة دمشق للفكر والإبداع) التي أعلنتها مجلة دمشق الصادرة في لندن عن كتابه (رماد النجوم)، استناداً على ما ذكرناه، أجرينا معه هذا الحوار الذي جاء على الشكل الآتي:
تتنوع الأجناس الأدبية بين القصة والرواية والمسرحية، وكلها كما تعلم، بأنها لصيقة بالإبداع الذي يستحيل الابتعاد عنه في الكتابة، فما موقع الإبداع في كتاباتك؟
- جربت جميع الأجناس الأدبية، الشعر، القصة القصيرة، المسرحية والرواية والبحث الأدبي والترجمة. حالياً أجد نفسي في خانة الإبداع الروائي مع قليل من الشعر.
للمتلقي أو القارئ، دور مهم في تنامي الإبداع لدى الكاتب وتشجيعه.. فهل تجد أن هذا الكلام صائب، من خلال تجربتك الإبداعية؟
- بلا شك المتلقي هو هدف الإبداع، يكذب من يقول إنه يكتب من باب إشباع رغبته في الكتابة. من يكتب لأجل الكتابة فقط لا يتعب في النشر ولا يتجشم عناء التواصل مع الناشرين لكي يوصلوا كتابه إلى النقاد والقراء بآلاف النسخ. الكتابة خطاب وفي كل خطاب يكون المخاطب (بفتح الطاء) العنصر الأهم في ثلاثي المبدع-النص-المتلقي. لا نص دون متلق. ومن الجميل أن وسائل التواصل الحديثة أزالت المسافات بين المبدع وقارئه. قديماً كان القارئ البعيد يحتفظ بتقييمه للنص ولا يمكنه الوصل إلى منبع المادة الإبداعية. الآن بمجرد صدور روايتك مثلاً تجد قارئاً يطرق باب حسابك على التواصل الاجتماعي يعرض تقييمه لنصك. بالطبع لهذه العملية سلبياتها الكثيرة مثل الإرهاق الذي يجده الكاتب (المشور خاصة) بسبب كثرة من يطرقون بابك ويزعجونك باختراقهم خصوصيتك.
لديك تجربة في الجانب الإعلامي، فقد عملت مذيعاً في قسم الأخبار، ومحرراً ومقدماً للبرامج السياسية في قناة (ميديا تيفي)، وقناة زنوبيا، فهل هذه التجربة الإعلامية لها دور في صناعة الوعي المساهم في البناء الأدبي والفكري؟
- للأسف الإعلام في كل العالم موجه ومسيس ومجير لصالح هذه الجهة أو تلك. الإعلام في الغالب سلطوي، إما سلطة أو معارضة. وهذا النوع من الإعلام لا يعطي أهمية كبيرة للإبداع. دائماً الإبداع هامشي في منصات الإعلام الرسمي مثلاً.
اهتمامك بالقصة القصيرة والسينما، أفضى إلى تحويل قصة (حفنة التراب)، -وهي من إبداعاتك المكتوبة باللغة الكردية- إلى فيلم سينمائي قصير، فهل يمكنك أن تحدثنا عن هذه التجربة باختصار، وهل نالت إعجابك؟
- حفنة تراب قصة قصيرة كتبتها عن تجربة الغربة الألمانية. أعيش منذ العام 2000 في ألمانيا، ولم أستطع إلى الآن العودة إلى بلادي.
أحد الأصدقاء أعجب بالقصة وأراد أن يترجمها إلى اللغة السينمائية. كان الموضوع بالنسبة له رسالة جامعية ينبغي أن ينجح فيها وبالنسبة لي تجربة مثيرة وجديدة ومختلفة عما سبق. أي أنني سأرى لأول مرة أبطالي يتحركون أمام عيني على الشاشة. البطل الذي صنعه خيالي سيتحول أو سيتجسد في الواقع وسأكلمه وأقابله وجهاً لوجه. لكن لم تعجبني التجربة أبداً. المخرج قرأ نصي بشكل مختلف كلياً ولا أود الدخول في التفاصيل.
هل يمكننا أن نتحدث عن خصوصيات كتابة القصة القصيرة لدى الكاتب جان دوست؟
- أنا لست مكثراً في مجال القصة القصيرة. لكن القصص القليلة التي نشرتها وكتبتها وبعضها ترجم إلى الإنجليزية والعربية علمتني أن القصة القصيرة أصعب من الرواية. أنت هنا محكوم بفكرة محددة وعليك تكثيفها إلى أقصى حد. لا مجال أمامك ولا هامش للمناورة والتطويل الذي تتيحه لك الرواية.
كيف تنظر إلى واقع الأدب العربي بديار المهجر، وبألمانيا خصوصاً بحكم أنك تحمل جنسيتها؟
- أستطيع أن أحدثك عن واقع الأدب الكردي بالتفصيل باعتباري كردياً، أما الأدب العربي في ديار المهجر فموضوع فضفاض كثيراً لا أستطيع الادعاء بإحاطتي به بما يتيحه لي التحدث عنه. على العموم هناك نشاط ملحوظ الآن بعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. نرى أمسيات وندوات ومعارض كتب ونشاطات متنوعة. في ألمانيا أصبحت العربية لغة تفرض نفسها وتؤثر حتى على لغة الشارع الألمانية.
