طلال الطخيس: الحجر حساس كالبشر
حاوره: عبدالرحمن الخضيري: الرياض
تفصلني عن جبل طويق بعض خطوات، ولا أخفيكم حينما أقول إنني ومع إشراقة شمس كل يوم أنظر إليه بشيء من التأمل والزهو، رغم ألمي لما تقوم به بعض القطاعات الحكومية من تمزيقه وشق صخوره بدواعي التنمية والتوسع البشري؛ وذلك إيماناً بأهمية المحافظة على معالمنا الطبيعية مهما كانت مبرراتنا البشرية. ما عرفته من ضيفنا هذا العدد الفنان والنحات السعودي طلال الطخيس أثّر بي وجعلني أعيد علاقتي بالجبل وصخوره والطبيعة من حولي، فهو يشبّه تعامله مع الحجر بتعامله مع البشر، قائلاً: الكتلة هي كيان محسوس يجب علينا فهمها والإحساس بها. موضحاً أن طبيعة أي فنان هي التفكير اللامحدود، وكأنه رفض مبطن لكل تلك المفاهيم التي تؤطر الفن والإبداع في حيز فكري وأيديولوجي ضيق.
النحات طلال عثمان الطخيس ارتبط في مجال الفنون والمعارض منذ الطفولة، عرف بفن النحت على الأحجار والرخام، شارك في أكثر من 180 حدثاً فنياً محلياً ودولياً، في: إيطاليا وبريطانيا والإمارات ومصر والمغرب وعمان والكويت وفرنسا وجنوب أفريقيا، وحصل على عدة جوائز، أهمها جائزة المجلس الثقافي البريطاني، وأقام مجموعة معارض وملتقيات نحت، كما حكّم مسابقات فنية، وعمل مستشاراً فنياً في عدة جهات حكومية وصالات عرض، وله مجسمات ميدانية في: الدوادمي، جدة، الخبر، المدينة المنورة، عكاظ، الرياض، بالإضافة إلى سلطنة عمان ودولة الكويت. في حواره للمجلة العربية شدد الطخيس على أهمية دعم الحركة الفنية النحتية السعودية من كل القطاعات ومن مختلف المستويات، وإبراز جيل سعودي جديد متسلح بالعلم والمعرفة. فإلى الحوار:
النحات طلال الطخيس، جمعت بين الرسم والنحت الإبداعي، فأين تجد نفسك أكثر: في الرسم أم النحت؟
- بالتأكيد في النحت، فمحاولاتي في الرسم لم تستمر طويلاً، ولم تتجاوز مشاركاتي في الرسم تقريباً مشاركتين فقط، وعلى هذا فأنا لا أعتبر نفسي رساماً، بالإضافة لاهتمامي بالخط العربي الذي سبق بداياتي في النحت بنحو 12 عاماً تقريباً
كيف يتعامل النحات مع الحجر؟
- أراه يشابه التعامل مع البشر، فالكتلة كيان محسوس يجب النظر لها من جميع الجهات وفهمها والإحساس بها، فالبحث في الجبال ثم التعارف مع الكتلة والذهاب إلى الورشة لتبدأ بعدها حوارات صامتة مع الكتلة ورسم قوانين العلاقة وصولاً للتلميع وفي الأخير الاحتفاء بالاكتمال؛ وكأنها علاقة مع شخص ما.
يوصف الفن بأنه (ممارسة أقصى مدايات الحرية والتحرر من القيود)؛ هنا ما مدى حرية النحات في اختياراته وأسلوب تنفيذه لأفكاره الفنية النحتية؟
- لا شيء يقيد أفكار أي نحات أو فنان، فطبيعته في التفكير اللامحدود هي ما تجعله يبدع، لكن المعوقات أكبر بالنسبة للنحات في التنفيذ النهائي، فمن غير المعقول أن ينفذ النحات مجسمات ضخمة في حدود الأستديو الضيق والتكاليف الباهظة، وهنا يجب أن أشير إلى واجب الجهات الحكومية والخاصة في أهمية دعم الحركة الفنية في السعودية من خلال تنفيذ مجسمات ميدانية لتجميل المدن والمباني.
هل تشعر بأن هناك أعمالاً صنعت لك بصمة خاصة في مشوارك الفني؟ وما تلك الأعمال؟
- كل عمل هو مرحلة فنية وحالة مستقلة، ولكني أعتبر عمل بصمة مكة ونقطة إغراء وثورة؛ نقاط تحولات جميلة في مسيرتي الفنية.
ما رؤيتك للنحت في السعودية والعالم العربي؟
- في السعودية تغير حال النحت للأفضل مؤخراً، ولكن لا يزال يحتاج إلى مزيد من الدعم والاهتمام من قبل الأمانات والبلديات والجهات المعنية، بفرض اسم النحات السعودي في برامج ومشاريع تجميل المدن والمباني، وإبراز أهميته ودعم إنشاء جيل جديد متسلح بالعلم والمعرفة. أما في العالم العربي فهناك حراك مميز سبقنا بزمن. واستطاع النحات السعودي فرض اسمه في الساحة العربية مؤخراً.
ما التحديات التي تواجه النحات السعودي؟
- عدم الاهتمام بشكل كافٍ من قبل الجهات الحكومية والخاصة، وصعوبة توافر المصانع المنفذة للمجسمات الكبيرة بشكل احترافي داخل السعودية.
بصفتك فناناً ونحاتاً، هل ترى بأنه قد آن أوان لابتكار قيم فنية سعودية خالصة؟
- هي موجودة بالفعل، ولكل فنان مفرداته الخاصة المنطلقة من هويته وبيئته وثقافته.
محافظة الدوادمي أظهرت مجموعة من النحاتين المبدعين والمعروفين على مستوى المملكة، ما حكاية هذه المحافظة مع النحت؟
- كانت البدايات مع النحات عبدالله العبداللطيف رحمه الله الذي مهد الطريق لعدد من معلمي التربية الفنية في الدوادمي كونه مشرفاً في إدارة التعليم بعد عودته من الدراسات العليا في أمريكا، وذلك من خلال دورات متخصصة في النحت، التحق بها العديد من المدرسين، توقف الكثير منهم واستمر العاشق الشغوف بالنحت، ليتسلم الراية بعد ذلك عمي وأستاذي النحات علي الطخيس الذي كانت بداياته منذ 40 عاماً، حيث قدم الكثير للساحة النحتية من خلال الدورات التدريبية في مختلف مناطق المملكة، ومن خلال الملتقيات الدولية التي شارك بها أو نفذها داخل السعودية أو المعارض والمسابقات التي ساهم فيها، وكان لي شرف المساهمة ببقاء جذوة النحت مشتعلة من خلال مشاركاتي المحلية والدولية التي تجاوزت 180 مشاركة. وربما تكون طبيعة الدوادمي الجيولوجية، والتنوع الكبير للأحجار في المنطقة؛ من أسباب تربع الدوادمي على عرش فن النحت السعودي، من حيث عدد النحاتين والسمعة الكبيرة.