مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

د. ظافر العمري: المتلقي صاحب سلطة توازي قوة الإبداع

د. ظافر العمري: المتلقي صاحب سلطة توازي قوة الإبداع

حوار: عبدالرحمن الخضيري


إرث ستة عشر عاماً من التحديات لم تقف حجرة عثرة أمام محاولات البناء من جديد والاستفادة من دروس الماضي، وكأني بأعضاء مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي وهم يواجهون متغيرات اليوم المتلاحقة أكثر إيماناً بالحكمة التي تقول: (أحسن وسيلة للتغلب على الصعاب اختراقها)، في هذا الحوار مع رئيس مجلس إدارة الجمعية د. ظافر بن غرمان العمري. نستقرئ واقع الجمعية وخططها المستقبلية عطفاً على الساحة الأدبية المحلية والعربية وما يدور حولها من تساؤلات وأمنيات.
بعد مرور ستة عشر عاماً على تأسيس الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي ينتظر المشهد الأدبي مشاريع وأفكاراً أشرتم لها في مناسبات مختلفة. ماهي أبرز تلك المشاريع؟
تسعى الجمعية إلى أن تكون رائدة في خدمة الأدب في المملكة العربية السعودية، وخدمة الأدباء، ونحن في مجلس الإدارة فريق عمل نمثل الجمعية العمومية، ونشعر بمسؤوليتنا تجاه الأدب في المملكة عموماً. والجمعية تسعى لأن يكون حضورها بارزاً في المناسبات الأدبية في المملكة مثل مؤتمر الأدباء، ومعارض الكتاب، وندوات الأدب والنقد في الأندية الأدبية، والجمعيات والجامعات. وتسهيل حضور الأديب المنتمي للجمعية وتمثيله لها في كل المحافل الأدبية. فالجمعية ليست مقتصرة على حدود جغرافية الموقع فهي لجميع أدباء المملكة.
- المطلع على رسالة وأهداف الجمعية يستبشر ويبتهج. فهل تحقق شيء منها على أرض الواقع؟
نعم حققت الجمعية عدداً من أهدافها المرحلية، ومن أبرزها إصدار عدد من الكتب الأدبية والنقدية، حيث تبنت الجمعية ضمن أهدافها النشر المعرفي الذي يخدم الأدب، وقد بلغت إصداراتها حتى الآن خمسة من الكتب خلال ثلاثة أعوام، وقد حرصت الجمعية على النوع لا على الكم، فلدينا ضوابط لاختيار الكتب والمطبوعات التي تنشرها الجمعية، وهي تخضع للتحكيم العلمي. كذلك تسعى الجمعية لتكريم رواد الأدب في المملكة، وقد كرمت العام الماضي الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع، وفي هذا العام سيكرم رائدان من رواد الأدب هما الدكتور عبدالمحسن القحطاني، والدكتور محمد العبودي. وتتطلع الجمعية لتوسيع قاعدتها العضوية فقد شكلت لجنة نسائية وتتولى اللجنة التنسيق لدعم أدب المرأة، ونشاطها الإبداعي والعلمي في مجال الأدب، ولدينا عضوات فاعلات أقمن كثيراً من الندوات والأعمال الإبداعية، والدراسات العلمية المتصلة برسالة الجمعية.
- على أثر اتفاقيات الشراكة التي قمتم بها مع عدد من الأندية الأدبية والكيانات ذات العلاقة ما الثمار المتوقعة من هذه الشراكات؟
عقدت الجمعية عدداً من الشراكات الأدبية والعلمية مع الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية، ومن ذلك مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، وأندية الرياض، والشرقية، والقصيم، والباحة، ومنتدى محمد صالح باشراحيل الثقافي، وأسبوعية د. عبدالمحسن القحطاني، واثنينية الذييب، واثنينية النعيم. كما نفذت الجمعية فعاليات أدبية متعددة مع تلك الجهات، وتعاونت الجمعية مع إذاعة الرياض، ومع القناة الثقافية السعودية.
-هل سعت الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي لمواكبة المنهاج الأدبي المعاصر في إصداراتها وبحوثها وندواتها؟
