مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

أحمد سويلم: لكل عصر حداثته الإبداعية

الأمير كمال فرج: الإمارات


الشاعر المصري أحمد سويلم، هو أحد أضلاع التجربة الشعرية الحديثة، أخلص للشعر فلم يحد عنه، فكتب القصيدة، والمسرح الشعري، والدراسات حول القصيدة والتراث، إضافة إلى شعر الأطفال.
بلغت أعماله المنشورة نحو 120 إصداراً، جمع فيها بين القديم والجديد، فأدخل معطيات التراث الثرية في أشعاره الحديثة، فقدم قصائد أصيلة ذات رؤى عصرية.
يرى أحمد سويلم في حوار مع (المجلة العربية) أن الحداثة ليست مفهوماً جديداً، وأن لكل عصر حداثته، حتى العصر الجاهلي، وأن تعايش ألوان الإبداع يضيف الكثير، مؤكداً أن الشعر يحمي الإنسان من الجمود والكآبة والإحباط.
وأوضح سويلم أنه مع التجريب بشرط أن يكون في إطار الفن وليس مجرد رفض السائد، مشيراً إلى أن لكل فن شروطه وقيمه الخاصة، وأي تجريب لا بد أن يكون تحت مظلة هذه الشروط حتى نضمن إقناع القارئ.

