الموسيقار علي خصاف: الأغنية العربية فقدت خصوصيتها التي تميزها
حوار/ حمد الدريهم: الرياض
التقينا فتحدثنا عن كل شيء يمكن أن يُتخيل الحديث عنه ما بين سعودي وعراقي يلتقيان لأول مرة في الرياض، أسهبنا في أخطاء الماضي وبعض لحظاته المشرقة وحفرنا الذاكرة العراقية وواقع إصلاح تلك الأخطاء وتطلعات المستقبل، سرقنا الوقت بلذة الحديث الممتد لساعات دون أن نشعر بقرب أذان فجر الرياض؛ لنتوجها بميعاد آخر للحوار مع المايسترو الأستاذ علي خصاف الذي بعث إجاباته من بغداد، فإليكم الحوار:
في زيارتكم الأخيرة إلى معرض الرياض الدولي للكتاب، كيف تصفون الأجواء وتفاعل الزوار؛ لاسيما أنها الزيارة الأولى للرياض؟
- كان تفاعلاً رائعاً، سعدت بحضور الفرق الغنائية العراقية، قدمنا الفن العراقي الأصيل فابتهج الجمهور، كانوا سعيدين ورددوا الأغاني العراقية، أتمنى مستقبلاً المساهمة في إحياء العديد من الأنشطة الموسيقية في الرياض ومدن المملكة.
أنتم من القلة الذين بقوا ولم يخرجوا، بالرغم من الويلات وخروج الكثير من الموسيقيين، لو رجعت الأيام هل كنت ستخرج؟ وهل أثر خروج الموسيقيين على الحالة الموسيقية في العراق؟
- هذا سؤال مهم، غادر الكثير من الموسيقيين في ظل الظروف الصعبة التي مرتّ بالعراق؛ لكنني لم أغادر وكذلك بعض زملائي. بقينا في العراق وتحملنا المسؤولية العظيمة، ساهمنا في تدريب وإعداد الموسيقيين وقدمنا الحفلات والمهرجانات داخل العراق وخارجه؛ لاسيما أنني كنت مديراً للفرق الفنية في دائرة الفنون الموسيقية وكنت معاون مدير عام دائرة الفنون الموسيقية. لو رجع الزمن لا أغادر؛ بل أساهم في إعداد الموسيقيين وأديت واجبي بما يمليه علي ضميري. بالنسبة لتأثير الخروج، أثّر ذلك وهذا سبب عدم مغادرتي مع بعض زملائي.
يقول عازف الكلارينيت البريطاني جاك برايمر: (القدرة على عزف الكلارينيت هي قدرة التغلب على عيوبها، لايوجد كلارينيت مثالي، لم يكن ولن يكون إلى الأبد...) في نظركم، هل القدرة على إتقان الكلارينيت هي المفتاح لإتقان الآلات الهوائية الأخرى؟
- ربما أختلف مع رأي برايمر، ظهر العديد من عازفي الكلارينيت في العالم وقدموا أعمالاً كتبت لهذه الآلة مثل: كونشيرتات فيبر وموزارت والعديد من المؤلفين الغربيين تمكنوا من العزف بهذه الآلة ببراعة. أما هل يمكن لعازف الكلارينيت وهي ذات القصبة المنفردة أن يجيد العزف على الآلات الهوائية الأخرى، يمكن أن يعزف آلة الساكسفون ذات القصبة المنفردة أو الفاجوت أو الأوبوا ففيهما القصبة المزدوجة؛ لكن لا يستطيع أن يكون بارعاً في العزف على إحدى هذه الآلات إلا أن يتخصص في آلة هوائية معينة، وهناك الآلات الهوائية النحاسية الأخرى. (Brass) في الموسيقى العسكرية يمكن تعلُّم هذه الآلات بأخذ دورات متخصصة في فترة زمنية للذين يقدمون كضباط موسيقيين لصنف الموسيقى للتعرف على طبيعتها وكيفية عزفها.
