جابرييل تشيكوني: كيف تؤثر الصورة على القرار السياسي؟
حوار وترجمة/ حمد الدريهم: الرياض
يحاول المصور الفوتوغرافي الوثائقي الإيطالي جابرييل تشيكوني صناعة مشاريع فوتوغرافية وثائقية مهمة عبر تأمله في هذا العالم مستعيناً بوعيه الثاقب وبثقافته الرصينة تجاه الكثير من القضايا، ليرسم خطاً مميزاً في التصوير الوثائقي ويحصد العديد من الجوائز العالمية مثل: جائزة إيف روشيه للتصوير الفوتوغرافي وجائزة المهرجان الدولي للتصوير بهلسنكي وجائزة ستينين الدولية للتصوير الصحافي وغيرها من الجوائز. نُشرت أعماله في العديد من الصحف والمجلات العالمية مثل: ناشيونال جيوغرافيك ودير شبيغل ولاريبوبليكا وغيرها. التقيتُ به، لأحاوره حول تجربته ورؤيته للتصوير الفوتوغرافي وعن صورة الرجل الملطخ بالطين، وكيف يمكن للمصور أن يُبقي كاميرته على الحياد؟ بالإضافة إلى قضايا أخرى، إليكم الحوار:
عندما بحثتُ باسمك في محرك البحث، كي أحصل على صورة شخصية لك، لاحظت ندرتها مقارنة بصور مشاريعك، هل من المهم للمصور أن يُخفي نفسه خلف مشاريعه؟ وهل هناك رسالة ما؟
- أرى أن النقطة الأهم ليست متعلقة بالاختفاء بقدر ما هي متعلقة بعدم التعرف على صورة ذلك الشخص.
اُضطررت أن أظهر بصورتي للمقابلات والتكريمات والفعاليات الأخرى بسبب أعمالي الفوتوغرافية، لكن لا أريد لتلك الصورة الشخصية أن تطغى على أعمالي الفوتوغرافية ولا على ذاتي. من التعريف بالذات يأتي الرضا عن النفس أو الرفض ومن الرضا تأتي النرجسية أو نكران الذات. على المرء أن يقبل صورة المرء بدورها وإمكانياتها دون الاتكاء عليها.
فيما يتعلق بمشروعك (TiàWùK) بالكويت، ما الأسباب التي جعلتك تذهب إلى هناك، لأجل التوثيق؟ هل هي حكاية المكان؟ كيف رأيت ردود الفعل، لاسيما من الكويتيين تجاه ذلك المشروع؟
- في السنوات الخمس الأخيرة ركز بحثي الفوتوغرافي على موضوع علاقة الإنسان بالبيئة، بدءاً من آثار كارثة الزلزال في قرى منطقتي بوسط إيطاليا إلى البحث في الأثر البيئي لمهاجري الروهينجا في جنوب بنجلاديش. ولدت ونشأتُ في أرض تُعرف بأنها (القلب الأخضر لإيطاليا)، كانت لدي جاذبية عميقة لنقيضها الصحراء، وفضول لمعرفة بلد صنع صلابة، ليتكيف مع ظروف بيئية ومناخية قاسية في بلد مثل الكويت الذي يجب أن يتطور بالضرورة. للمرة الأولى وجدت نفسي بالكويت في تجربة ثقافية عظيمة وصادمة بصرياً، بالرغم من العديد من الرحلات التي أخذتني لأرجاء العالم في السنوات القليلة الماضية.
من ناحية ترى الخليج العربي والمشاهد البحرية ومن ناحية أخرى ترى الأجواء الخارقة لصحراء تبدو كمرآة يعكس كل منهما الآخر، بين صدى حضارة متوقعة في المستقبل تتمتع بمرونة، لتتمكن من التكيف مع تلك الأرض الطاردة. ذلك العمل بالنسبة لي كان رحلة بصرية ضمن تلك الحدود الجغرافية والخيالية في سعي لأجل استعادة الأجواء السريالية والخارقة التي ألهمتني باستمرار أثناء فترة وجودي بالكويت.
لديك تجربة في توثيق مئات الآلاف من لاجئي الروهينجا ببنجلاديش، كيف تصف التجربة؟ وكيف يمكن للمصوّر أن يُبقي كاميرته على الحياد، لاسيما في مناطق الصراع والأزمات؟
- التجربة التي خضتها عندما كنت أقوم بعمل توثيق الروهينجا، كانت صعبة للغاية من جوانب نفسية وعاطفية وجسدية أيضاً.
أن ترى أشخاصاً كثراً يعانون من صدمات الاضطهاد والنزوح واضطرارهم للكفاح، لأجل البقاء حتى في مخيمات اللاجئين، كان أمراً عظيماً ومأساوياً.
لديك صورة لرجل يقف داخل حفرة وملطخ بالطين، ما حكاية تلك الصورة؟
- كانت لرجل عمره فوق ستين عاماً، ويحفر في مخيم (كوتو بالونغ- بالوخالي)، أكبر المخيمات في العالم. الحفرة يمكن استخدامها لبناء مرحاض. التخلص من مياه الصرف الصحي كانت مشكلة رئيسة خلال مرحلة الطوارئ من الأزمة. تلوثت المياه من الطبقات الجوفية الضحلة، والطريقة الوحيدة للوصول إليها كانت عن طريق الآبار البدائية التي حفرت بالمخيم.
