مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

إقبال عبيد: الترجمة مضنية.. ومن يتخذها موضة فلن يصمد

عبدالرحمن الخضيري: الرياض


تركت وظيفتها وأسست مشروعها الخاص وسط ظروف صعبة، وأنتجت حتى الآن ما يقارب 212 مشروعاً وكتاباً. يعبرُ بها شغفها خارج الحدود في رحلة معرفية ثقافية، تتكئ على جذوة ثقافية تُشعل المعرفة باستمرار، وتهديه بيديها إلى من يرغب مشاركتها تحقيق الأحلام وملاحقة قصص النجاح. عن نفسها تقول ضيفتنا الكاتبة والمترجمة والناشرة الكويتية إقبال عبيد: شغفي في التأليف انطلق أساساً من حبي للبحث والتلخيص والانتقاء، أضف إلى ذلك أنني في الترجمة أنتقي ما يستهويني في حقول الأدب والفلسفة.
إقبال عبيد هي مؤسسة وصاحبة مؤسسة ترجمان للنشر والتوزيع بالكويت، وشريك في دار ترياق للنشر والطباعة بالسعودية، صدر لها رواية (تكريت) ونصوص قصيرة (ليس كمثله شيء). في الكتابة والترجمة والنشر تقاسمنا الحوار:
إقبال الكاتبة، تنوعت ألقابك ما بين كاتبة ومترجمة وناشرة؛ أي الألقاب هذه أكثر تعبيراً عنك، وأكثرها تعريفاً عند القارئ؟
- الألقاب جميعها التي ذكرتها تُعدّ بمثابة هويّة واحدة بالنسبة لي. والأهم من كلّ ذلك أنها جميعها تخرج من إقبال القارئة، فتلك السِمة هي محور كل إبداع، فدون القراءة ومخزونها اللغوي والمعرفي لن تستطيع الكتابة، ودون الكتابة لن تستطيع الترجمة بطبيعة الحال. (ولذلك أنا مع رأي أن الترجمة الجيّدة تتطلب كاتباً جيّداً)، ودون ممارسة الترجمة وتحدياتها؛ لن تستطيع الخوض في مشروع انتقائي وخطر للغاية كدور النشر.
بعد إصداراتك الثلاث، اتجهت للترجمة والنشر؛ هل هذا المنعطف لرغبة دفينة أم تجربة جديدة؟
- شغفي في التأليف، انطلق في الأساس من حبي للبحث والتلخيص والانتقاء، وصولاً لإنتاج كتاب مُلم بموضوعه، وأغلب المصادر المتعلقة به قدر الإمكان. ولذلك أجد أن التأليف هو توليف/تجميع. تبدو لي المفردة بهذا المعنى أجمل وأكمل. تأتي بعد ذلك مرحلة الترجمة، من خلال الترجمة الحرّة، انطلاقًا من اختيار مواد تستهويني في حقول الأدب والفلسفة. ولذلك؛ فربما أكون عكس الكثير من المترجمين الذين مارسوا الترجمة في البدء ثم التأليف. يأتي بعد ذلك أمر النشر، وهذا شأن آخر، متعلق برغبتي منذ سنوات بإخراج إبداعات روائيين وقاصين وشعراء وإيصالها للقارئ العربي من خلال الترجمة.
تحولت الترجمة من قنطرة تواصل بين الثقافات والحضارات إلى موضة تزاحم عليها الموهوبون وغيرهم؛ ما رأيك بذلك؟
- من يتخذ الترجمة موضة لن يصمد، وهذه حقيقة؛ فالترجمة بحاجة إلى جهود متواصلة ومضنية لخروجها في أفضل شكل ممكن، وهؤلاء لا يصمدون، ويمكن معرفتهم بسهولة من خلال جودة الترجمة. وأصحاب الموضة ملولون في النهاية، أو مؤقتون بالأحرى، وسيتوقفون عن فعلهم لا محالة. المترجم لا بد أن يجيد لغة النص الأصلي واللغة التي يترجم إليها، وأرى أن المترجم يجب أن يتحلى بالصبر والمثابرة في البحث عن المعنى الصحيح والدقيق للمفردات والعبارات، وأن يقوم بمراجعة النص بعد ترجمته أكثر من مرة للتأكد من تطابقه مع النص الأصلي والوصول إلى أفضل جودة ممكنة. وأعترف أن هذا الأمر يشكل تحدياً في بعض الأوقات؛ نظراً لضيق الوقت الذي تحدده بعض الجهات لترجمة أعمالها.
من هو المترجم الحقيقي في نظرك؟
- ليس لدي تعريف ثابت، لكن دعني أقول إن المترجم الحقيقي هو الشغوف بالمعرفة لنفسه أولاً، ثم بمشاركتها مع الآخرين، وأفضل مترجم هو الذي يجعل النص سلساً ومتيناً في الوقت ذاته، حتى نكاد ننسى أن النص مترجم من الأساس. مترجم لديه شغف وصبر لمعرفة المصطلحات المختلفة، ويسعى لتكوين رابط ممتع وسهل الهضم مع جموع القراء. المترجم الحقيقي يجب أن يكون رشيقاً لا ثقيلاً ولا متكلفاً.
ينظر البعض إلى الترجمة بأنها (خيانة) للنص، هل توافقين أصحاب هذا الرأي؟
