أَضَعتُ العمرَ ألهثُ خَلْفَ وَهْمٍ
دعاه النُحاة.. وفاء
مضيتُ خَلفَ حَدسي
أُنقِّب عنه بين الحشود التي ألتقيها كلّ يوم
لأنتقي رهطاً مِنَ الأصدقاء
ظننتُ بأني بلغتُ مرادي
فأودَعْتهم خزائنَ قلبي
وبُحتُ لهم بأسرارِ روحي
ونمتُ قرير العين.. أحلم بالهناء.
***
وذات عامٍ عصيب
مَسَّني الضُرُّ
وحامتْ فوق رأسي غرابيب حزنٍ ثقيل
قُلتُ: لا ضيرَ.. سأطرُق باب الوفاء
فلن يخذلَني الأهل والأصدقاء
طرَقتُ طويلاً حتى عِيلَ صبري
فطال انتظاري، ولا مِنْ مُجيب
لم أكترثْ حينها
وقلتُ: هذا أمرٌ عجيب
لِمَ الناس أصبحوا هكذا؟!..
إذا أَقبلتْ.. جاؤوك مِنْ كلِّ فَجٍّ عميق
وإنْ أدبرتْ.. تواروا خلفَ الجدار
وإنْ رأَوك.. غذّوا الخُطى كأنهم لم يعرفوك
وقالوا: الحذار.. الحذار
فهذا شخص مريب.
***
وبعد حزنٍ قصير
عُدتُ إلى ما قاله الرِهطُ في السنين الخوالي
وما ضَمَّتْ رسائلُهم مِنْ هُراء
وجدتُ كلّ ما كتبوا وعوداً
وأشواقاً باهتة لا تستحقَّ البكاء
فسوَّلتْ ليَ نفسي
أنْ أمسحَ مِنْ تلافيف ذاكرتي
كثيراً مِنْ وجوهِ الأصدقاء
وطاوعتني يداي
فمزّقتُ ما كتبوا غير آسفٍ، ونَثَرته في العَراء
ووضعتُ بيني وبينهم سدَّاً
كي لا يُباغتني ماكرٌ منهمُ ذات صَفحٍ
ويطعنُني في الخفاء.