المتأمل في الموسيقى العراقية لاسيما السبعينات والثمانينات يجد شبه انحسار لبعض الأصوات داخل العراق فقط بالرغم من تميزها، فعلى سبيل المثال مائدة نُزهت لم يمتد صوتها كثيراً في العالم العربي مقارنة بالأصوات التي خرجت من مصر وسوريا ولبنان في ذلك الوقت، ما السبب؟
- لو عدنا لبدايات القرن العشرين، لوجدنا العديد من الأصوات النسائية التي أثرت الساحة الغنائية العراقية لعقود طويلة مثل: سليمة مراد، زكية جورج، صديقة الملاية، فكان ذلك الجيل الأول تقريباً ثم أتى: عفيفة إسكندر، لميعة توفيق، ثم في السبعينات برزت عدة أصوات مثل: مائدة نُزهت، أنوار عبدالوهاب وغيرهن. سبب انحسار الأصوات والأغنية العراقية يعود لخصوصيتها. اللهجة العراقية فيها مفردات ربما صعب فهمها في بعض الدول العربية لاسيما شمال أفريقيا أما السبب الرئيس فهو الإعلام الذي لم يساهم في انتشارها في تلك الفترة أما لو عدنا إلى البدايات القديمة سنشاهد حضوراً قوياً للأغنية العراقية وعلى رأسهم المطرب الكبير ناظم الغزالي ومحمد القبانجي وغيرهم لأنهم غنوا معظم أغنياتهم بالفصحى وليس بالعامية العراقية، الآن انتشرت الأغنية العراقية كثيراً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي .
كيف تصف حال الموسيقى العربية؛ لاسيما العراقية؟ وكيف يمكن الحفاظ على هُويتها؟
- العالم العربي مرّ بالمتغيرات التي أثرت على مسيرة الأغنية بالإضافة إلى رحيل الكثير من الأصوات الغنائية أثر بصورة كبيرة على خصوصيتها، وظهور جيل جديد من الأصوات يختلف جداً عن كبار الأغنية في العهد القديم، وهذه الموجة ليست على مستوى العالم العربي؛ بل في العالم كله ظهرت الأغنية السريعة ذات الكلمات غير اللائقة والحركات الاستعراضية من رقص وما شابه ذلك في بعض الأحيان مما أفقد الأغنية العربية خصوصيتها التي تميزها وهذا حدث أيضاً للأغنية العراقية التي سايرت هذه الموجة الهابطة. بالنسبة لكيفية الحفاظ على الإرث الموسيقي للعراق بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة هو أن تتدخل وزارات الثقافة في الدول العربية وتشكيل لجان متخصصة من موسيقيين وملحنين وشعراء ونقاد للحفاظ على هذا الإرث الموسيقي الكبير.
في تاريخ الموسيقى العراقية نجد حالة غرائبية متمثلة في الفنانة مسعودة العمارتلي المتحولة إلى رجل لتمارس الغناء، بعد مرور تلك السنوات كيف تصف تلك الحالة والسياق الموسيقي الذي ظهرت فيه؟ هل هناك تدوين وحفظ موسيقي لما قامت به من أعمال؟
- مسعود العمارتلي حالة فريدة في الغناء العراقي في جنوب العراق وتحديداً في الأغنية الريفية. العديد من الأصوات العراقية خرجت من معطف هذا الفنان الفطري فلا تزال أغنياته راسخة في الذاكرة الجمعية للمجتمع العراقي؛ لما لها من سهولة في المفردة والموضوعات التي تناولتها أشعار تلك الأغنيات. تراث ذلك الفنان الكبير دُوّن قسم منه وأدّى العديد من المطربين أغاني هذا الفنان الكبير. بالنسبة للسياق الموسيقي في تلك الفترة الزمنية كان بدائياً ولم يكن هناك التكنولوجيا إنما تلك التسجيلات التي وصلت إلينا فقط.
الأستاذ علي بين التدريس والتلحين والموسيقى العسكرية سابقاً والمساعد لقائد الفرقة الموسيقية العراقية، هل هذا التنوع شتت جهدكم أم أثراكم بالتنوع؟
- التنوع أضاف أشياء كثيرة، أنا متفرغ للعمل الموسيقي بأنواعه، خبرتي في الموسيقى العسكرية أضافت الكثير من المعلومات المهمة في علوم النظريات والتأليف والقيادة وأيضاً كقائد في الفرقة السميفيونية والفرق الفنية زاد من خبرتي الموسيقية والتعرف على علم الموسيقى الكبير، وأنا أنظم وقتي بشكل جيد ولله الحمد.