مهمة الشعر
بعد ظهور أنماط عدة من الثقافة في عصر الإنترنت.. هل تغيرت مهمة الشعر؟
- الحياة تتطور يوماً عن آخر، وينعكس ذلك على الفن والإبداع، وقديماً انتقل الشعر من مرحلة البداوة إلى مرحلة الحضارة، واستطاع أن يستوعب هذه النقلة.. لماذا؟ لأنه فن ينبع من الشعور الإنساني ويخاطب الوجدان.
ولا أظن أن الإنسان في أي مرحلة زمنية أو أي بيئة جغرافية يمكنه أن يفقد شعوره أو يحجر على وجدانه، لأنه كائن لا يمكنه أن يحلق بجناح واحد من الجناحين (العقل والوجدان).
ويمكننا أن نقول إن الشعر باعتباره فناً إنسانياً يواكب مسيرة الإنسان حتى لو كانت هذه المسيرة رفضاً للأرض، وتطلعاً إلى النجوم والكواكب، فالشعر يحلق ويقدم الرؤية ويشبع الوجدان، لأنه يملك من الإيقاع والرمز والمجاز والصورة ما يجذب الوجدان الإنساني من جفاف الواقع إلى تدفق الشعور بكل جديد.
الشعر إذن يمثل المظلة التي تحمي الإنسان من الانزلاق إلى الجمود والكآبة والإحباط وغيرها من السلبيات التي تسببها أنماط الثقافة الإلكترونية.
التراث الديني
استفدت من مرجعيتك الدينية وقراءاتك للتراث الديني، كيف وظفت هذا التراث في أعمالك الشعرية؟
- التراث الديني يمثل رافداً أساسياً من التراث الإنساني بعامة، فهو غير معزول عنه، يتفاعل معه، ويشاكسه ويحاوره طوال الوقت.
والتراث الديني يتضمن جوانب إيجابية، وكان تعاملي مع تلك الجوانب المضيئة مثل رؤى فلاسفة التصوف، والقصص الديني المتواتر، وأشعار ابن الفارض وابن عربي وجلال الدين الرومي ومحمد إقبال وغيرهم، ومفاهيم الأحوال والمقامات، وتلك الرؤى الباطنية التي تنتهي إلى التجلي والوصول.
كانت بين يدي تلك المعطيات الثرية التي ضمنتها أشعاري، وكانت مادة طيعة استطعت من خلالها أن أضفي عليها رؤى عصرية، وأستوعب أسرارها، وأعبر عنها بما أملك من حس وفكر خاص، مؤكداً قدرة هذا التراث على اختراق الزمن والتأثير في كل العصور.
المسرح الشعري
كتبت المسرح الشعري، فما سبب اختفاء هذا الفن الآن؟
- بدأت قصتي مع المسرح الشعري في السبعينات بمسرحية (أخناتون)، ثم كتبت (شهريار)، ثم (الفارس) ثم (المجهول المعلوم)، كما كتبت عدداً من المسرحيات الشعرية للأطفال.
والمسرح الشعري من أصعب أنواع الكتابة، ولا يقدر عليه الكثيرون.. لماذا؟ لأن الدراما فيه تختلف كثيراً عن دراما القصيدة، لأن فيها أبعاداً كثيرة لا تستوعبها القصيدة.
ثم إن هذا الفن تكمن صعوبته في أن الشاعر هنا مطالب أن يحدث توازناً معقولاً بين لغة الدراما ولغة الشعر، فلا تطغى إحداهما على الأخرى، فإذا انحازت المسرحية إلى الدراما على حساب الشعر فقد الشعر دوره، وإذا انحازت إلى الشعر صارت المسرحية غنائية فاقدة العنصر الدرامي.
وهذا التوفيق بين اللغتين يحاول الشاعر أن يحققه بأي أسلوب، والإخفاق في ذلك كثير، ومن ثم رأى كثير من الشعراء أن الابتعاد عن هذا اللون أفضل.
وهناك نصوص كثيرة للمسرح الشعري، ابتداء من باكثير، وشوقي، وعزيز أباظة، ثم الموجة الجديدة مثل الشرقاوي، وصلاح عبدالصبور، وفتحي سعيد، ومحمد أبو سنة، ومهران السيد، ووفاء وجدي، وربما نجد بعضاً من الأجيال التالية يحاول هذا الفن.
وهكذا نعزو انحسار هذا الفن أولاً لصعوبة كتابته، وثانياً لصعوبة عرضه على خشبة المسرح، لأنه يتطلب كوادر فنية يمكنها أن تقوم بهذا العمل وتتذوق الشعر واللغة، ونحن نفتقد هذه الكوادر للأسف في ظل انحسار فن المسرح بشكل عام.
أدب الطفل
عملت أستاذاً غير متفرغ لمادة أدب الأطفال، فكيف ترى هذا الأدب في عصر الإنترنت؟
- أدب الطفل هو هذا الأدب الذي يضم كل ألوان الكتابة الموجهة للطفل، لأن الطفل باعتباره كياناً يحتاج إلى المعرفة يجب أن تشمل هذه المعرفة كل ما يفيد عقله ووجدانه معاً.
وسواء أكان العصر الذي يعيشه الطفل عصر بداوة أم تحضراً أم تكنولوجيا، فالطفل في حاجة إلى هذا التنوع في وسائل المعرفة.
وإذا كان عصرنا هو عصر الإنترنت كما يقولون، فهذه الصفة تجعل من هذا العصر دائرة متسعة من المعرفة تشمل العلم والأدب والخيال والمعرفة العامة وغيرها، أي أن هذه الصفة لا تسلب أدب الطفل هذه الألوان التي تخاطب الوجدان وتنمي الخيال، والدليل على ذلك ما حدث من ترحيب الأطفال برواية (هاري بوتر) التي لم يقتصر صدورها على الكتاب، ولكن صارت أفلاماً يلعب الخيال فيها دوراً رئيساً.
الطفل إذن في عصر الإنترنت بحاجة إلى هذا التكامل المعرفي دون إهمال لأي لون من ألوان الإبداع، لكي تكتمل شخصيته، ويحدث فيها النضج والوعي وكل ما يساعده على الحياة.
ومن ثم فإن أدب الأطفال في عصر الإنترنت لا يفقد شيئاً من معطياته أو عناصره، بل على العكس تماماً يعمق دائرة الإبداع، ويشحذ الوعي، ويغذي العقل والوجدان معاً، ولا يستطيع أن يستغني عن تنوع المعرفة التي تحدث التكامل في ثقافة الطفل.
تجربة الحداثة
بعد سنوات طويلة من ظهور الحداثة وأنت أحد شعرائها، ما تقييمك لهذه التجربة؟
- لكل عصر حداثته، وهي إضافة غير مألوفة مبنية على الإبداع، حدث ذلك مثلاً في العصر الجاهلي على يد الشعراء الصعاليك حينما عبروا في قصائد قصيرة عن غزواتهم دون أن يلجأوا إلى القصيدة متعددة الأغراض.
