تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتراث عريق في عالم الألعاب، يمتد لآلاف السنين. واحدة من أقدم الألعاب في تاريخ البشرية هي (اللعبة الملكية لأور) التي ظهرت في الحضارة السومرية حوالي 2600 قبل الميلاد، والتي تمثل بداية اهتمام المنطقة بالألعاب الإستراتيجية والتفاعل الاجتماعي. هذا التاريخ الطويل يعكس مدى ارتباط شعوب المنطقة بفكرة الألعاب عبر العصور المختلفة.
في عالم الألعاب الإلكترونية، تتمتع منطقة الشرق الأوسط بتراث غني، يعود إلى فترة إدخال ألعاب الأركيد وأجهزة التحكم المبكرة مثل جهاز (صخر AX-170)، الذي لعب دوراً حيوياً في نشر ثقافة الألعاب في المنطقة خلال الثمانينات. وقد تطورت هذه الأسس لتصبح ثقافة ألعاب مزدهرة.
ومع مرور الزمن، أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مركزاً ناشئاً لصناعة الألعاب الحديثة، وبخاصة في مجال ألعاب الفيديو. اليوم، تشهد دول مثل السعودية، الإمارات، مصر، والأردن نمواً ملحوظاً في استهلاك وتطوير الألعاب. لا يقتصر الأمر على الشغف باللعب، بل باتت المنطقة تسعى لأن تكون رائدة في مجال تطوير الألعاب وإبداع محتوى محلي يعكس الثقافة العربية. وقد ساعدت الاستثمارات الحكومية والشركات الناشئة على تسريع هذه العملية من خلال تنظيم فعاليات وأحداث دولية للألعاب الإلكترونية.
في هذا السياق، تعد استضافة السعودية لكأس العالم للرياضات الإلكترونية في صيف 2024 خطوة كبيرة نحو تعزيز مكانة المنطقة في هذه الصناعة المتنامية. هذا الحدث الذي جمع بين أفضل اللاعبين من جميع أنحاء العالم، وعرض جوائز مالية ضخمة بلغت 60 مليون دولار، يضع المنطقة في قلب صناعة الرياضات الإلكترونية العالمية. ويعكس هذا الانتقال من الألعاب التقليدية إلى الألعاب الرقمية تقدم الشرق الأوسط في مجال التكنولوجيا واستثماره في المستقبل الرقمي.
بالإضافة إلى ذلك، تستثمر السعودية بشكل كبير في تطوير قطاع الألعاب الإلكترونية، مع خطة تشمل استثمارات تصل إلى 38 مليار دولار وتهدف إلى إنشاء 250 شركة ألعاب وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل. كما تسعى الإمارات ودبي إلى تحقيق طموحات مشابهة من خلال مبادرات تهدف إلى دعم صناعة الألعاب وإضافة قيمة اقتصادية ملموسة.
في السعودية، تلعب (نيوم) دوراً حاسماً في تعزيز تطوير الألعاب في المملكة العربية السعودية والمنطقة الأوسع في الشرق الأوسط، كجزء من خطة رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد. تعمل (نيوم) على إنشاء مدينة متطورة للألعاب متكاملة مع أحدث التقنيات والمرافق، بما في ذلك أستوديوهات تطوير الألعاب، مرافق تسجيل الصوت، وقدرات التقاط الحركة.
بالإضافة إلى ذلك، عقدت (نيوم) شراكة مع مجموعة (MBC) لتأسيس أول أستوديو تطوير ألعاب من فئة AAA في المنطقة داخل مركزها الإعلامي، لإنتاج ألعاب عالية الجودة تستهدف الجمهور المحلي والإقليمي والدولي. لدعم المواهب الشابة، أطلقت (نيوم) تحدي تطوير الألعاب بالتعاون مع إحدى الشركات الرائدة في المنطقة، وأول مطور لألعاب الموبايل في الوطن العربي (ميس الورد)، المشروع الذي يستهدف الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، ويتيح لهم فرصة تعلم وتصميم وإطلاق ألعابهم الخاصة على الهواتف المحمولة.
هذه الجهود تعكس رؤية طموحة لتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى مركز عالمي للألعاب، ليس فقط من خلال استضافة الفعاليات الكبرى، ولكن أيضاً عبر تعزيز الابتكار المحلي. يمكن للعالم العربي، بفضل تراثه الثقافي الغني، أن يستفيد من هذا التراث لتطوير محتوى أصيل يجذب اللاعبين محلياً وعالمياً، مما يخلق تجربة لعب فريدة.
يبدو أن مستقبل ألعاب الفيديو في الشرق الأوسط واعد للغاية، حيث من المتوقع أن يشهد هذا القطاع نمواً وابتكاراً كبيرين. ووفقاً لتحليلات حديثة، يُتوقع أن ينمو سوق الألعاب في الشرق الأوسط بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) بنسبة 9.4 % من عام 2024 حتى 2030، ليصل إلى قيمة تقدر بـ14.62 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030. يعتمد هذا النمو على عدة عوامل، بما في ذلك وجود شريحة كبيرة من الشباب، وزيادة إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وارتفاع استخدام الهواتف الذكية.
وسيشهد الشرق الأوسط نقلة نوعية في صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية، حيث تجمع هذه النهضة بين التقاليد القديمة والتطورات الحديثة. ومع استمرار الاستثمارات الضخمة والدعم الحكومي، يبدو أن المنطقة مهيأة لأن تكون في طليعة هذه الصناعة العالمية.