سامر أنور الشمالي: فرق بين الحرية المسؤولة والفوضى والانحلال
حوار: هشام أزكيض: المغرب
بحكم تجربته الأدبية الفذة استطاع الكاتب والأديب السوري سامر أنور الشمالي أن يكتب في مختلف المجالات الأدبية، كالرواية، والقصة القصيرة، والمسرح، والنقد الأدبي، وأدب الأطفال. وقد حصل على العديد من الجوائز الأدبية، ومن أبرزها جائزة (نبيل طعمة) سوريا 2008م، وجائزة (يوسف إدريس) مصر 2009م، وجائزة (راشد بن حمد الشرقي) الإمارات 2019م. ومن أحدث أعماله الأدبية في مجال القصة: (حصار مفتوح).
من مؤلفاته في مجال النقد الأدبي: (وجوه ومواجهات). أما في مجال الرواية (خلف الجدران تحت الشمس). ومن نصوصه المسرحية: (يوميات مواطن سابق)، إضافة إلى إصدارات كثيرة في مجال أدب الأطفال. ولم يغفل فن المقال الذي ينشره في عدد من المجلات والصحف الأدبية والثقافية العربية، وهو عضو في اتحاد كتاب العرب وعضو جمعية النقد الأدبي.
هكذا يتضح موقع الكاتب (الشمالي) في الساحة الأدبية العربية، وقد أجرينا معه الحوار التالي للتعرف عليه أكثر، والوقوف عند أهم مواقفه تجاه قضايا أدبية وإبداعية.
أنت من الكتاب القلة الذين كتبوا في كل الأجناس النثرية، فأنت تكتب في الرواية، والقصة القصيرة، والمسرح، والنقد الأدبي أيضاً. هل هذا خيار متعمد لإظهار مهارتك في الكتابة، وثقافتك الواسعة، أم الأمر أتى عفواً نتيجة الموهبة التي تمتلكها؟
- لا أستطيع التحدث عن نفسي بهذه البساطة، ولا أدعي أنني أجدت الكتابة بكل تلك الأجناس التي أشتغل عليها بالسوية ذاتها. لذا سأكتفي بالقول إنني بدأت بكتابة القصة القصيرة، وكان لدي طموح في كتابة قصة جيدة، فأكثرت من القراءة في مجالات الإبداع، والنقد، والعلوم الإنسانية لاسيما علم النفس، وهذا ما شكل عندي دافعاً لخوض المغامرة الكتابية خارج حدود القصة التي لم أتخل عنها. مع العلم أن القصة قريبة إلى الرواية والمسرح بحكم العناصر المشتركة. ولكن النقد أمر مختلف لأنك تنتقل من دائرة الإبداع إلى خارج تلك الدائرة لتنظر إلى ما فيها بموضوعية وتجرد.
تمتاز قصصك بموضوعاتها الغرائبية، لماذا هذا الحرص على طرح موضوعات غير مطروقة؟
- أرى أن على كل كاتب تقديم تجربته الحياتية، وأن كل حياة إنسانية تحتوي عوالم تميزها، ومن هنا أسعى للبحث عن تقديم الجديد والمختلف عن المألوف من خلال رؤيتي الخاصة للعالم من حولي، دون السعي إلى تجارب غريبة مجانية، فالأدب مرآة للحياة، وهذه المرآة قد ترينا ما لم ننتبه إليه في الواقع.
روايتك الأخيرة (خلف الجدران تحت الشمس) سياسية من الطراز الثقيل، ألم تخش من الرقابة وتجاوز الخطوط الحمراء؟
- على الأديب أن يكتب بحرية أثناء العملية الإبداعية لأن أي قيود يكبل نفسه بها سوف تحد من انطلاقة خياله وأفكاره. ولا شك في أن روايتي تجاوزت بعض الخطوط الحمراء التي لم تعد مقبولة في زمن فضاء الإنترنت الذي ألغى نقاط التفتيش على الحدود. وعلينا أن ندرك هذا الأمر جيداً في عالمنا العربي. وهناك فرق بين الحرية المسؤولة، والفوضى والانحلال.
نجد لديك حزن (تشيخوف)، وسوداوية (كافكا)، وعبثية (بيكيت)، هل أتى الأمر مصادفة؟ أم أنك بالفعل تسعى للكتابة على طريقتهم؟
- مع احترامي لتجارب الكتاب الكبار الذين تأثرنا بهم جميعاً، فإنني أريد كتابة ما يميزني ويمنحني هويتي، لذا لا أريد تقليد حتى الأدباء الكبار لأن أي تقليد سيكون دون الأصل، بل أطمح إلى تشكيل تجربتي الأدبية التي تقدمني لقارئ يريد اكتشاف تجربة أدبية جديدة ومختلفة.
أنت تكتب للأطفال أيضاً. كيف تنتقل من الكتابة للكبار وأعمالك تتصف بالعمق، والسوداوية أحياناً، إلى قصص الأطفال المرحة البسيطة؟
- لا أجد الانتقال بين الأجناس الأدبية حاداً، لأنني أقوم بالأمر بيسر وسهولة، ربما لاعتيادي الأمر منذ سنوات. والكتابة للأطفال ممتعة ولها خصوصية تميزها.
