محمد البريكي: الجمهور هو ناقد القصيدة النبطية الأول
داليا عاصم: مصر
الشعر فن وظفته الحضارات قديماً، عربياً وأوروبياً، توجيهاً للإنسانية. واعتبر الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر أن (الشعر يصنع كيان الشعوب). والشاعر محمد عبدالله البريكي يرى في الشعر قوة خارقة لو تم استثمارها في الإطار الصحيح. وهو يدير مهرجان الشعر العربي بالشارقة، ويدير بيت الشعر بالشارقة منذ 10 سنوات، وأتم البيت عامه الـ 25 في عهده متوجاً بجائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي في دورتها الرابعة كأفضل مشروع في خدمة الشعر العربي. وهو، وعلى مدار مسيرته الأدبية، أصدر 14 ديواناً متنوعة ما بين الشعر الشعبي والفصيح. ويرأس تحرير مجلة (القوافي) الأدبية، فضلاً عن مشاركته في تحكيم أهم مسابقات الشعر في الوطن العربي.
التقت (المجلة العربية) الشاعر الإماراتي محمد البريكي أثناء مشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وعقب حصوله على الدكتوراه الفخرية من إحدى الجامعات الأمريكية عن جهوده في الإدارة والعلاقات العامة، للحديث عن مشروعه الشعري وهواجسه وأحلامه فيما يخص دور الشعر في الحراك الثقافي العربي، فإلى الحوار:
بداية نبارك لك حصولك على الدكتوراه الفخرية من جامعة الشمال الأمريكي للدراسات العليا، كيف ترى هذا التتويج؟
- أراه ثمرة جهد متواصل وعمل دؤوب يلائم طبيعتي التي تميل كل الميل إلى العمل من أجل الحرية والإنسان والشعر في المقام الأول، فالشعر هو الطائر الغريب الذي يسكنني فيمنحني ويدعوني إلى أن أسابق قمة في خيالي فأمضي دون خوف بغبطة الشعر، والعمل من أجل هذا الكائن الذي يسكنني منحه ضوءاً شخصت إليه بعض العيون، فمنحته التقدير.
بدأت حياتك مع الإعلام، ودعنا نرصد بداية تسلل القصيدة إليك.. هل اختارك الشعر؟
- الحياة الإعلامية قدر في حياتي، وهي والشعر في وئام لأنني منذ البداية وأنا أعمل في الصحافة الثقافية ممتناً له لأنها جعلتني على مسافة قريبة جداً من الشعر، أما عن الاختيار فلا أستطيع الجزم من منا اختار الآخر، لكنني أستطيع القول إننا كشعراء نلمس في رفق الكون فتتشكل الحروف أنغاماً موسيقية.
في عصر ما بعد الحداثة.. هل ترى أن الشعر العربي يعاني أزمة تجديد أم أنها مسألة تتعلق بغياب الذائقة الجمالية لدى الجمهور؟ أم أنها طبيعة العصر الذي يشيئ العواطف والمشاعر؟
- الشعر لا يسقط مع اندفاع الرياح، ولا يغيب عن مشهده في كل عصر حتى وإن اضطربت السفينة في مياه غير آمنة، ونحن نعيش الزهو الشعري الجميل بسبب وجود كتيبة الشعراء الذين يملكون جماليات خارج المألوف، نحن نعيش مع الشعر حداثته بالمعنى الذي يغري بهذا، لأن الرصيد الزمني كبير ويصب في مصلحة تطوير القصيدة وتجديد صورها ومعانيها وأغراضها، أما ما يحدث على الجانب الآخر من غياب الإبداع فالمسؤول عنه هو من يكتبه.
نرى في قصائدك مساءلة حداثية للتراث الشعري العربي بالتوازي مع حرصك على روح الأصالة.. كيف اشتغلت على هذه المعادلة الصعبة؟
- الشعر قوة خارقة لو تم استثمارها في الإطار الصحيح، والتراث هو جزء من يقين الشعر بعظمة القصيدة العربية وقيمتها التاريخية، لكن لابد من التماهي مع روح العصر وإضفاء لمسة تميز شاعراً عن غيره، وهذا لا يأتي إلا من خلال البحث عن منطقة غير مطروقة في الإبداع.
(متأهباً للعزف) ديوان يرسم ملامح صوتك الشعري ويعكس هواجس الزمان والذاكرة والعروبية، وقد قرأت منه في أمسية بمعرض القاهرة للكتاب.. حدثنا عن هذا الديوان ومتى نتوقع صدوره؟
- إنه خلاصة تجربة مهمة في حياتي، فهو مختارات من أعمالي الشعرية سوف تصدره الهيئة المصرية للكتاب قريباً، وأنا أعتز به لأنه يعبر بشكل ما عن تجربتي الشعرية، وقد قرأت منه في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وأشعرني الجمهور بتجاوبه معي بقيمة ما أقول.
