مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

وادي السيليكون.. إمبراطورية المهووسين بالتكنولوجيا

 

يمتلك الإنجليز اليوم منطقتي (سيليكون فين) و(سيليكون راوندَباوت)، ويمتلك الإسكتلنديون (سيليكون جلين). وتفتخر برلين بمنطقة (سيليكون ألي)، وفي نيويورك تجد (سيليكون ألي). ولكن الدماغ الحقيقي لعالَم التكنولوجيا هو النظام البيئي الموجود قرب مدينة سان فرانسيسكو، فرجال الأعمال والمبدعون والتقنيون الذين يعملون في (سيليكون فالي) أو (وادي السيليكون) مشغولون بإحداث ثورة في كل جوانب الاقتصاد العالمي تقريباً.
هذا المكان الذي يأخذ اسمه من مهارته في تصنيع أشباه الموصلات المعبأة بالسيليكون يعمل على إحداث تحوّل في طريقة اتخاذ الشركات لقراراتها واختيار الناس لأصدقائهم وتحركات المتظاهرين لإثارة الضجيج. تتعامل الشركات الناشئة مع المزيد من الناس، بسرعة أكبر من أي وقت مضى. فهناك شركة Airbnb ذات السبعة أعوام حيث تساعد الناس في تحويل منازلهم إلى فنادق، تعمل هذه الشركة في 34000 بلدة ومدينة في جميع أنحاء العالم. وتقوم شركات (حسب الطلب) مثل (أوبر) Uber بتغير ما تعنيه كلمة (موظف). فكما تستفيد منصات كبيرة مثل جوجل وفيسبوك وأبل من (تأثير الشبكات)، حيث يجعل كل مستخدم جديد الخدمة أكثر قيمة لجميع المستخدمين الآخرين، لذلك فإن نجاح (وادي السيليكون) كموقع لإطلاق شركة تكنولوجية وتمويلها وإمدادها بالموظفين وبيعها يعود عليه بالنفع.
ونتيجة لذلك، تمتلك الرأسمالية الأمريكية محوراً جديداً في الغرب. اعتاد (وول ستريت) أن يكون قِبْلَةً للباحثين عن الثروات وعقد الصفقات، بينما بات (وادي السيليكون) يحتل مكانه الآن على نحو متزايد. تساوي شركات التكنولوجيا فيه الآن أكثر من 3 تريليونات دولار. في العام الماضي، انضم واحد من كل خمسة خريجين من كليات الأعمال الأمريكية إلى مجال التكنولوجيا. وحذر جيمي ديمون، رئيس (جي بي مورجان تشيس)، من المنافسة المتصاعدة لوول ستريت. وعقد بنك جولدمان ساكس اجتماعه السنوي للمساهمين في سان فرانسيسكو مؤخراً.
إن الإبداع الهائل لوادي السيليكون لا يشبه أي شيء منذ ظهور المخترعين العباقرة في القرن 19 وينبغي الاحتفاء بانتصاراته، ولكن تراكم الكثير من الثروات فيه بهذه السرعة يأتي مصحوباً بالمخاطر. لقد شهدت حقبة التسعينات فقاعة مالية ذات أزمة اقتصادية مشهودة. ويتمثل الخطر هذه المرة في التقوقع، حيث يعيش المهوسون في فقاعة تحول بين إمبراطوريتهم وبين العالم الذين يفعلون الكثير من أجل تغييره، على حد وصف مجلة (الإيكونوميست) البريطانية في تقرير لها.

