مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

جوانا جاما: شعور عزف البيانو لا يكون متشابهاً

حوار وترجمة/ حمد الدريهم: الرياض


تحاول عازفة البيانو البرتغالية د.جوانا جاما إحياء الإرث البرتغالي والعودة لإرث بعض الموسيقيين الكبار في أوروبا مثل: إريك ساتيه (1866 - 1935م) وهانز أوتي (1926 - 2007م) عبر ألبوماتها المختلفة مثل: (صوت الأصوات) و(ترحال في موطني) وغيرها من الأعمال الموسيقية المختلفة. التقيت بها لأحاورها حول تجربتها في تلك الأعمال وسبب اتجاه بعض أعمالها للأطفال، وعن شعورها لحظة العزف، بالإضافة إلى قضايا أخرى، فإليكم الحوار:

كيف تصفين زيارتكِ الأخيرة للمملكة؛ ولاسيما أنها المرة الأولى، وأجواء الحفل الموسيقي الذي قدمتيه بالرياض؟
- أحببتُ إقامتي بالرياض، كان أسبوعاً غنياً جداً، لم يقتصر على الحفل الموسيقي الذي قدمته في قصر الثقافة فحسب؛ بل شمل أيضاً الحدث الذي نظمته السفارة البرتغالية للاحتفال بيوم البرتغال، بالإضافة إلى تقديم كتابي: (الأشجار لا تملك أرجلاً للمشي) في الفضاء الجميل لمركز الفناء الأول. وقت الفراغ، ذهبتُ لحافة العالم، رأيتُ الجِمال وتناولنا بعض الوجبات في المطاعم التقليدية. اُستُضِفتُ بعناية بواسطة فريق السفارة وأعضاء رابطة البرتغاليين في السعودية الذين دعوني لأعزف بالرياض، ولن أنسى حفلة الموسيقى بقصر الثقافة؛ لأنني شعرت أنها لقيت استحساناً رائعاً، والحضور كانوا منسجمين. في النهاية، العديد من الأشخاص أتوا لتهنئتي. كان هناك فنانة سعودية أهدتني لوحة بورتريه لذاتي، كنت أقف عند البيانو بجوارِ العَلَمِ البرتغالي.
لديك مشاريع موسيقية تستهدفُ الأطفال مثل: (الأشجار لا تملك أرجلاً للمشي) و(أحب السيد ساتيه)، ما الأسباب التي جعلتكِ تذهبين في ذلك الاتجاه؟ وكيف ترين أثر تلك المشاريع على الأطفال؟
- قبل بضعة أعوام، قدمتُ عرضاً موسيقياً للأطفال اسمه: (Nocturno) / (ليليّ) مع مصمم الرقصات فيكتور هوجو بونتيس. في ذلك الوقت، كنا على اتصال وثيق مع العديد من الأطفال. استمتعتُ جداً بتلك التجربة. الأطفال جمهور مثير جداً للاهتمام؛ لصراحتهم وعفويتهم وروح الدعابة لديهم. أيضاً، أحب حقيقة أن معظم أولئك الأطفال هي المرة الأولى التي يحضرون فيها حفلاً موسيقياً أو عرضاً موسيقياً راقصاً؛ لذا هناك مسؤولية ومتعة في صناعة تجربة مميزة لهم.
هل يمكن أن تصفي مشاعرك أثناء عزف البيانو وبعد النهاية؟
- شعور عزف البيانو لا يكون متشابهاً بصورة دائمة؛ ولاسيما إذا كان أمام الجمهور. هناك حفلات أكون فيها هادئة جداً ومطمئنة عندما أشعر بالانسجام. هناك أوقات أكون فيها أكثر ارتباكاً وقلقاً؛ لكن الجمهور عادة لا يشعر بهذه التقلبات، إنه شيء بداخلي. إجمالاً أستمتع جداً بإحياء الحفلات الموسيقية ومشاركة الموسيقى التي أحب، آملُ أن يحضر الناس لتنالَ استحسانهم وأن يرغبوا باستمرار الاستماع إليها.