الجمعية تراعي جميع المناهج الأدبية، والنقدية، قديمها، وحديثها، تراثيها، ومعاصرها، وتحرص على تحقيق التوازن في ذلك، فالأدب العربي في مساره التراثي يعد هوية للأدب في بلادنا، وفيه مصادرنا الأصيلة، ومنه منبع أدب اللغة العربية الذي ينحدر بعراقته من عمق التاريخ. كذلك فإن الجمعية لم تهمل الآداب المعاصرة، ومن شواهد ذلك أصدرت الجمعية كتاباً في المتن النظري للنص الشعري، وهو كتاب الترابط النصي، وأصله رسالة علمية في النقد الحديث. كما أصدرت كتاب المطالع والمقاصد في الشعر الجاهلي، وهو كذلك رسالة دكتوراه في النقد البلاغيّ. وأقامت ندوات تعنى بالاتجاهات المختلفة في الأدب المعاصر ونقده، ومنها ندوة في نادي القصيم الأدبي، ومحاضرات عدة في ذلك منها قراءة معاصرة للشعر الجاهلي للدكتور سعيد غزاوي.
-بعد إنشاء وزارة مستقلة تعنى بالثقافة (وزارة الثقافة) والأدب والإبداع، ماهي تطلعاتكم للمشهدين الأدبي والثقافي. وهل هناك تواصل بينكم كجمعية والوزارة؟
لا شك أن الجمعية تتطلع لشراكة أوسع، وأقوى مع وزارة الثقافة، وقد عقد مجلس الإدارة اجتماعاً مع سعادة المشرف العام على وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور عبدالرحمن بن ناصر العاصم بمقر معرض الرياض الدولي للكتاب العام الماضي لتدارس أوجه التعاون الممكنة بين الوزارة والجمعية، وقد وعد سعادته بأن تكون الجمعية طرفاً فاعلاً في محافل الوزارة الثقافية. ونحن في الجمعية مستعدون لذلك التعاون البناء.
-هل ساهم وصف الجمعية بـ(العلمية) في ابتعاد الكثيرين من المبدعين والموهوبين عن الجمعية وأنشطتها؟
الوصف العلمي للجمعية لازم لها لأنه من شروط تأسيسها باعتبارها مؤسسة علمية أدبية تعمل تحت مظلة جامعة أم القرى، وهي بذلك تنتمي لوزارة التعليم وهو قطاع علمي في الأصل، ولكن كونها علمية لا يعني أنها لا تقبل من ليس له صفة أكاديمية، فعدد من أعضاء الجمعية العمومية لا ينتمون للجامعات إنما هم مبدعون فقط. ثم إن شروط الانتساب للجمعية ليس فيها ما يحصر العضوية في المنتمين للجامعات، بل كل مبدع له إنتاج أدبي فهو حقيق بالعضوية. وأما الصفة العلمية فهي تمنح الجمعية قدراً من الالتزام العلمي في مناشطها، بل في أهدافها أيضاً، ولكن هذا الالتزام العلميّ لا يحد من الإبداع، ولا يكيفه بمعاييره الصارمة، إنما هو إطار عام يسع الإبداع العلمي، والإبداع الأدبي.
-هل توافق الرأي القائل بأن نفساً أيديولوجياً مازال قابعاً في مفاصل الجمعيات والكيانات الأدبية الرسمية ويديرها من الخلف. وهل تتصالح الأيديولوجيا مع الإبداع؟
الأيديولوجيا إذا كانت تعني الأفكار الموجهة، فليس بينها وبين الإبداع خصام ولا تآزر، إذ يمكن أن نطبقها على كثير من منجزات الإبداع المعاصر، في الثقافات العالمية، وفي عالمنا العربي، ويمكن أن نحكم على ذات الإبداع بأنه ليس وراءه بواعث أيديولوجية، ولو تأملنا سيرة كثير من أساطين الفلسفة المعاصرين الذين أثّروا في المدارس النقدية المعاصرة، وفي المذاهب الأدبية لوجدناهم مغرقين في البواعث الدينية التي تتولد عنها الأيديولوجيات أمثال نيتشه، وجاك دريدا، وميشال فوكو، وورث، ورولان بارت وغيرهم كثيرون، وكذلك الأدب الإغريقي، ومأثورات الفلسفات الإغريقية، ومناهجها النقدية ترجع في كثير من طروحاتها إلى مجموعة من الأفكار المقدسة المرتبطة بآلهة الحب، والجمال، واللذة، والثأر، والانتقام، والحرب. فهل نحكم بأن كل مبدع تأثر بهذه المناهج وأعجب بها أنه