مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

محمد بكر: أمتلك أهم أرشيف للسينما المصرية عمره 90 عاماً

حوار/ داليا عاصم: مصر


وثق عصر السينما الذهبي في هوليوود الشرق بالصور الفوتوغرافية، مهارته وبراعته في اقتناص الصورة مكنته أن يكون عنصراً أساسياً في عملية صناعة الفيلم السينمائي بل مرجعاً لكل ما يخص الأفلام وكواليسها حتى لقب بـ(شيخ المصورين). المصور الشهير محمد بكر التقته (المجلة العربية) في معرضه المقام بمصر الجديدة ضمن فعاليات أسبوع القاهرة للتصميم، بين مئات الصور التي تجسد وجوه نجوم سطعوا على الشاشة الفضية ومشاهد لا تنسى من أفلام صنعت ذاكرتنا الجمعية وشكلت وجداننا.. تجول معنا محمد بكر كاشفاً عن ذكرياته مع أهم أعمال السينما المصرية والعالمية، إلى الحوار:

تنحدر من عائلة لها باع في التصوير الفوتوغرافي، حدثنا عن دخولك لعالم التصوير؟
- والدي -يرحمه الله- كان أشهر مصور في ثلاثينات القرن العشرين، بدأ رحلته مع أفلام محمد عبدالوهاب منذ عام 1934 ومع المخرج محمد كريم منها فيلم (الوردة البيضاء)، (رصاصة في القلب)، (لست ملاكاً) و(لاشين)، كانت اللقطة 20*25. وكان هو من التقط الصورة الشهيرة لطلعت باشا حرب التي توجد في المتاحف ومراجع التاريخ.. وتوالت أعماله وصور أفلام كوكب الشرق أم كلثوم، ثم قام طلعت حرب بتعيينه رئيساً لقسم التصوير الفوتوغرافي في أستديو مصر.
في حقبة الأربعينات كنت أساعده بعد المدرسة في أستديو مصر أو أستديو الأهرام أو أستديو جلال ومن هنا تعرفت على عالم السينما الساحر وارتبطت بالكاميرا التي كان يحتاج إعدادها مجهوداً كبيراً، كان هناك زخم جميع الأستوديوهات جميعها تعمل وبها أفلام يتم تصويرها فكنا دائمي التنقل بينها.
وكيف أصبحت مصور الرئيس السادات؟
- حينما قامت ثورة 52 كان والدي مصور الرئيس جمال عبدالناصر الذي حضر افتتاح أستوديو التصوير الخاص بنا بحضور الرئيس السابق محمد نجيب. في عام 1964 سألني الرئيس عبدالناصر: (لماذا لا تأتي مع والدك؟). قلت: (لم يكن معي تصريح رئاسي).. فأمر فوراً بإصدار التصريح، وتم تكليفنا من وزارة السد العالي بتصوير جميع مراحل إنشاء السد العالي، كنا نذهب كل 15 يوماً نقيم أسبوعاً للتصوير، ليرى الرئيس الصور ويتابع مراحل تشييد السد. وقمنا بتصوير الافتتاح المهيب بحضور الرئيس الروسي والمخرج يوسف شاهين. وحينما تولى السادات الحكم كنت مصور الرئيس وكانت الصورة الرسمية للرئيس من عدستي.
متى تفوقت على والدك وأستاذك.. وصنعت بصمتك الخاصة في عالم التصوير؟
- عام 1956 كان نقطة انطلاق بالنسبة لي، كان حسن الصيفي منتج ومخرج فيلم (سمارة) وكنت أعتبره والدي. فور قوله: (صورة يا حسين يا بكر).. فقمت بحمل الكاميرا وقمت بالتصوير فانزعج جداً واعتبر الأمر غير مهني، وقال: (طيب أجيب ابني يخرج). كان عمري وقتها 17 عاماً. فنهرته مدام تحية كاريوكا وقالت: (سيبه يصور.. تعالى يا محمد صور). ومن هنا أعطتني القوة لبدء حياتي المهنية في عالم التصوير والتقطت صورتين لهما في الفيلم وبعدها أعجبه التصوير وانبهر بالحركية في الصورة، وطلب أن أستمر معهم كمصور الفيلم.
لكن لماذا كان هذا الاهتمام بتصوير الأفلام فوتوغرافياً؟
- (الصورة تبيع الفيلم).. كان التصوير الفوتوغرافي من أهم ما يمكن كدعاية أولاً للفيلم وللترويج له في الصحف وبين شركات التوزيع في جميع أنحاء العالم. كنا نصور جميع لقطات الفيلم عقب كل مشهد. يقوم الممثلون بإعادة تمثيل المشهد بتعبيراتهم وانفعالاتهم لتصويره فوتوغرافياً من نفس زاوية كاميرا التصوير السينمائي، بحيث يعيدوا تمثيل المشهد، وحينما أقول الكل جاهز ألتقط الصورة وهم في وضع الثبات على تعبير معين أو انفعال معين.. كانت الصورة مهمة ليراها المخرج في اليوم التالي، ليطمئن على الفيلم و(كادراته) وأنه سيخرج للجمهور كما يريد، وأن كل ممثل أدى المشهد كما يريد قبل دخول الفيلم للمونتاج. كذلك مدير التصوير يرى الإضاءة ويطمئن لجودتها، وهكذا كل مراحل صناعة الفيلم كانت تعتمد على التصوير الفوتوغرافي.