في بحثكِ الدكتوراه، سلطت الضوء على العناصر الثقافية البرتغالية في الموسيقى البرتغالية؛ ولاسيما المتصلة بالبيانو. بصورة عامة، ما السمات التي تتفرد بها الموسيقى البرتغالية مقارنة بموسيقى الثقافات الأخرى المختلفة حول العالم؟
كنت مهتمة دائماً بالموسيقى المتصلة بحقائق خارج الموسيقى. لذلك قررت أن أعمل بحثي الدكتوراه حول ذلك الموضوع؛ لأدرس موسيقى عشرة مؤلفين موسيقيين برتغاليين الذين استلهموا موسيقاهم من: الموسيقى التقليدية والطبيعة والأدب وذاكرة الأطفال في القرى وأصوات المدن في البرتغال. من تلك القاعدة الأساسية، تكون النتيجة الموسيقية فريدة مبنية على الواقع البرتغالي بصورة خاصة. اثنتان من القطع الموسيقية التي درستهما والمؤَلفة بواسطة الموسيقيين فرناندو لوبيز جراكا وأميلكار دياز كانتا أصل الألبوم الموسيقي: (Travels in my Homeland) / (ترحال في موطني) صدر بواسطة جراند بيانو وهي علامة لمجموعة ناكسوس، أكبر علامة موسيقية كلاسيكية في العالم.
في بعض أعمالك الموسيقية عدت إلى موسيقيين بارزين مثل: إريك ساتيه وهانز أوتي. هل يمكن أن يؤثر ذلك على خطك الإبداعي الموسيقي الذي ينبغي أن يتطلع إلى المستقبل؟ ما وجهة نظرك حول ذلك الأمر؟
- إريك ساتيه وهانز أوتي كانا شخصين مثيرين للاهتمام، ليس بسبب موسيقاهم التي ألفوها فحسب؛ إنما بسبب طريقة تفكيرهم حول الحياة والفن، بهذا المعنى، لا أستمتع بمشاركة موسيقاهم فقط؛ بل أستمتع أيضاً بقراءة ما كتبوه وأبدعوه خارج المجال الموسيقي، كانا يستمتعان بالكتابة والرسم وعلى اتصال بالأنماط الفنية الأخرى. في عام ٢٠١٦م، أحييت الذكرى الـ١٥٠ لميلاد إريك ساتيه عبر جولة موسيقية: (ساتيه ١٥٠: احتفاء على هيئة المظلة)، شملت العديد من الحفلات الموسيقية في البرتغال وبقية أوروبا مع عقد الندوات وإصدار ألبوم وكتاب. بين عامي ٢٠٢١م و٢٠٢٢م نظمتُ مهرجان هانز أوتي: (صوت الأصوات) الذي جال أربع مدن برتغالية شمل حفلات وندوات ومعارض وعرضاً أول لمسرحية موسيقية، على الرغم من أنهما كانا مختلفين وعاشا في أوقات مختلفة؛ إلا أنهما يلهمانني يومياً؛ على الرغم من أنني أعيش في واقع مختلف جداً عنهم.
بعد تجربتك في عزف البيانو، هل يمكن صناعة أعمال موسيقية إبداعية بمزج البيانو مع آلات موسيقية أخرى تكون حصراً في ثقافات وسياقات موسيقية أخرى؟ كيف ترين ذلك الأمر؟
- أنا مهتمة جداً بالتعاونات الجديدة. أرى أن أهم ميزات عصرنا الذي نعيش فيه هي إمكانية الولوج لأوجه ثقافية أخرى والقدرة على مزج آلات بطريقة لم يكن من الممكن تصورها قبل سنوات. مع الجائحة، أدركنا إمكانية عمل التجارب مع موسيقيين في الجانب الآخر من العالم عبر الكمبيوتر. على سبيل المثال، الموسيقي إيهاب عابدين أتى لحفلتي في قصر الثقافة؛ ليشاهدني وليلقي التحية في النهاية. من يدري ربما نعزف معاً يوماً ما؟!
