مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

علي سعيد: خيبات السينما دفعتني لكتابة (كونيكا 19)

حوار: عبدالرحمن الخضيري: الرياض


علي سعيد، كاتب سعودي، عُرف من خلال كتاباته الأدبية والثقافية في صحيفة الرياض، إلى جانب نشاطه في صناعة الأفلام السعودية، مروراً بإصداره كتاب (الحقيبة الجلدية - 2016) وهو كتاب حوارات بطريقة السرد القصصي مع مفكرين وأدباء وفنانين، لقي الكتاب احتفاءً لافتاً في المشهد الثقافي السعودي والعربي. في أواخر العام 2017 توقف سعيد عن الكتابة للصحافة الثقافية وتفرغ لكتابة السيناريو، مصدراً في معرض كتاب الرياض الأخير، روايته الأولى (كونيكا 19) وهي كما يقول، ولدت من خيبات السينما والعديد من السيناريوات التي بقيت في الدرج.
- متى كانت شرارة بدء كتابة رواية (كونيكا 19) وكيف تقدمها للقراء؟
كونيكا 19، رواية تدور حول عالم شخصية عبدالكريم، وهو شاب من أسرة نهض مجدها مع انتشار استديوهات التصوير ومعامل تحميض الأفلام مطلع الثمانينات، وانكسرت هذه الأسرة مع دخول كاميرات الديجتال مطلع الألفية. يتعرض عبدالكريم لموقف غريب، يتمثل في موت والده والشرط الذي تركه داخل الوصية والذي من دون تحقيقه لن توزع التركة. أما شرارة البدء فكانت شرارة سينمائية ولكن لفرط الخيبات السينمائية قررت كتابة الرواية.
- كيف؟
منذ تسع سنوات، أكتب السيناريو، ومنخرط في حراك صناعة الأفلام السعودية، وقد كتبت العديد من النصوص السينمائية القصيرة والطويلة، ولكن القليل منها نفذ. بالمقابل لم أكن شغوفاً بكتابة الرواية رغم غزارة قراءاتي الروائية والنقدية، ولكن كانت قراءات من أجل دعم كتابتي حول الرواية في الصحافة، لم أود التورط بكتابة رواية، ذلك لأن المشهد أصلاً متشبع بالروايات، ربما هذا السبب أو لسبب آخر. ولكن بعد نشر كتاب (الحقيبة الجلدية) وهو حوارات صحافية بطريقة السرد القصصي، نبهني الأصدقاء إلى أنني أمتلك ملكة السرد، إلى جانب سؤال القراءة، إذا كنت في الأساس أكتب رواية!. ثم بدأت أتذكر قصصي (خيباتي) السينمائية المركونة في الدرج أو المحفوظة في الحاسوب، وهكذا انطلقت الشرارة بأن أخرجت واحدة من هذه القصص واشتغلت على تحويلها للرواية بهدف أن تجد جمهوراً أوسع، ربما يساهم في تحويلها لفيلم سينمائي.
- في أمسية تدشين كتابك (الحقيبة الجلدية) قلت، إنه لا يوجد قرار مسبق لكتابة نص إبداعي ما لم يستوف شروط إنتاجه من الداخل، هل من توضيح أكثر؟
كان رداً على سؤال: لماذا لا تكتب رواية؟ وقد تلقيت السؤال من شخص حضر وقرأ الكتاب وربما استشف منه، أن مؤلف (الحقيبة)، يمتلك القدرة على كتابة النص الروائي، غير أن التفكير بكتابة الرواية كان خارج حساباتي، وحينما سأفكر بالمسألة وأقرر كتابة رواية -وهنا أجيب على سؤالك- لابد أن يكون القرار مستوفياً لشروط كتابة الرواية، أي أن تكون لديك فكرة جديدة تصل لتكون بذرة بناء رواية، وأن تملك أدوات بناء وتشييد عالم الرواية، أي لا تكتفي بامتلاك مستوى واحد وهو القدرة على السرد، (مع ما لهذه العبارة من تعقيدات) لهذا يجب أن يكون قرار كتابة الرواية أو المسرحية أو القصة..إلخ، بشكل عام مستوفياً لأدوات إنتاج النص نفسه. ومع حمّى كتابة الرواية والشهرة الأدبية، لابد وسمعنا قراء أو حتى غير قراء، يرددون عبارة من نوع: أنا سوف أكتب رواية وستفوز بجوائز!. أي أن قرار الكتابة هنا قرار مسبق وهو قرار من خارج النص وهو بالتأكيد قرار سطحي أي ينطلق من سطح الموضوع وغالباً يبقى فيه، بينما قرار صناعة العمل الفني (الرواية، مثلاً) ينطلق من العمق باتجاه السطح وليس العكس.
- هنالك فقرات في الرواية مضحكة، هل تعمدت السخرية في الرواية؟