مشاريعك تهتم بما يُهدد الإنسان، هل ترى بأن التصوير الوثائقي يمكن أن يساعد في حل المشكلات؟ وكيف ترى تفاعل واستجابة المنظمات الدولية مع تلك المشاريع؟
- برأيي الطريقة الوحيدة لحل المشكلات العالمية هي أن تكون سياسية وعالمية. الأمر الوحيد الذي يمكن للصور أن تغيره في ذلك السياق هو عندما يؤثر نشرها على صنع القرار السياسي، ماعدا ذلك وفي ذلك السياق لا أرى بأن الصورة قادرة على حل المشكلات العالمية الكبرى. مع ذلك، الصورة لديها القوة للتأثير على نطاق واسع على مستوى وعي الأفراد ومداركهم.
أقول دائماً إذا كانت صورتي قادرة على إثارة صدمة لدى الفرد فإن ثمة أمراً إيجابياً قد حدث بالفعل. الطريقة الوحيدة التي نستطيع فيها أن نغير العالم هي أن نبدأ بأنفسنا على المستوى الفردي.
تقول دوروثي لانج: «الكاميرا أداة تعلم الناس كيف يرون بدون كاميرا». بعد تجاربك، ما الكاميرا من وجهة نظرك؟
- الكاميرا أداة تخبرنا عن ذواتنا عبر العالم. ما أعشقه في التصوير الفوتوغرافي كل العمليات المنبثقة والتجربة التي تنشأ أثناء التصوير الفوتوغرافي التي تؤدي في النهاية إلى إنجاز الصورة.
التصوير الفوتوغرافي أداة تأملية رائعة تتيح لنا الحضور والتأمل ونسيان أنفسنا بإقبالنا وانغماسنا تماماً في تجربة الحياة. على مستوى التلقي، ما ذكرته آنفاً ينطبق أيضاً، والتصوير الفوتوغرافي يعلمك فقط في حالة قدرة المتلقي على فك شفرة كل صورة، لأجل أن تعلمك الصور كيف ترى بدون استقبالها سلبياً والاكتفاء بالمشاهدة فقط، من الضروري نشر ثقافة بصرية من الأساس، لتمنحك الأدوات والحروف اللازمة لقراءة تلك الشفرة المعينة للصورة.
كيف تخطط لمشاريعك؟ هل ترسم سيناريوهات معينة في ذهنك، لأجل الصور؟ وهل تلتقط مئات الصور للمشروع الواحد ثم تختار ما يناسب مشروعك؟
- عندما أقوم بعمل مشروعي أقضي الكثير من الوقت أُوثُّق ذاتي بكل الطرق الممكنة. هذه المرحلة تؤدي لاحقاً لتصور المشروع، لأحدد كيفية إنجازه من ناحيتي المضمون والجمالية. عندما يكتمل التصور، ويتضح جلياً في ذهني ما أُريده بالضبط؛ تأتي مرحلة الإنتاج المهمة ففيها الخيارات الجمالية يجب أن تتناسب مع العلاقات التنظيمية اللوجستية، ثم بعد التخطيط بعناية في المكان، يجب أن تترك مجالاً لما هو غير متوقع. غالباً بعد المرحلة الأولى التي أستكشف فيها، تأتي مرحلة أخرى فيها الخبرة تزداد أكثر حول الموضوع والمكان بما يسمح لي للمضي أكثر بتركيز أدق في ذلك المشروع.
في مشروعك الفوتوغرافي (الفردوس المفقود) عدت للأساطير والتغيرات الجيولوجية التاريخية. ما هو هدفك من ذلك المشروع؟ وهل كان تنبيهاً لأنفسنا (الكائن البشري) من الإجراءات والمواقف السلبية التي تأتي من وجهة نظر مركزية الإنسان في هذا الكون؟
- المشروع كان معنياً بإظهار مدى صغرنا مقارنة بقوة الطبيعة. والمركزية البشرية تأتي من انفصال الإنسان عن الأرض، لذا أردت أن أُظهر الشعور بالفتنة والهشاشة.
في عصر شيوع التصوير الفوتوغرافي بالهاتف الجوال، هل قيمة المصور المحترف ما تزال كما هي من قبل أم تغيرت؟ ما وجهة نظرك؟
- في هذا العصر، دور المصور الفوتوغرافي المحترف أصبح أكثر قيمة. وسط هذا الموج الهادر للصور، المصور الفوتوغرافي أصبح على عاتقه مسؤولية أكثر من أي وقت مضى لصنع صور ذات قيمة ومعنى. تكمن قوة التصوير الفوتوغرافي في قدرته على توحيد ثنائية الحضور والغياب. الحاضر سيكون غائباً دائماً أو بإمكاننا القول إن الماضي حاضر دائماً. في كلا الحالتين، ما يظهر هي مسافة. والمصور الفوتوغرافي بإحساسه يعمل على تقليل تلك المسافة الوجودية الحاضرة في طبيعة التصوير الفوتوغرافي، يبدو الأمر ملحمياً ومسلياً في الوقت نفسه.
ما كلمتك الأخيرة في هذا اللقاء؟
- يسعدني أن أكون قادراً على تقديم أعمالي للجمهور السعودي، وآمل في يوم من الأيام أن أزور ذلك البلد، حيث يزيد فيه الاهتمام بعالم الفن والتصوير الفوتوغرافي، فكر فقط في مشروع العلا.