أحمد عبداللطيف: الرواية تعيد صياغة التاريخ وتملأ ثغراته
حوار/ أحمد اللاوندي: مصر
أحمد عبد اللطيف، روائي ومترجم وصحفي مصري، ولد بمحافظة القاهرة (1978م)، ويقيم حالياً بمدريد. حصل على الليسانس في اللغة الإسبانية وآدابها من كلية اللغات والترجمة، وعلى الماجستير في الدراسات العربية بجامعة أوتونوما، والآن، يدرس للدكتوراه في الأدب العربي الحديث بجامعة غرناطة. نال عدة جوائز، وترجم العديد من الروايات والقصص من الأدب الإسباني وأمريكا اللاتينية، وله عدة روايات، منها: (صانع المفاتيح 2010م)، (عالم المندل 2012م)، (كتاب النحات 2013م)، (إلياس 2014م)، (حصن التراب 2017م).
تميزت عوالمك بالتجديد، والعمق الفكري، والتنوع الجمالي. لمن قرأتَ حتى تطور ملكاتك وموهبتك؟
- الأثر الأكبر في حياتي، جاء من الطفولة أكثر من أي مرحلة تالية. من سن الخامسة بدأت دراستي بالأزهر، وبدأ معها حفظي للقرآن الذي ختمته مرتين في العاشرة والثالثة عشرة، رافق ذلك، بداية تعرفي على التراث العربي السردي، سواء (ألف ليلة)، أو (بدائع الزهور في وقائع الدهور)، وهما كتابان ساهما بشكل أساسي في تكوين خيالي، خصوصاً الكتاب الثاني، لكونه يقدم الخيال باعتباره حقيقة وتاريخاً، وهي اللعبة التي راقت لي فيما بعد في أعمالي الأدبية.
حفظ القرآن مع قراءة التراث العربي المبكرة، أسهما في إثراء لغتي العربية بالمفردات، والتراكيب، وفهم منطق اللغة نفسه، وضبط أذني على الإيقاع الموسيقى لها، بالإضافة لخلق علاقة حميمة معها. في هذه السن أيضاً، وبمحض الصدفة، قرأت رواية (دكتور جيكل ومستر هايد) لستيفنسون، ولم أنسها أبداً ولا نسيت أثرها عليّ وأنا في الثانية عشرة. بعد ذلك بسنوات قليلة، قرأت لطه حسين ومحفوظ والجاحظ (وهو في رأيي أفضل ناثر عربي)، قبل أن يتفتح عالمي على دراسة الأدب الإسباني، واللاتيني، وأقرأ بورخس وكورتاثر وماركيز، لأجد بينهم خيوطاً تربطهم بالتراث العربي السردي.
نود أن تطوف بنا حول مجموعتك القصصية الأخيرة (مملكة مارك زوكربيرج وطيوره الخرافية)؟
- تتكون من خمس قصص، وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء. الأول بعنوان (الخروج إلى المتاهة)، ويضم قصتين، والثاني بعنوان (العودة إلى المتاهة)، ويضم قصتين، والثالث بعنوان (الأصل)، ويضم قصة واحدة.
وتدور المجموعة حول ثيمة رئيسة وهي (الطرد)، وهنا تتنوع أسبابه، وتحتك بشكل مباشر مع التكنولوجيا الحديثة، خصوصاً الفيسبوك والتيندر، كما تتناص مع قصة توراتية وقرآنية. داخل هذه الثيمة، ثمة سؤال حول الهجرة وأثر الغربة، والحب والفراق، والثورة، لكن من منظور الهزيمة والفقد. بالإضافة للثيمات والمحتوى، فالكتاب يلعب في منطقة إيقاع اللغة العربية، ويبحث عن إيقاع مختلف يمنح السرد سيولة أكبر. بذلك، هناك لعب واضح في علامات الترقيم، والجملة الطويلة التي تمتد بطول قصة طويلة جداً. هذا التجريب في بنية الإيقاع الموسيقى، يتطلع للنبش في جماليات اللغة، بعيداً عن الجماليات المستقرة، وهو مشروع كنت بدأته مع رواية (إلياس)، ولا يزال يشغلني مع كل كتاب جديد.
(صانع المفاتيح) روايتك الأولى الصادرة (2010م)، حصلتَ من خلالها في (2011م) على جائزة الدولة التشجيعية، كما نلت بعدها جوائز أخرى مهمة. لو رجع بك الزمن إلى الوراء، هل كنت ستكتبها بشكل آخر؟
- نعم بالتأكيد، رغم أني عملت على (صانع المفاتيح) ست سنوات، وكتبت منها 12 مسودة، إلا أنني لو كتبتها الآن ستكون بشكل مختلف. لا أظن سأغير في الخطوط الأساسية، لكنني سأمنح لبعض الشخصيات عمقاً أكبر، وسأهتم ببناء بنية مختلفة. هذا ما يحدث معنا دائماً، مع الخبرة ومرور السنين. ومع هذا، هي تعبر عن مرحلة من مراحلي الكتابية، وأشعر نحوها بمشاعر خاصة، لأنها تضمنت وساوسي الأساسية، حول الواقع وجماليات الفن.