جينات موسيقى الآلات الهوائية امتدت لابنكم وسام المتميز بعزفه، ما كلمتك إليه وللأجيال الصاعدة؟
- لم تمتد إلى وسام فقط، بيت خصاف عائلة موسيقية في العزف على الآلات الهوائية، فأخي الأكبر عازف ترومبيت والأخ الأصغر عازف ساكسفون وأوبوا وأولاد أخي الأكبر الأستاذ مهدي يعزفون الآلات الهوائية، وكذلك أولادي فوسام يعزف الساكسفون وحسام يعزف الأورق وبسام يعزف يوفونيوم وهشام يعزف الكلارينيت والتشيلو وجميعهم يعزفون في الموسيقى العسكرية صباحاً وفي الفرق السمفونية مساءً، وأتمنى لهم دوام التألق لخدمة حركتنا الموسيقية، فنصيحتي هي دراسة الموسيقى أكاديمياً والمتابعة لما يجري من تطورات في علم الموسيقى.
تقف على المسرح بينما تُمسك بيديك آلة الكلارينيت تضع فيها أنفاسك لتتهادى موسيقى عذبة لدى الآخر ثم يصفق الجمهور فرحاً.. كيف تصفها؟
- من أجمل اللحظات عند العازف أو أي فنان في أي مجال إبداعي هي عندما يرى السعادة المرسومة على وجوه المستمعين. هي لحظات سمو وبهجة العازف والمستمع. الموسيقى والغناء هي تعبير للمشاعر ووجدان العازف والمستمع في آن واحد.
في البدايات، كنتَ معجباً بالفنان طالب القرغولي لماذا هو دون غيره من الأسماء البارزة في ذلك الوقت؟ بعد هذه السنوات أما يزال تأثيره عليك؟
- في بداياتي وقبل دخولي إلى الموسيقى العسكرية وعندما كان عمري ستة عشر عاماً آنذاك، كنت أستمعُ إلى ألحان ذلك المبدع بدون معرفة ووعي تام؛ لكن بعد دراستي للموسيقى في قسم الموسيقى العسكرية ودخولي إلى معهد الفنون الجميلة عام 1983م، وتخرجت فيه عام 1988م وتعلمت العزف على العود أصبحت لدي معرفة كبيرة في مجال الموسيقى والغناء فاكتشفت موهبة وعبقرية هذا الملحن القدير، فهو ينتمي إلى المدرسة العراقية الأصيلة وأسس مع بعض الملحنين المبدعين أمثال: محمد أموري ومحسن فرحان وكوكب حمزة وآخرين ما يُعرف بالأغنية السبعينية أو جيل السبعينات، أثّر علي فكنت معجباً بأسلوبه الطربي الأخّاذ وتنقلاته الموسيقية البديعة والتغيرات في الإيقاع فكل هذه الأمور الفنية تعلمتها بعد دراستي للموسيقى، وشرفتُ بقيادة الفرق الموسيقية في العراق في مهرجانات عديدة وقدمت أكثر من حفل لذلك الفنان بعد عودته إلى العراق .
ما مشاريعك الموسيقية مستقبلاً؟ وهل هناك عودة لأجل إحياء بعض العروض الموسيقية؟
- المشاريع كثيرة، أتمنى أن أُنجزها مستقبلاً، قسم منه أنجزته، أنهيت عملي الأخير كونشيرتو الكمان والأوركسترا، وكذلك أنجزت عمل أنغام من التراث الأصيل وقدمته في مؤتمر الموسيقى العربية عام 2020م في دار الأوبرا المصرية وبحث قدمته في المؤتمر يتناول الرؤية المستقبلية لتطوير الموسيقى العربية، وأعمل على عمل موسيقي آخر للفرقة السيمفونية العراقية ولدي الكثير من الأفكار سأحولها إلى أعمال. وأتمنى العودة للمملكة للمساهمة في هذه النهضة الفنية الكبرى التي تتواكب مع رؤيتها، فأنا معجب بهذا التوجه؛ لذا آمل أن أحضر هنا مجدداً كي أساهم بهذه النشاطات الموسيقية.