ساجدة الموسوي: القلق سيد العشق الشعري
حوار/ وردة أيوب عزيزي: الجزائر
واحدة من أهم وأبرز شاعرات الوطن العربي من خلال الاستفتاء الذي أجرته وكالة أنباء الشعر العربي عام 2008م. أيقونة من أيقونات الإبداع، كتب عنها الأديب الراحل فاروق شوشة في مجلة العربي الكويتية وأطلق عليها اسم (شاعرة الشتات العراقي). نالت لقب (نخلة العراق)، وتم تكريمها في محافل عدة، كما تناولت تجربتها عدة كتب ومجلات ثقافية، أصدرت 17 ديواناً شعرياً. كتبت القصيدة القومية حدّ البكاء. تزيّنت بعظمة حبّ العراق ونذرت كل حروفها له. أنشدته حروفاً من دم وحرية وكبرياء، ارتدت عباءة شموخه عزاً وقرأت في جبينه ألف انتصار.. فأهلاً بالشاعرة ساجدة الموسوي.
كيف ترى (نخلة العراق) المشهد الشعري العربي اليوم؟
- أراهُ قلقاً وغير متوازن، فالأحداث التي تمر بها أمتنا العربية تلقي بظلالها على الشعراء، فهم يعانون مرة لأنهم يكابدون ما يكابده المواطن العادي من هموم الحياة اليومية وتداعيات السياسات العالمية التي تقيّد الاقتصادات المحلية وتفرض شروطاً على ثقافة المجتمع، ومرة لأن مهمتهم في الإبداع الحر تصطدم بموانع شتى عليهم أن يتجاوزوها، وأخرى لأن انهماكهم في العمل الوظيفي أو الخاص يأخذ من وقتهم المطلوب لوظيفة الشاعر كالقراءة والسفر والاطلاع على الحركة الثقافية والنقدية. والخلاصة حين ترتاح الأوطان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً سيتمكن الشاعر من أداء وظيفته بارتياح.
مصرُ سدّتْ طريقَ الدخولْ
أغلقت بابَها منذُ عهدٍ طويلْ
ولا تفتحُ الآنَ إلاّ بأمر المليكْ
وهل خافَ منّي..؟
أرجعُ بك إلى حقبة زمنية ما، مُنعتِ فيها من دخول أرض (الكنانة).. لو تحدثينا عن أسباب هذا المنع؟ وهل وصل ردّك أو رسالتك من خلال هاته الأبيات الشعرية إلى المليك؟
- كانت ليبيا واحدة من محطات هجرتي من العراق بعد الاحتلال البغيض، وكان لي أخ دبلوماسي تقاعد وترك وظيفته بعد الاحتلال كذلك وسكن أرض الكنانة التي نحبها، وقد دعاني عام 2010 لزيارته وقدمت عدة طلبات لسفارة مصر بأن أزور أخي وكلها رفضت دون ذكر الأسباب فعاتبت مصر بهذه القصيدة، وما أن وصلتهم حتى جاءتني الموافقة.
هل ترين القصيدة العربية مشروع مثقف؟ وإلى ماذا يحتاج الشاعر بمشروعه هذا؟
- بالتأكيد القصيدة هي مشروع الشاعر المثقف الواعي لما يجري في واقع أمته بل هو ضمير الأمة، والشعر رسالة مهمة وسلاح مهم في إيقاظ الوعي الجمعي والتعبير عن الأبعاد الوطنية والقومية والإنسانية في شعره، كان العرب قديماً يحتفلون إذا ولد عندهم شاعر، وكان الخلفاء في العصور المزدهرة يكرمون الشاعر ويجلسونه في مجالسهم، أما اليوم فالشاعر كادح وصاحب رسالة لكنه لا يلقى الاهتمام المطلوب في أغلب بلداننا العربية.
ما هي أصعب المواقف التي واجهتك كشاعرة؟
- أصعبها فقدي العراق ومغادرتي له بعد أن أهدرت دمي الميلشيات الطائفية.