وحدث ذلك في العصر الإسلامي خصوصاً في عصر الفتوحات، حينما كان الفارس ينشد بيتاً أو أكثر قليلاً ليسجل فرحة بالنصر، وحدث ذلك في العصر العباسي على يد المجددين مثل أبي نواس وبشار، وحدث مع المتنبي وأبي العلاء، وهكذا، ودائماً ما تقابل الحداثة بالرفض من المحافظين على التقاليد الإبداعية.
ولأن إيقاع عصرنا ينظر إليه على أنه أسرع إيقاع على مدى الزمن، كانت الحداثة في الشعر ذات إيقاع سريع، بدأت بالتفعيلة على يد رواد الستينات وما بعدها، وظلت هذه الحركة تبتكر أساليب إبداعية متنوعة، حتى تمرد جيل عليها وكتب ما يسمى بقصيدة النثر.
والخطأ الذي حدث في هذه المسيرة أن أصحاب قصيدة النثر ظنوا أنفسهم بديلاً عن كل أشكال القصيدة العربية فلم يصدقهم أحد، وظلت القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة على الساحة بقوة.
وللأسف فإن قصيدة النثر وقد بدأت في الستينات في القرن الماضي لم يستطع أصحابها ولا نقادها وضع ملامح خاصة لها كما وضع نقاد التفعيلة ملامحها الواضحة، فارتبك المشهد، وحدثت تصفية لهذا اللون، فبقي منه القليل الجيد الذي نعده إضافة لساحة الإبداع، لأن صاحبه كان واعياً أن يكتب إبداعاً وفناً وليس مجرد سطور لا معنى لها.
وأعتقد أن تعايش ألوان الإبداع يضيف الكثير إلى ساحته، ويحدث هذا التنوع الذي يرضي ذائقة القراء ويشبع نهمهم.
منهج التجريب
مع تعدد الأشكال الشعرية، هل تؤيد التجريب في القصيدة؟
- مارست طوال أكثر من عشرين ديواناً التجريب في الشعر، وبدأت كما يبدأ أي شاعر بالقصيدة العمودية، ثم انتقلت إلى التفعيلة دون أن أهجر العمودية هجراً تاماً، فوجدت في الجمع بين اللونين في بعض قصائدي تحدياً ملحوظاً يرد على أي ظن بأنني هجرت القديم لأنني أعجز عن الإبداع فيه، وربما تجد هذه التجربة واضحة جداً في ديواني (لزوميات).
أنا مع التجريب بشرط أن يكون في إطار الفن وليس لمجرد رفض السائد، وهنا لابد من التأكيد على أن الشاعر الذي لا يبحث دائماً عن الجديد لا يضيف إلى إبداعه شيئاً، فالشاعر له جناحان: الاستمرار والإضافة، فإذا استمر دون أن يضيف صار مسطحاً، وإذا أضاف دون أن يستمر كان تراثاً، هو إذن مطالب بالتعامل والطيران بالجناحين، حتى لا يسقط في البحار العكرة.
ولأن لكل فن شروطه وقيمه الخاصة، فإن أي تجريب لابد أن يكون تحت مظلة هذه الشروط حتى نضمن إقناع ذائقة القارئ.
ديوان العرب
هل الشعر مازال ديوان العرب، وما رأيك فيمن يرى أن الرواية انتزعت اللقب؟
- (الرواية ديوان العرب) مقولة مفتعلة، فالرواية جنس أدبي والشعر أيضاً، وهما مختلفان في كل شيء ولا يمكن لأي جنس أن يمحوا غيره، لمجرد أن الناشرين يرحبون به ويحصدون الجوائز من ورائه.
ربما لم يعد الشعر كما كان منذ بدأ، حيث كان وسيلة الإعلام الوحيدة في المجتمع العربي في العصر العباسي، لكن مع تطور وسائل الاتصال والمعرفة صارت دوائر كثيرة تجاوره لاتساع الساحة.
وتعال نطرح بعض الأسئلة أهمها: بماذا نفسر هذا الكم الهائل من دواوين الشعر في كل البلاد العربية، وهذه المهرجانات الدائمة الانعقاد؟ بل بماذا نفسر إقبال عشرات الشعراء من المحيط إلى الخليج على مبادرة (كل يوم شاعر) التي أطلقتها لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ومازالت مستمرة إلى شهور مقبلة.
وبالإجمال لكل جنس أدبي قراؤه ومريدوه، والشعر لن ينضب معينه مادام هناك حس داخل الإنسان يستطيع به أن يرى ويلمس ويسمع ويشم العالم من حوله.
مذكرات الفتى الشاعر
في كتابك (مذكرات الفتى الشاعر) باب يسمى شخصيات المقامات العالية، ذكرت فيه مواقفك مع عدد من رواد الفكر والأدب، حدثنا عن ذلك قليلاً؟
- هذه المذكرات تشمل عدداً من الأبواب، وتتضمن لقطات من حياتي منذ الطفولة عبوراً إلى الحياة الثقافية مروراً بالقوات المسلحة التي مكثت فيها ست سنوات (1968 - 1974) وكنت واحداً من العابرين إلى سيناء، ثم تناولت عدداً من الشخصيات الفكرية والأدبية الذين تعاملت معهم في مواقف محددة مثل: نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، والدكتور عبدالقادر القط، وصلاح عبدالصبور، وعبدالرحمن الشرقاوي، والعقاد، وأنيس منصور، وسعد الدين وهبة، وطاهر أبو فاشا، والدكتور أحمد مستجير، ومحمد المعلم وغيرهم.
ودعني أذكر لك هذا الموقف الطريف مع الأديب الكبير توفيق الحكيم: كان ذلك في عام 1986 حيث فتح توفيق الحكيم النار على الذين يكتبون شعر التفعيلة، واتهمهم بالبعد عن التراث الديني والشعبي، وحينما قرأت ذلك أدركت أنه كون رأيه هذا دون أن يقرأ أشعارنا.
وذهبت إليه في مكتبه بالأهرام ومعي ثلاثة دواوين: ديوان لي، وثان لفاروق شوشة، وثالث لمحمد أبو سنة، ودعوته لأن يقرأ ثم يدلي برأيه، وبالفعل كتب مقالاً طويلاً في مجلة الإذاعة في يوليو 1986 يتراجع عن رأيه ويقول: جاءني ثلاثة شواهد إثبات في قضية واحدة، ووجدت في أشعارهم عرق الذهب، وهكذا تراجع الحكيم عن موقفه وكسبنا إلى جانبنا مفكراً وكاتباً ومبدعاً كبيراً.

ذو صلة