بالتأكيد، ومن القرّاء من أخبرني بأنه ضحك وهو يقرأ، وهذا كان هدفي. أنا ضد قراءة رواية تخلو من المتعة. لا يكفي الشق العميق والإنساني واللغوي لبناء الرواية، المتعة ضرورية، إن كانت في شكل سخرية أو أشكال أخرى.
- وأنا منغمس في قراءة الرواية بدا لي أنها لا تخلو من شذرات سيرة ذاتية توارت خلف بطل الرواية.
هذا النوع من الروايات يعتمد على مسألتين: خبرة الكاتب الحياتية، والبحث حول عالم الشخصية، تفاصيل المهنة ورسم الكاركتر..إلخ وذلك للوصول إلى نتيجة على قدر عال من الواقعية التي قد تبدو للقارئ أنها وقائع حقيقية، وهذا هو هدف من أهداف الرواية، الإقناع، أن تدخل المتلقي في حالة إيهام بأن هذه الوقائع حدثت في حين أنه عمل تخييلي محض، يستند لخبرة الكاتب الحياتية وبحثه الدؤوب في عالم الشخصية.
- ألحظ اعتمادك في فصول الرواية على تقنية الفلاش باك الاسترجاع/ الذاكرة، لماذا؟
هذه الرواية هي رواية زمن وحقبة جيل بأكمله. أما الانتقال فقد اقتضاه تدفق السرد القصصي لتشكيل تصور كامل عن حياة الشخصيات الرئيسة.
- برأيك إلى أي حد ينحاز الكاتب إلى الواقع، ومتى يشعر بأنه على وشك التمرد على واقعه وينتصر لخياله الروائي؟
هذه هي مغامرة الخيال. أن تذهب إلى أبعد مدى خارج الحقيقة لتبني عالماً واقعياً موازياً، هو عالم الرواية.
- هل حذفت أو أضفت شيئاً للرواية قبل أن تذهب بها للمطبعة؟
حينما رجعت لأدقق تواريخ بدء وانتهاء العمل في الرواية، انتبهت إلى أن المسودة الأولى من الرواية أنجزت في تسعة عشر يومياً، من التفرغ اليومي للكتابة. ثم طلب الناشر أن أرسلها كي يعدها للطباعة لكنني رفضت وبقيت أعمل إلى أن بلغت المسودة الثامنة/التاسعة، في خمسة أشهر وبالتأكيد خلال هذه المدة، تطور العمل كثيراً، على مستوى البناء الفني، وتعميق الشخوص إلا أن الحبكة والفكرة السينمائية العامة لم تُمس.
- (الحقيبة الجلدية) كتاب ممتع ومفيد وهنالك اتفاق على إعجاب القراء به، لماذا لا تفكر بإصدار جزء ثان؟
هذا الكتاب بمثابة عمل مواز لسيرة حياتي المهنية بين أعوام 2005 - 2015، هي مقطع من حياة، قصة لصحافي سعودي يجول المدن للقاء المفكرين والأدباء من أجل محاورتهم، ووراء هذه الأسئلة والأجوبة المنشورة في الصحف بشكل أصم، تشكلت قصص إنسانية حية، نقلتها إلى الكتاب. لو قررت كتابة كتاب آخر على غرار الحقيبة الجلدية، هل سأصل إلى مثل هذه القصص؟ لست متأكداً من ذلك. لهذا لم أتحمس لفكرة إصدار جزء آخر، ولكن لدي نية لتطوير الطبعات الجديدة من الكتاب بضم قصص لم تنشر.
- كيف تقيم الصحافة الثقافية خصوصاً وأنت أحد أميز محرريها قبل خروجك منها، كذلك كيف تفسر الخروج الكبير من الصحفيين منها أو كما يروج له أنهم أخرجوا منها قسراً؟
الصحافة الثقافية ليست في أفضل أزمنتها، لكي لا أقول إنها تحتضر. فإذا استثنينا مجموعة من المحررين الصامدين (مثلك) فإن هذا المجال فقد فعلاً الكثير من كوادره الحية، وذلك لأن الصحافة الورقية تقهقرت مع دخول السوشل ميديا، الذي خطف القراء والإعلان الممول لعمل الصحيفة. أما الخروج الكبير، فقد كان خسارة حقيقية للقارئ وللمشهد الثقافي. ودافعه الأول هي الصحف التي تعيش أزمة مالية وتحدياً وجودياً لبقائها.
- بعد مغادرة علي سعيد بلاط صاحبة الجلالة أصدرت كتابك الأول (الحقيبة الجلدية) ومن ثم رواية (كونيكا 19) فما هو عنوان كتابك القادم؟
أنجزت كتاباً هو دراسة تاريخية حول مهنة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ والمجتمع البحري في المنطقة الشرقية بين أعوام (1900 - 1960) ولدي عدد من المشروعات لكنها لم تتشكل بعد.

ذو صلة