الفنون جنون كما يقال.. إلى أي مدى اندفعت وراء جنونك بالتصوير؟ وما العقبات التي واجهتها؟
- كان هدفي تغيير الصورة الثابتة أن تتضمن الحركة التمثيلية كأنها كادر سينمائي في فيلم. كنت دائماً أبحث عن كيفية تحقيق حلمي هذا. كنت أذهب لمشاهدة الأفلام الأجنبية في سينما مترو وريفولي وغيرها، أتأمل الأفيشات والبرس بوك ألبوم صور الفيلم وكيفية التقاط الكادرات وزوايا التصوير للبروفايل والمشاهد بالبانورامية والصور الجماعية حتى قررت أن أغير نمط وتكنيك التصوير المعتاد، وقمت بشراء كاميرا صغيرة بدلاً من الكاميرا الضخمة (ذات الستارة السوداء) وكان ذلك في فيلم ( بائعة الجرائد) مع الأستاذ حسن الإمام في أغنية (أهرام.. أخبار.. جمهورية)، ولما شاهدني بها ثار معترضاً على حجم الكاميرا مشككاً في جودة صورها، ولما شاهد الصور وحركيتها وحيويتها كان في غاية السعادة وأصر أن أستمر بهذه الكاميرا الجديدة. فقد أعجب حسن الإمام بإمكانية مشاهدة الصور في ألبوم في اليوم التالي لالتقطاها بحيث يتمكن المخرج والمصور من تحديد جودة زوايا التصوير والديكور والإضاءة.
كانت لك تجارب في أفلام عالمية صورت على أرض مصر، حدثنا عن ذكرياتك معها؟
- شاركت في عدة أفلام أجنبية في الستينات حيث كان هناك انتعاش في السينما وكانت هوليوود تصور كثيراً من الأفلام في مصر، منها (ابن سبارتكاوس) مع الممثل الأمريكي ستيف ريفز والفنان أحمد رمزي والفيلم الأمريكي (الخرطوم) بطولة لورنس أوليفييه عن المعركة بين البريطانيين وجيش المهدي في السودان، وقمت بتصوير الفنانة الأمريكية جيرالدين شابلن صورت معها فيلماً وثائقياً (نفرتيتي وإخناتون) شاركها فيه صلاح ذو الفقار، كانت فترة ثرية جداً وطلبوا مني الانتقال لإيطاليا والعمل بها لكن رفضت لرغبتي في رعاية والدي.
خلال رحلتك مع الكاميرا لنصف قرن.. الوجه الذي لا يمكن أن يتكرر أمام عدستك؟
- جميع فنانات السينما المصرية كن (فوتوجينيك) تحبهم الكاميرا. السندريلا سعاد حسني كانت ملامحها طفولية وبريئة لكنها تشع أنوثة وحيوية وبهجة وكانت بارعة في استحضار انفعالات وتعبيرات بشكل سريع جداً لم ولن أشاهده! كنت ألتقط لها أكثر من 20 لقطة في كل جلسة تصوير وأجد كل لقطة تجسد فيها انفعالاً مختلفاً. ربطني العمل معها بعلاقة إنسانية حيث صورت 80 % من أعمالها السينمائية، وكانت تطلبني بالاسم رغم اعتراض المنتج على راتبي، وكانت تدفع من مالها الخاص فرق أجري دون أن أعلم حتى ذات يوم عرفت من أحد المنتجين. الفنانة شادية كان لها حضور قوي وجمال طبيعي وكل فنان أو فنانة كان له حضوره الخاص، فمثلاً رشدي أباظة غير الملك فريد شوقي غير أحمد مظهر وعمر الشريف كل منهم كان له سحره الخاص.
وما هي الأفلام التي تعتز بها؟
- فيلم سمارة أول أفلامي له مكانه خاصة عندي، وفيلم (الأيدي الناعمة)، و(قصر الشوق)، و(الباب المفتوح) و(دعاء الكروان)، (خلي بالك من زوزو) و(الكيت كات)، و(المومياء)، آخر أفلامي مع عمر الشريف (حسن ومرقص).
أقمت معارض فوتوغرافية كثيرة سواء للفنانين أو في مهرجانات السينما من أرشيفك الخاص.. فما هو مصيره؟
- أمتلك أرشيفاً فوتوغرافياً أصلياً لأكثر من 1500 فيلم سينمائي على مدار حوالي 90 عاماً منذ بداية عمل والدي في مجال التصوير، وأسعى حالياً مع نجلي وهو مدير المركز القومي للسينما المصرية لأرشفة الصور رقمياً، لأنها ذاكرة حية للسينما المصرية منذ عصرها الذهبي. عرض علي بيع هذا الأرشيف لكن رفضت، عرض علي عام 2000 أن يتم شراء هذا الأرشيف من قبل معهد العالم العربي بباريس لكن رفضت وحتى الآن أحتفظ بكل هذه الصور في مكتبي موثقة بالتواريخ وفريق عمل الفيلم. وأتمنى أن ترعاه جهة رسمية للحفاظ عليه. أتمنى أن يكون هناك متحف لهذا الأرشيف برعاية وزارة الثقافة.

ذو صلة