من يصنع التجديد الإبداعي وماهي الحلقة المفقودة في الثقافة العربية؟
- العرب للأسف لديهم جامعة عربية لكنها لم تفعل لهم شيئاً على الرغم من كل المصائب التي يعانون منها، وللأدباء في كل بلد عربي اتحاد أو رابطة أو جمعية لكنهم ما زالوا يكدحون لتأمين عيشهم وعيش أسرهم من جهة ومن جهة أخرى يكابدون هموم الإبداع. ما سمعت يوماً أن المتنبي كان موظفاً ولا البحتري خياطاً ولا المعري عاملاً أو فلاحاً. للشاعر المبدع مكانة ووظيفة إبداعية لكنها مجانية.
الشعر يعالج قضايا وهموم الناس.. بماذا اهتممت في قضايا شعرك؟
- تناولت في قصائدي عبر دواويني الثمانية عشر الجوانب الوطنية والقومية والإنسانية، ومن يحاول دراسة تجربتي الشعرية سيجد ذلك واضحاً وبعمق.
حدثينا عن قصيدتك الشهيرة المرتبطة بسقوط بغداد.. (قصيدة لماذا بلادي تدمر)
وهل تعتبرينها نقطة انطلاق من عالم الكبت إلى عالم البوح؟
- هذه القصيدة من أولى قصائدي المقاومة للاحتلال الأمريكي للعراق، كتبتها بعد خروجي من العراق ونشرت في الكثير من الصحف والمجلات العربية، فهي صارخة ومجلجلة بوجه العدوان، تلتها بقية قصائدي المقاومة ولهذا الحين وأنا أواجه ما يعانيه العراق بقصائدي التي ضمتها دواويني التي صدرت بعد الاحتلال مثل (ويبقى العراق بكيت العراق هديل اليمام تباريح سومرية.. إلخ). لكني في كل مسيرتي الشعرية لم أكبت لا قبل الاحتلال ولا بعده، وقد اغتالت الميلشيات أخي الكبير وابن أخي وسبعة من أولاد عمي وصادروا بيتي. كل ذلك (فدوة) للعراق.
تتنفسين العراق وجعاً، وترتدينه عباءة حزن، إلى أي مدى تعيش (شاعرة الشتات) هذا الهم العربي؟ وهل كان محقاً الشاعر فاروق شوشة عندما أطلق عليك هذا اللقب؟ كإنسانة ماذا تعني لك هاته الكلمة (الشتات)؟
- بعد احتلال العراق حدثت هجرة كبيرة من العراقيين للخارج وتوزعوا في أنحاء العالم بما يسمى (الشتات) حتى أسرتي تشتت، بقيت وحدي مع ابنتي الصغرى في آخر مطاف لنا هنا في دولة الإمارات.
متى ننجز نظريتنا النقدية العربية في الشعر؟
- أرى من الصعب جداً أن يحاط الشعر أو نقد الشعر بنظرية ما، كل النظريات في الغرب لم تخدم الشاعر بل صارت وظيفة للناقد. والناقد هو الآخر لا يمكن أن يؤطر إبداعه النقدي بنظرية، أعود للشاعر فهو من خلال موهبته الإبداعية حر في تشكيل عالمه الشعري وقد يكتب قصيدة تعجز عن فهمها كل النظريات.
أهديت للجزائر قصيدة في عيد الاستقلال؟
- نعم قصيدتي (أخت روحي الجزائر) وقد نشرت في الجزائر عندكم وفي مجلة (كل العرب) التي تصدر في باريس وقرأتها في احتفال القنصلية الجزائرية في دبي، لقد أحببت الجزائر منذ طفولتي، فأبي -يرحمه الله- كان رجلاً ذا مشاعر قومية، وكان يحدثنا عن ثورة الجزائر وتضحيات الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي البغيض، وفي المدرسة كنا نردد أناشيد المقاومة الجزائرية فتلهمنا العزيمة والشوق لبطولات الجزائريين، وكبرت وكبر معي هذا الحب، زرت الجزائر عدداً من المرات.
هل فكرت في كتابة سيرة ذاتية لمشوار حياتك؟
- نعم بدأت أكتب ومشواري معها طويل وتكتنفه الذكريات الحلوة والمرة والدموع.