في ديوانك (مدن في مرايا الغمام)، نجد ترحالاً شعرياً وحوارية بينك وبين المدن بأوجاعها وأتراحها ولياليها السامرة، حدثنا عن هذه المغامرة الشعرية.. هل ألقت المدن إليك بوحيها أم أنك تنسمت الشعر بين أزقة المدن؟
- المدن العربية تعيش في ذاكرتي لأنني زرت الكثير منها واغترفت من جمالها، وحين كتبت هذا الديوان كنت أعيش هواجس عروبتي وانتمائي لأصلي وجذوري. نعم قصائد الديوان مغامرة في إبهاء هذه المدن التي سكنتني وانغمست في فضائها الرحيب.
مجلة القوافي تشغل جانباً أيضاً من مشروعك الأدبي، برأيك ما هي أهم مشكلات المجلات الثقافية ولاسيما المتخصصة؟
- القوافي هذا المشروع الشارقي الذي يحظى برعاية وعناية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هو مشروع كل العرب، ومن ناحية العوائق التي تواجه المطبوعات الثقافية المتخصصة فهي تتمثل في البحث الدائم عن الموضوعات المتميزة ومن ثم استقطاب أفضل الأقلام وأغزرها في الفكر والثقافة، ولو تم التغلب على ذلك فمن الطبيعي أن تكون المطبوعة خارج التصنيف.
برأيك، هل أثر ضعف الحضور النقدي على القصيدة النبطية؟
- القصيدة النبطية لا تعاني ضعفاً نقدياً لأن ناقدها الأول الجمهور، فهي تعبر عن فلسفته وروحه في التعاطي مع مشكلات العصر، وما يدور داخل الإنسان فهي أقرب الطرق لإضفاء البهجة في الحياة.
نلمس توظيفك لتقنية التناص الشعري مع القرآن والسنة بصورة حداثية ودلالات جديدة.. كيف استقبل النقاد هذا التعالق؟
- التناص مع القرآن يمنح الشعر بعداً جمالياً كبيراً، وما الشعر بدون التأثر بالكلمات التي وردت في الأحاديث القدسية والنبوية الشريفة؟ يظل بعيداً عن روح الإنسان وفطرته، وكل الشعراء العظماء اغترفوا من هذه المنابع العذبة.
في أغلب دواوينك وتحديداً (بيت آيل للسقوط) و(عكاز الريح) نجدك تتسلح بسوسيولوجيا الأمل، وتتمرد على القصيدة، غير منساق للشجن الرومانسي وصورة الشاعر ضحية الحب.. متى يثور الشاعر على قصيدته؟
- قصائدي كلها ثورة، ثورة على الذات، وغضب من كل ما يكبل الروح، لأنها تحمل رمزية عالية، قصائدي دربت طير المعنى عملية القفز فوق الشجرة، لكنها لم تعلمني كيف أطيِّر الشجرة، وهي لا تفهم في سياقها الحقيقي.
صرحت من قبل (أعاني عذابات القصيدة).. صف لنا اللحظة التي تستسلم فيها للقصيدة.. وهل تفرض عليك شكلها الأدبي؟
- الشعر هو العذابات الجميلة التي تتموقع في الروح، وحين تأتي القصيدة أتبعها، وكأنني في موكب موسيقي مبهر، فهي تتغلغل في القلب، وتمضي من خلال مراحلها الطبيعية، لذا فالكل يتبع جمالها دون توقف.
توج (بيت الشعر) في عهدك بجائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي في دورتها الرابعة في فرع أفضل مشروع في خدمة الشعر العربي، إلى أي مدى نجحتم في تأصيل دور الشعر في الحركة الثقافية العربية بعد خفوت ووهن لسنوات طوال؟
- لا أحد ينكر أن ما وجه به صاحب السمو حاكم الشارقة من أجل أن يكون الشعر هو المعبر عن الآمال والطموحات وحق أصيل للمبدعين في كل مكان جعل من بيت الشعر مكاناً مريحاً لاستقطاب القصيدة وفضائها الواسع، وهو ما كلل هذه الجهود، واستطعنا بالعمل الدؤوب أن نحقق رسالة الشيخ سلطان.
في عامه الـ25.. ما هي المشاريع التالية في جعبتكم بعد نجاح مهرجان الشعر العربي السنوي، وماذا عن مشروع (شعراء المهجر)؟
- (بيت الشعر) نافذة مفتوحة لجميع الشعراء، ودوره يتعاظم في المحيط الشعري، ومشروعه واضح وهو يتقدم بخطى ثابتة نحو المستقبل، وأعتقد أن مشروعه له قيمة حقيقية في واقعنا المعاصر، وبخصوص شعراء المهجر فإن أبواب بيت الشعر مفتوحة لاستقبال الجميع.
لماذا برأيك اختفت المعارك النقدية الجادة في ساحة الشعر؟
- الحياة الشعرية لابد من أن يقابلها حياة نقدية ثرية، ومن المفترض أن يسود النقد المبدع الذي يخدم المشروع الشعري العربي، وكل ما في الأمر هو أن النقد الشعري يستعيد ذاته في هذه الأيام.