من الجوائز التي حصلت عليها جائزة الشعر من رابطة الكتاب والمثقفين الكرد السوريين، من خلال فعاليات مهرجان الشعر الكردي، الذي أقيم سنة 2012م، في مدينة أيسن الألمانية، فكيف تلقيت أولاً هذا الإعلان عن الفوز؟ وما موقع الشعر بالنسبة إليك مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى؟
- الجائزة كانت تقديرية. منحت لي عن مجمل نتاجي الشعري ونشاطي في هذا الحقل الإبداعي منذ أول كتاب لي صدر عام 1991 في بون-ألمانيا. أصدرت إلى الآن أربع مجموعات شعرية آخرها كان باللغة العربية بعنوان قصائد (نسيتها الحرب في جيب الشاعر). الشعر هو المبدأ والمنتهى. منه نبدأ وبه نختم حلقة الإبداع. لا إبداع دون شعر، وقد أجبت كثيراً على موضوع لماذا تركت الشعر ولجأت إلى الرواية بقولي: لم أترك الشعر بل نقلت خيمته معي إلى أرض الرواية ونصبتها هناك أستظل بظلها الوارف، ومن يقرأ رواياتي يلاحظ اللغة الشعرية فيها بوضوح.
أعلنت مجلة دمشق، الصادرة في لندن عن فوزك بـ(جائزة دمشق للفكر والإبداع)، وقد كان الفضل في تحقيق ذلك، يرجع إلى كتابك الموسوم ( رماد النجوم)، وهو عبارة عن مجموعة قصص كردية قصيرة لعدد من الكتاب الكرد، فكيف جاءت فكرة تأليف هذا الكتاب، وهل يمكنك -باقتضاب- أن تذكر لنا أهم الكتاب الذين ركزت عليهم في عملية التأليف؟
- جاءت فكرة الكتاب من واقع أن هناك فقراً في المكتبة العربية من هذه الناحية. القراء العرب ليسوا على اطلاع تام على أدب الشعب الكردي الجار الأقرب للعرب. هناك نقص رأيت أن أساهم في سده. وهكذا جاء كتابي هذا وهو في الحقيقة يأتي ضمن مشروعي المتواصل منذ ثلاثين عاماً في نقل الأدب الكردي إلى القارئ العربي. هناك كتاب قصة بارزون في هذا الكتاب الأنطولوجي الصغير، منهم على سبيل المثال: جوان باتو، فرهاد شاكلي، فرهاد بيربال، حسن مته، حسن قزلجي وغيرهم.
ربما، الرواية العربية اليوم، تشهد حركة سواء من حيث الشكل أو المضمون، فهل تتفق معي؟ وما هي أبرز خصوصيات الرواية العربية اليوم في اعتقادك؟
- الرواية العربية شهدت نهوضاً كمياً كبيراً. هذا النهوض الكمي جاء بعد تخصيص جوائز نقدية كبيرة في حقل الرواية حيث سارعت دور النشر إلى الاهتمام بالرواية على حساب باقي الأجناس. ولا شك أن نشر هذا الكم الهائل سيفضي إلى ظهور روايات جيدة المستوى، لكن هناك تشويشاً على القارئ، والقارئ غير المحصن ضد الرداءة الأدبية بشكل خاص، فهو يقتني كل كتاب يرى على غلافه المفتاحَ السحري، أعني كلمة رواية. هناك في العالم العربي الآن استسهال للرواية. وللجوائز دور في ذلك حيث فازت بعض الروايات الرديئة بجوائز كبرى. وهذا بالضبط ما أوهم القراء بسهولة هذا الفن وأنهم يستطيعون الإتيان بمثل هذه الروايات التي تفوز. يجب أن يكون هناك نوع من ضبط إيقاع إنتاج الروايات. أعني على الناشرين أن يفكروا في إصدار رواية عشر مرات قبل أن يقرروا نشرها. عليهم أن يضبطوا النشر على إيقاع الجودة والإبداع وليس على إيقاع الجوائز والإسراع في النشر للحاق بالموعد الذي تحدده كل جائزة.
يسعى الأدب إلى خلق تواصل ثقافي فعال بين المجتمعات العربية والغربية، فهل يمكنك أن تبين لنا أهمية الترجمة في تحقيق ذلك من خلال تجربتك؟
- التواصل الثقافي قائم. لكنه تواصل من طرف واحد تقريباً. الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية وباقي اللغات الشرقية لا بأس بها، لكن الترجمة العكسية، أي الترجمة إلى اللغات الأوروبية من العربية والكردية والفارسية والتركية وغيرها ضعيفة جداً، وبذلك لا يمكن الحديث عن تواصل ثقافي عادل يقف في طرف المعادلة نداً لند. المركزية الغربية وعقدة الشعور بالنقص لدى الشرقيين تجاه الأدب الغربي أضر بالثقافة وبالتواصل الثقافي. دائماً ما أقول لماذا لا نتجه شرقاً، لماذا لا ننتبه لأدب الجيران؟ نحن أولى بأن يتواصل أحدنا على الآخر. وهذا بالطبع لا يعني الدعوة إلى مقاطعة الغرب بأي شكل من الأشكال بل التعامل معه بعيداً عن العقد التاريخية.