حين طرح الزملاء في المجلة العربية، من فريق التحرير، فكرة هذا الملف حول واقع الأمثال الشعبية، من حيث تراجع تداولها وخفوت ضوئها، وعلاقة هذا برواج مقولات الفلاسفة والحكماء والشعراء ونحوه، تبادر إلى ذهني واقع اللغة ذاتها، التي هي حاملة كلّ ما بداخلها من ثقافة وفكر وحياة وتراث وأمثال. إذ يبدو أن لغة اليوم ليست لغة الأمس، ولن تكون لغة الغد، ولعل أقرب الأمثلة لذلك يكشفه محيط أسرة مكوَّن من جد وأب وحفيد، فحتماً لن تكون معاجمهم واحدة، بل مختلفة، ومتساوقة عبر القليل من المشتركات العامة، وهي حالة طبيعية تعبّر عنها حركة الارتحال من جيل وطور وهوية وأدوات إلى خلافها باطراد، بعيداً عن مستوى أو نوع التغير إيجابياً كان أم سلبيّاً، ولعل أحدث ما نعيشه اليوم لغة الإيموجي، التي يُمكن من خلالها التعبير عن جملة مفيدة ومكتملة دون أن تنطق أو تكتب حرفاً واحداً.
وعوداً على الأمثال وما يقابلها أو يوازيها من مقولات وحكم ونحوهما، فهي دون شك وعاء ثقافي كبير حمل مراحل سابقة وخلدها لتصل إلى أجيال لاحقة، لكني أظن أن القادم لن يشهد بقاء هذا الشكل الإنساني البليغ، بل سيمضي نحو هذه البنية الرقمية التي ما يزال وجود الإنسان ذاته فيها غير مقطوع به، فها هو مصطلح (ما بعد الإنسان) بات متداولاً وشائعاً حتى لدى غير المتخصصين، والسؤال هنا ما الشكل الثقافي الذي سيحل محل الأمثال والحكم والمقولات؟ هل سيكون رقمياً أيضاً؟ هل سيكون مستنداً إلى مسميات هذه العوالم الرقمية؟ مثلما كانت الأمثال تستند إلى البيئة المحسوسة المحلية؟
أرجو أن يسهم هذا الملف في فتح شهية الأسئلة أكثر من الإجابات، وأتمنى من الباحثين والمتخصصين في كلا الحقلين؛ التقليدي والرقمي، أن يتصدوا لاستشراف الأجناس الثقافية في الحضارة الرقمية، مع يقيني بأن لكل زمن دولة ورجالاً، فمثل ما أسس السابقون، واستكمل اللاحقون، فسيواصل القادمون، وفي كلٍ خير.