ينطلق من الأيديولوجيا التي تنتمي إليها، حتى لو كان من ملة غير تلك الملل التي تنتمي إليها المناهج، وجذورها الفلسفية، والحق أن هذا شيء وارد، كما أنه أمر يمكن نفيه في الوقت نفسه. كما أننا نقرأ في تراثنا العربي للشاعر العلوي المبدع أبي فراس الحمداني، وهو ينتمي للمذهب الشيعي، وللشريف الرضي، وهو متشيع كذلك، ونقرأ مقامات الزمخشري وهو معتزلي، ونعجب بإرث بشار وقد نسب إليه شيء من الزندقة، فهل نسقط تلك الانتماءات الفكرية على نتاجهم الإبداعي، أم هل نجزم بأنهم ليسوا ذوي انتماء فكري. وأما إن قصد بالأيديولوجيا ما يسري في أنظمة الجمعيات ولوائحها من انتمائها الرسمي لجهة من الجهات الرسمية كالأندية الأدبية، والجمعيات، فهي مؤسسات ثقافية أدبية تدعمها الدولة ولكنها لم تحجر عليها لتكون آلة خالية من روح الإبداع والمبادرة، وفي هذه المؤسسات مساحات كبيرة لإنجاز المبدعين ما دام ذلك الإنجاز داخل إطار ثقافي وطني، ورؤية تنتمي للوطن.
فالأيديولوجية يمكن أن نلبسها أي عمل إبداعي، فالإبداع نتاج عاطفي بالدرجة الأولى والعاطفة مسرح خصب للأفكار المسبقة، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن نقرأ النص الإبداعي بتجرد بعيداً عن التأثر المسبق، ونحكم بأنه خال من الأفكار الموجهة.
-كيف تقيم مشهد النقد الأدبي محلياً/ عربياً؟
أحسب أن المشهد النقدي في المملكة يضاهي نظيره في البلدان العربية، ويتفوق، وفي العقدين الأخيرين تجاوزت الحركة النقدية في بلادنا مرحلة المحلية واتجهت ليكون حضورها خليجياً وعربياً واقعاً لا ينكر. وفي مقابل ذلك فإن المشهد النقدي العربي تأثر كثيراً بالواقع السياسي العربي في العراق، وسوريا، وبعض الأحداث التي جعلت الحراك الثقافي العربي يتراجع أمام هذا الواقع الذي نأمل أن تزول ضبابيته، وتصلح معه أحوال الثقافة العربية، وأبعادها الأدبية والنقدية. وإن كان المنجز النقدي في المغرب العربي لم يتأثر كثيراً بهذه الأحداث.
-ما تفسيرك للمصطلحات التالية (كتابة رقمية- أدب تفاعلي- أدب إلكتروني- سرديات رقمية- تكنولوجيا الأدب- الأدب الوسائطي-... وإلخ) وبناء على ما سبق كيف ترى واقع ومستقبل الأدب العربي مع معطيات ومتغيرات العصر الحديث؟
الكتابة الرقمية تقنية سرقت القلم من أيدينا، وأخذت الكتاب من أحضاننا. فالأدب التفاعلي، والأدب الرقمي، والأدب الوسائطي مصطلحات متقاربة، يصلح أن يندرج تحتها كل ما أنتجه المبدع وتلقاه المتلقي، فالمبدع يكتب، وهو يراعي ذوق المتلقي، والمتلقي صاحب سلطة توازي قوة الإبداع نفسه. وكذلك يمكن أن يوصف بها كل أدب تناولته وسائل التقنية الحديثة بوسائطها التي ربطت بين المبدع والمبدع، والمبدع والمتلقي، فأسهمت في تقارب أطراف العملية الإبداعية، وهي وفق شروط التقنية المعاصرة يمكن أن تصبح فيما بعد جنساً أدبياً جديداً، أو عدة أجناس مختلفة، ومع دخول الأدب عالم الرقميات، والوسائط، فستفقد بعض الأجناس الأدبية مكانتها. وكذلك الأدب الإلكتروني، والأدب الوسائطي مصطلحات متقاربة أحسبها تتشكل وتأخذ مكانتها في عالمنا المعاصر، وفي مستقبل الثقافة وفق ما تقدمه من تسهيل للإبداع، وتواصل بين أطراف العملية الإبداعية، مبدع ومتلق (قارئاً كان أو ناقداً)، وما زالت هذه المصطلحات تتداخل وتتفاوت. والذي يمكن أن يحقق لها عناصر تصبح معها أجناساً أدبية مختلفة هو كونها تعتمد على أساليب فنية إبداعية تعتمد على اختلاف إمكانات التقنية الرقمية كالاختلاف بين الصوت، والصورة، والكتابة.

ذو صلة