هناك وَلَهٌ وشغف في تعاملك مع الكلمة. كتاب القصة والرواية يكتبون عادة دون التنبه لفنية الكلمة وموسيقى الجملة كالشعراء. كيف تنظر إلى أسلوبك؟
- هناك الكثير من كتاب النثر لديهم هذا الشغف، ويمتلكون الحرفية لصياغة سرد له جمالياته الممتعة. ولكن اللغة السردية تختلف عن لغة القصيدة، وليس في صالح الروائي والقاص استعارة لغة الشاعر. ولكن لا بد لهما من الاشتغال على جماليات اللغة وحياكة سرد يتوخى فيه إثارة اهتمام القارئ، والتأثير فيه باللغة التي هي وسيلة الكاتب ليصل إلى القارئ.
هل الكاتب يشعر أن كتاباته تحقق له وجوده الإبداعي الفعلي؟
- بالتأكيد.. الأديب يحقق ذاته بكتاباته لأنها الوجود الحقيقي له على هذه الأرض، وعلى صفحات كتبه. فعلى سبيل المثال الشخصيات التي تسكن في رواياتي وقصصي ومسرحياتي أشعر بأنها كائنات حية تشاركني حياتي اليومية، وعندما ينتهي أي عمل يرحل هؤلاء الأصدقاء إلى مكان بعيد، ولكنهم لا يموتون، ويبقون في البال، رغم قدوم شخصيات جديدة تأخذ مكانهم، ثم تشاركني يومياتي. من دون هذه الشخصيات المشغولة من الخيال والمشاعر يعيش الكاتب في عزلة قاسية ويعاني الوحشة، وإن عاش وسط زحام الشوارع.
عالم الرواية يفسح المجال لحرية الكتابة والتعبير أكثر من القصة، لذا نجد أن عملية الارتحال من مجال القصة إلى مجال الرواية لا تتوقف، فهل هذه الظاهرة صحية في مجال الإبداع؟
- لاشك أن قاصاً جيداً أفضل من روائي سيئ. وليس كل من يكتب الرواية أديباً كبيراً، وليس القاص أدنى منه كمبدع. على سبيل المثال الكاتب الكبير (أنطون تشيخوف) سجل اسمه في تاريخ الأدب كمعلم في كتابة القصة القصيرة في العالم، رغم مرور أكثر من مئة عام على وفاته، ولا نعرف له رواية مشهورة. ونجد الكاتب الكبير (غابرييل غارثيا ماركيز) أو (نجيب محفوظ) لم يتخل أي منهما عن كتابة القصة رغم كتابتهما للرواية، وشهرتهما ككتاب رواية، فللقصة جمالياتها. ولكن الرائج حالياً هي الرواية، وهذا أمر يتعلق بطبيعة الإعلان والذائقة العامة في هذه الفترة. ومن وجهة نظري أجد أن القصة تستحق المزيد من الاهتمام لاسيما أنها تنقل ضمن مساحة محدودة الكثير من الأفكار والمشاعر، وميسر نشرها في المجلات والجرائد والمواقع.
كيف ترى الرواية السورية اليوم، وهل تستحق أن تكون موضوع دراسات بحكم اشتغالك بهذا المجال؟
- الرواية السورية تستحق من يدرسها ويرتقي بها، كما الرواية العربية. ولكن المشكلة أن الكم الإبداعي يتجاوز المتابعة النقدية بمساحة شاسعة، كما أن النقد المكتوب يفتقد أغلبه إلى العمق أو الموضوعية بسبب قلة خبرة الناقد، أو العلاقات الشخصية في الوسط الثقافي، لهذا ما زالت الرواية تفتقر إلى نقد تستفيد منه لتطوير ذاتها. مع العلم أن الكاتب الجيد يستطيع الاعتماد على نفسه، وقراءة كتب النقد للاستفادة من الخبرة النقدية لتطوير أدواتها الإبداعية.
حصلت على عدد من الجوائز الأدبية في مناسبات عدة، وهي قيمة دون شك، لذا نصر على أن نسألك عن أثرها على مسيرة إبداعاتك، وأهميتها؟
- الجائزة تقدير لجهود الكاتب، والكاتب بحاجة إلى من يقدر عمله الذي أخذ منه عمره وجهده وتعبه. إضافة إلى أن الجائزة تسهم في شهرة الكاتب، وانتشار أعماله بين القراء، وهذا ما يسعى إليه كل كاتب. ولن أغفل الإشارة إلى الجانب المادي، فيحق للكاتب العربي أن يعيش من عمله كأي كاتب أوروبي، دون اضطراره إلى العمل في مجال آخر، لأن هذا يأخذ من وقته وجهده، وبالنتيجة يؤثر على الوقت والجهد الذي كان سيخصصه للكتابة، وهذا قد يؤثر على سوية العمل الأدبي.
هل ما يسمى اليوم بـ(الأدب الرقمي) يمكن أن يساهم في تنمية الإبداع، وتنامي روح النقد الأدبي الموضوعي؟
- انتشر هذا المصطلح في السنوات الأخيرة وباتت الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي تنافس الكتاب الورقي. ولا شك أن هذا سيكون له تأثيره الأوضح في السنوات القليلة القادمة، على العلاقة بين الكاتب والقارئ، وربما على العلاقة بين الكاتب ونصه. ولكن برأيي لن تكون في صالح تجويد النص الإبداعي، أو تقديم نقد موضوعي، فالكتابات الإلكترونية قصيرة وبسيطة، وسرعان ما تنسى ضمن زحمة المنشورات المتلاحقة. مع العلم أن أغلب الكتاب في العالم الافتراضي من غير المحترفين، أي يمارسون الكتابة كهوية أو تسلية.