ذات مرة قال فاغنر: (الموسيقى هي كلام القلب العاجز عن التعبير، التي لا يمكن صياغتها في كلمات؛ لأنها لا متناهية). من وجهة نظرك، ما الموسيقى؟
- هذا السؤال عميق، ليست لدي إجابة واضحة، لكن أود أن أضع بعض الأفكار هنا، ليس من السهل أن تميّز بين الصوت والموسيقى، كلاهما يمكن خلقهما عمداً وبطريقة واعية. هناك موسيقى يمكن أن يعتبرها البعض متناغمة ولكنها بالنسبة للآخرين ليست كذلك ولا تعد موسيقى.. هل صوت الطيور موسيقى؟!
حالياً، كيف تصفين حالة الموسيقى في أوروبا؛ ولاسيما البرتغال؟
- بالنسبة لي من الصعب أن أتحدث بصورة عامة؛ لأن أفضل ما أعرفه هو الحديث عن تجربتي ويمكن أن أشير إلى أشياء رائعة. كانت لدي العديد من الفرص لتقديم أعمالي ليس في البرتغال فحسب؛ إنما في الخارج أيضاً. مؤخراً، نِلتُ منحة من مؤسسة إدارة حقوق الفنانين في البرتغال، للسماح لي بتقديم حفلة موسيقية: (كتاب الأصوات) بواسطة هانز أوتي -العمل الموسيقي الذي عزفته بقصر الثقافة بالرياض- في أربع مدن أوروبية: أدنبرة وأمستردام وبروكسل ودنكيرك.
هل هناك أفلام أو كتب معينة في ذهنك توصين بها للموسيقيين؟
- أؤمن أن الحياة الرائعة مرادفة للتنوع؛ لذا أعتقد أنه من المهم أن نقرأ ونسمع ونشاهد أشياء متنوعة جداً؛ لأن في ذلك التنوع يمكن أن نجد ما نحب.
هناك أفلام وكتب ظهرت في وقت ما؛ لأنني كنت بحاجة لقراءتها في ذلك الوقت ربما لا تجد صدى لمن يود الاطلاع عليها الآن. قرأت الكثير من الشعر؛ لأنه يساعدني لأرى الحياة اليومية بطريقة أكثر شاعرية ولأواجه السرعة التي تجتاح حياتنا.
بعض المشاريع التي شاركتِ فيها، التأم الرقص مع الموسيقى، كيف ترين تجربتك في تلك المشاريع؟
- عندما كنت طفلة، رقصت الباليه وأحببته جداً؛ لكن أقدامي لم تكن جيدة. بدأت التعبير عن نفسي جسدياً بواسطة الباليه؛ لكن الخبرة التعبيرية التي تعلمتها في الرقص بقيت معي دائماً. بعد سنوات لاحقة، رأيت مقطوعة لمصممة الرقصات تانيا كارفالهو، التي أخبرتني بإمكانية الجمع بين الرقص والبيانو. في عام ٢٠١٢م، قمتُ بأول تعاون إذ مزجت الرقص بالموسيقى ومنذ ذلك الحين أصبح شيئاً معتاداً وأستمتع به حقاً.
ما كلمتك الأخيرة في هذا الحوار؟
كما ذكرت في البداية، كان من دواعي سروري أن أقدم حفلة في الرياض وأتمنى بكل صدق أن أعود لأقدم حفلات موسيقية في مدن أخرى بالمملكة العربية السعودية؛ لأعرف البلد بأفضل طريقة. هذه المرة أمضيت أسبوعاً واحداً؛ لكنني أتمنى أن أبقى لمدة طويلة لأزور المزيد في هذا البلد المثير للاهتمام. أود أن أنام في الصحراء وأن أذهب إلى البحر الأحمر وأزور محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية.

ذو صلة