هيفاء الجبري: من لم يتجاوز النسق التقليدي ليس مبدعاً
حوار: عبدالرحمن الخضيري: الرياض
يخطئ الذين يظنون أن شمس الشعر أزفت للغروب أو انكسفت، هؤلاء المتدثرون خلف القص والسرد يتجاهلون أن للشعر أوتاداً ضربت عميقاً بمرور السنين والقرون، في حديثي المتكرر مع الشاعرة هيفاء بنت عبدالرحمن الجبري عن الشعر إلا أنها دائماً ما تكرر لي سؤالها وتصر عليه: أين الشعر في كل ما يكتب؟ فالشعر لديها ليس مجرد مشاعر تكتب على ورق وكفى، إنما يمثل لها فلسفة ورؤية وجمالاً، وعلى الرغم من صغر تجربتها الزمنية إلا أن هيفاء الجبري استطاعت أن تضع اسمها في المشهد الشعري السعودي والعربي كنجمة حينما تولد في السماء، صدر لها ديوانان (تداعى له سائر القلب) عن النادي الأدبي بالرياض 2015م و(البحر حجتي الأخيرة) عن مؤسسة الانتشار العربي 2016م، إضافة إلى عدد من القصائد المنشورة في المجلات الأدبية العربية، كما شاركت في ترجمة الفصل العاشر من كتاب (الزن في فن الكتابة) لراي براد بييري.
كيف تولد القصيدة عندك؟
- كما تولد النجمة في السماء، والموجة في البحر، والرائحة في الورد.
ما الأبعاد التي تحملها قصائدك، وما الذي تريدين إيصاله؟
- الإنسان والكون، الجماد والروح، الصراع والقدر، كل ما هو متآلف ومتضاد في عالمنا، أريد أن يصل الشعر إلى الحياة وأن تصل الحياة إلى الشعر يستمد منها ويمنح لها أن يكون حركة تؤثر كما تتأثر أن يتمثل للناس بشراً سوياً يصافحهم يضحك لهم يداوي جراحهم ويمنحهم الحكمة.
أصدرت ديوانك الأول (تداعى له سائر القلب) وبعد ذلك ديوانك الثاني (البحر حجتي الأخيرة) ما الذي اختلف بين الإصدارين؟
- لكوني انطلقت من البحر بعمقه وغموضه، فقد غلبت الرمزية على القصائد في الديوان الثاني، كما أن النضج الشعري كان أكثر وضوحاً لتنوع قراءاتي أولاً ولاستفادتي مما وردني من ملاحظات في الديوان الأول رغم أن الفترة الزمنية بينهما لم تتجاوز سنة.
عنوانا ديوانيكِ كيف تم اختيارهما؟
- لم أخترهما إطلاقاً، جاءا طوعاً كما تأتي القصيدة، ما أود أن أشير إليه هنا هو أنني لا ألتزم بأن يكون العنوان مقتطفاً من إحدى القصائد ولكنه يرتبط بالمجموعة الشعرية كاملة بما تحويه من معانٍ وأبعاد.
يلحظ القارئ لديوانيكِ الاثنين تفاوتاً في قصائدك من ناحية النوعية والكم في الديوان الواحد بماذا تفسرين ذلك؟
- القصائد كنبضات القلب هبوطها وصعودها يشير إلى الحياة لكل قصيدة حالة تختلف عن حالة الأخرى وهذا ما يفسر تفاوتها سواء كان في النوع أم الكم.
أيضاً ألحظ تكرار ثيمات (البحر. الماء. السماء. الحب) في قصائدك ما الرابط بينهم؟
- الطبيعة لها بصماتها في الروح فلا تكاد تجد شاعراً لا يتواصل معها إما محاوراً أو صامتاً متأملاً، ولأن الطبيعة متنوعة كتنوع البشر فلكل منا ما يجتذبه، لوناً أو شكلاً، السماء والبحر واللون الأزرق الذي تسكن به وله الروح لتنطلق بالحب في كل الاتجاهات.
على الرغم من أن المرأة المبدعة تفوقت في الرواية على شخصنة البوح الأنثوي وفي العديد من الروايات استطاعت أن تخرج على النسق التقليدي إلا أنها في الشعر لم تستطع تجاوز لغتها الأنثوية الفائضة بالمشاعر والبحث عن الحبيب الضائع.. برأيك لماذا؟
- السؤال هنا يخص المبدعة ومن لم تتجاوز النسق التقليدي ليست مبدعة وإن كان لها تاريخ طويل في الشعر. الاعتقاد السائد أن الشعر مجرد مشاعر تكتب على ورق يعيق رسالة الشعر، الشعر فلسفة ورؤية كأن لا ترى الشجرة مثلاً على أنها مشهد جمالي إنما تتجاوز ذلك لاعتبارها كيان مرّ عليه الكثير من الأحداث واختزلها في ذاكرته ومازال صامداً يقف إجلالاً للحياة.
لماذا نجد أن معظم الشاعرات يلجأن إلى قصيدة النثر وقلما نجدهن في التفعيلة؟
- الشاعرات يكتبن بغزارة نثراً وتفعيلة تماماً كما يكتب الشعراء، والسؤال الأدق هو: أين نجد الشعر في كل ما يكتب؟! في المجتمعات المحافظة الشاعر أكثر قدرة للترويج لشعره، بينما تتوارى الشاعرات خوفاً وربما خجلاً، ولهذا السبب نرى ندرة في المشهد الشعري النسائي، ثم إن الشعر الحقيقي يحدث فجأة، بمعنى أن الشعر لا يعطي الشاعر مهلة ليختار أو يلجأ إلى أحد القوالب دون الأخرى، الشعر سريع جداً في الحضور والانصراف، فإما أن تأخذه كما هو أو تخسره.
لك قصيدة مغناة ناجحة (دمشق) هل هي تجربة وحيدة لن تتكرر، أو هي الخطوة الأولى لدخول عالم القصيدة المغناة؟
- متفائلة أن تكون خطوة أولى إذا امتزجت القصيدة باللحن وتبع ذلك الأداء المتقن غناءً فلا شك أن ذلك مما يدعم الفن ويرتقي به، وما نراه من هبوط في مستوى الأغنية قد يكون أثراً من آثار الفجوة الحاصلة بين القصيدة والأغنية، فالقصائد كما هي جديرة بالقراءة جديرة أيضاً بأن تتداولها الأجيال بالغناء، والتاريخ الغنائي مليء بروائع القصائد المغناة.
شاركت أيضاً ضمن مجموعة في ترجمة كتاب (الزن في فن الكتابة) كيف تقيمين تجربتك، وهل ستتبعها ترجمات أخرى وتحديداً في ترجمة الشعر؟
- تجربة متميزة جداً عشت تفاصيلها بكل شغف كونها في المجال الذي أهواه، وكم أرجو تكرار التجربة في الظروف الملائمة، وفي وجود نصوص إبداعية تستحق الترجمة، فأنا أرحب بذلك، وأرجو أن يكون مشروعاً يحظى بدعم جيد.