الاشتغال بالترجمة يؤثر كثيراً على إنجاز المشاريع الأدبية. كيف توزان بين الترجمة وعملك ككاتب ومبدع؟
- الترجمة أسهمت في حرصي على قراءة الأدب الجديد المكتوب بالإسبانية، كما أن دراستي لهذه اللغة، أسهمت في تكويني جمالياً، الكاتب استفاد من المترجم، كما استفاد المترجم من الكاتب. أنا أعيش بروحين، وبشخصيتين، وأحاول الفصل بينهما، مع إدراكي صعوبة ذلك. أتبع برنامجاً يومياً للكتابة والقراءة والترجمة، برنامج القراءة والترجمة واضح، ويمكن السيطرة عليه، لكن الكتابة متمردة، لذا، أستسلم لها حين تأتي، ولا أدعوها إن غابت، وربما تمر أيام دون كتابة شيء، وأيام أخرى تسيطر على يومي كاملاً، بتدفق لا يمكنني مقاومته.
أقمتَ في إسبانيا قرابة الأربعة أعوام، فضلاً عن زياراتك ودراستك. إلى أي حد أفادك هذا في كتابة رواية (حصن التراب)؟
- لم يكن ممكناً إنجاز (حصن التراب) دون إقامتي بإسبانيا، وبمدن محددة مثل طليطلة، وقرطبة، وغرناطة. كنت أحتاج للقراءة المكثفة للروايات التاريخية المتعددة، حول الوجود العربي الإسلامي، لكني كنت أحتاج أيضاً السير في الشوارع، ومشاهدة البيوت، والآثار الإسلامية، والبقاء فيها لفترة. أثناء ذلك، كنت أنهي الماجستير، وأبدأ في دراسة الدكتوراه.
قلتَ إنك تخاف من تسليط الضوء على عمل لك، لماذا؟
- أخاف من الإضاءة الكثيرة، لأنها تؤثر عليّ سلباً، أحب أن أكتب بحرية دون تفكير في السوق والجوائز والقراء، وأن تكون كتابتي نابعة من قلبي، وليست من توجيهات خارجية. الضوء يربكني. أنا أحب التقدير، وأن أُقرأ جيداً، وأن تصل كتاباتي لكل الناس، لكني أحب وصول (الكتابة)، وليس (الكاتب). أحب أن يكرم كتابي بذكر عنوانه، لا بذكر اسمي. كنت أتمنى لو أمكن، الكتابة باسم مستعار، أو لو أمكن، صدور الكتاب دون ذكر اسم مؤلفه. لكنها أحلام غير واقعية.
هناك أدباء يحاولون كتابة الرواية التاريخية، فينسخون التاريخ ويعيدون إنتاج الأحداث من دون أن يضعوها في سياقات وقوالب سردية وفنية ودرامية تربط بين الماضي والحاضر وتكشف عن رؤيتهم لما هو آت، ما الذي تراه في هذا الصدد؟
- الرواية التاريخية يجب أن تنحاز للرواية وليس للتاريخ، لأن التاريخ موجود في الكتب. الرواية تعيد صياغة التاريخ، وتملأ ثغراته، وتفككه، تستخدم وسائله لتطعنه، خصوصاً حين نتحدث عن قضية مثل قضية الموريسكيين، كتبها حاكمو محاكم التفتيش ولم يكتبها المطرودون. لذلك، فالرواية التاريخية لا تطرح سؤال التاريخ فقط، وإنما سؤال الحقيقة والحاضر. أياً كانت وجهات النظر في أزمة الثقافة العربية، ففي العمق منها كان سقوط غرناطة، هو الحلقة التي جرت وراءها حلقات أخرى بدأت من الطرد، ولم تنته بالاحتلال البريطاني والفرنسي لشمال أفريقيا.
أعمالك القصصية والروائية والترجمات صدرت عن دور نشر معروفة، ولاقت حفاوة كبيرة من قبل القراء، كما أشاد بها العديد من النقاد المصريين والعرب. في أي شيء يفكر الآن أحمد عبداللطيف؟
- ما زلت أرى نفسي في بداية الطريق، ولديّ الكثير من المشروعات الإبداعية والترجمة، التي أتمنى إنجازها. على مستوى الترجمة، أسعى لتقديم ترجمات للرواية الإسبانية واللاتينية التي تكتب الآن، لنرصد تطور الكتابة وما يحدث بعد تيار الواقعية السحرية وما بعده. في هذا السياق، بدأت بـ أندريس باربا وباتريثيو برون، كما أحاول ترجمة أعمال أدبية خارج التصنيف، أو كتب عن أعمال فنية. أما الإبداع، فلديّ رواية أعمل عليها، وأظن أنها ستكون مرحلة جديدة في كتاباتي.