- هنالك جدال واسع في موضوع المترجم الخائن، ولا أراه صحيحاً. فالمترجم وحده صانع الجمال والمحتوى والشكل العام للنص، وهو الوسيط الوحيد بين المعنى والأسلوب. ولذلك، يجب إعطاء الأولوية للمعنى قبل الأسلوب، وهذا ما يهم في عملية الترجمة؛ بأن ينجح المترجم في العثور على الخليط المتين للمعنى بقواعد مرنة واختيارية، لتوليف عمل مميز، يفضي في النهاية إلى عمل رصين مميز وجميل، بصرف النظر عن الأسلوب الأصلي، ففهم النص الأصلي والتعبير عنه بالترجمة يتطلب جهداً وبحثاً قد يقع البعض في فخه أثناء مراحل الترجمة، لأسبابٍ كثيرة، ومن أبرزها: عسر فهم بعض التراكيب المعقدة في النص الأصلي، وصعوبة إيجاد المقابلات المعجمية لها في اللغة العربية. وفي النهاية، فلا أوافق ولا أرفض بأن الترجمة خيانة، وأعتبرها مسألة نسبية تختلف بطبيعة النص الأصلي وقدرات المترجمين المختلفة.
لاحظت بعض ترجماتك بمشاركة آخرين، كوني قارئاً؛ كيف أميز بين ترجمتك من غيرها؟ وما الداعي للمشاركة في ترجمة إصدار واحد؟
- عملت في مجموعة قصصية لكافكا (تأملات) صدرت مع دار الخان بمشاركة الدكتور محمد باقر. وكان فعل الترجمة لحظتها، لغرض الاستمتاع والمشاركة مع الأصدقاء حتى انتهى الأمر بالعمل منشوراً، وحظي بقراءات عديدة، ورواجٍ عالٍ بين المهتمين. كذلك عملت على مجموعة مقالات متفرقة (لجورج أورويل) مع المترجم الإماراتي علي الكندي، وصدر العمل عن دار مدارك. كانت التجربة الأولى توثيقاً لجهودنا سوياً، وخرجت بشكل محرر ومتين ورصين، دون إدراك الفوارق التي قد يلاحظها القارئ العادي في القراءة. وبالنسبة لتجربة ترجمة أورويل، فقد تعرض الصديق علي الكندي لوعكة صحية، وكان من المقرر تأجيل العمل لعام كامل، حتى تدخلت واستكملت نصف الكتاب. التجربة المشتركة في الترجمة ممتعة جداً، وتمثل تحدياً وإنتاجاً متقناً. كذلك أعمل الآن مع مؤسسة تراجم في الرياض على إخراج كتاب يشترك به ١٧ مترجماً متطوعاً تحت مشروع خيري للمحتاجين.
هل ساهمت المسابقات والجوائز التي تطلقها بعض المؤسسات الرسمية العربية للترجمة في جودة الترجمة وانتشارها؟
- قد تساهم بالقليل للتشجيع والاستمرار، لكن نحن بحاجة إلى مظلة ومكان حقيقي يجمعنا لتبادل الخبرات في الترجمات والإنتاج ومتابعة جودة الأعمال بشكل حقيقي وفعال، وليس شكلياً فقط.
بعد إعلان عدد من الدور الكويتية تكوين لجنة تكون نواة اتحاد الناشرين الكويتيين؛ ما الأمل الذي تنشده الناشرة إقبال منها؟
- حركة الثقافة والنشر في الكويت متقدمة، ونحن نتطلع لخطط مثمرة ومنتجة تعيد الكويت لسابق أمجادها، ولمكانتها المعروفة في التاريخ الثقافي الخليجي والعربي. طموحي كبير والكويت قادرة على أن تعيد هذا المجد بعد تدهور الأوضاع الرقابية والنشر مؤخراً وتصليح ما يمكن إصلاحه.
بحكم انتمائك لعالم النشر؛ ما أبرز معوقات صناعة النشر العربي والخليجي تحديداً؟
- التوزيع في الوطن العربي مضنٍ ومتعب، إذ تصلنا العديد من الشكاوى من عدم وصول الكتب إلى المغرب العربي الجزائر وتونس . ولا شيء مضمون في الخطط المقبلة للنشر، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمجريات العالم من أوبئة وجائحات تحد من جهود العاملين في مجال النشر والتوسع في استكمال المشاريع.
من آثار الجائحة التي ضربت العالم أجمع نشاط التواصل الرقمي والشبكات التقنية؛ هل من انعكاس لها على الكتاب الورقي وصناعة النشر؟
- لم أرَ تأثيراً ملموساً على الكتاب الورقي، بل زاد الإقبال وتضاعف عليه حسب إحصائية نُشرت مؤخراً، ومفادها بأن الكتاب الورقي هو من انتصر في النهاية. كذلك للتقنية دور كبير في انتشار القراءة والكتاب الورقي بطريقة قانونية تراعي الحقوق والفسوحات المتعلقة بالكتب. فالكيندل ولوح القراءة الرسمية، ساهمت بإيصال الكتاب سواء أكان ورقياً أم إلكترونياً.
هل يهتم الناشر بالمحتوى أو بجماهيرية وشهرة الكاتب أو بما يطلبه القراء؟
- الآن جميع ما سبق هي نسبية، الناشر الحقيقي يستقطب كتاباً حقيقيين، ليصنع قاعدة قراء فعالة ومتواصلة تثق به وباختياراته، والناشر التجاري يعرف بكتبه وإنتاجه ما لا يستمر منها ويختلف كل موسم. الناشر الحقيقي يلتزم التزاماً دقيقاً وملموساً بحقوق كل من المترجم أو الكاتب، وهذا ما يجعل القرّاء في حالة ثقة تامة وطمأنينة بأن الناشر يسير في الاتجاه الصحيح نحو ذائقة ومفهوم محددين سلفاً.

ذو صلة