بطانة السيليكون
سيُضرَب الاقتصاد الأمريكي بشدة إذا ما تكررت الصدمة المالية التي أعقبت أزمة (الدوت كوم) في عام 2000. ومع اقتراب مؤشر ناسداك من مستواه المرتفع، تتنامى هذه المخاوف. ولحسن الحظ، على الرغم من تدفق الأموال والمواهب إلى الوادي، لا يوجد خطر كبير حتى الآن بحدوث أزمة اقتصادية. ويرجع ذلك إلى أن شركات التكنولوجيا اليوم تمتلك نماذج عمل أقوى من أسلافها التي تعرض لأزمة الدوت كوم (بمعنى أن الكثير منها يجني المال بالفعل) بالإضافة إلى اعتمادها على مجموعة صغيرة من الممولين.
لا تزال شركات اليوم هي شركات خاصة لفترة أطول. كانت شركات التكنولوجيا التي طُرحت للاكتتاب العام في عام 2014 عمرها 11 عاماً في المتوسط. وفي عام 1999، انتظرت أربع سنوات فقط قبل إدراج أسهمها. إن تتبُّع المستثمرين الأثرياء يعني تحمُّل المخاطر من قِبَل الأشخاص القادرين على قبول الخسائر. فمن السهل أن نأسف لانحدار شركة مساهمة عامة مدرجة (على الرغم من أن المؤسسين يحافظون على السيطرة على الأمور عند إدراجهم)، ولكن إذا لم تقم شركات التكنولوجيا بالوفاء بوعودها، ستقل احتمالات تعرض المستثمرين العاديين لخسائر عظيمة تدمر ثرواتهم.
إن البقاء كشركة خاصة يسمح لأصحاب المشروعات بتجنب الصداع الناجم عن تسعيرها ويتضمن: الإزعاج الذي يثيره المستثمرون النشطون، ومشقة الإذعان، والطقوس المقيتة للتقارير ربع السنوية. من الناحية النظرية، وجود زمرة من المستثمرين خير من حشد مجهول الهوية من المساهمين للتأكيد على أن المديرين يعملون لصالح جميع أصحاب الشركة.
لكن البقاء كشركة خاصة ينطوي على مخاطر أيضاً، منها أن الشركات ليست ملزمة بأن تعلن عن بقاء مجموعة كاملة من الحسابات المدقَّقة بعيداً عن تدقيق وفحص المحللين والبائعين على المكشوف وبالتالي تتصرف بطريقة غير مسؤولة. إن مجموعة شركات (يونيوكورن) unicorn الأمريكية- التي بلغت تقييماً قدره أكثر من 1 مليار دولار- تساوي نحو 300 مليار دولار. وهناك مخاطر مرتفعة في سوء توزيع بعض من هذه الأموال.
الخطر الآخر هو انعزال دائرة سحرية تتمتع بثروة كبيرة عن غيرها من الدوائر. وهذا خطر من نوع خاص بالنسبة لأي مجموعة تقوم بإعادة كتابة القواعد لصناعة بعد أخرى.

ثقافة تقنية تبشيرية
تستمد إمبراطورية المهووسين قوتها من ثقافة تقنية تبشيرية تمكّن أصحاب المشاريع من إعادة النظر في النظم القديمة واحتضان الجديدة. ويعتقد كثير من المقيمين في وادي السيليكون أن التكنولوجيا هي الحل لجميع المشكلات والأمراض وأن الحكومة مصدر إزعاج لا يزال يفتقر إلى الآلية المناسبة. ولذا تمتعت علاقة الجمهور بعمالقة التقنيات بالتناغم حتى الآن. يتمتع المستهلكون بالتطبيقات الجديدة وسماع الموسيقى الرقمية وبرامج التعرف على الصوت.
إن كسر الخصوصية التي تحيط بالصناعات سيؤدي حتماً إلى صراع. وتعتبر (أوبر) أكثر الشركات المتورطة في الجدل، سواء واجهت سائقي سيارات الأجرة أصحاب الرخص في الشوارع أو مطالب سائقيها الخصوصيين في المحاكم. بالإضافة إلى ذلك، تقوم الهيئات التنظيمية الأوروبية بفحص شركات مثل فيسبوك وجوجل في كل شيء بدءاً من مخاوف مكافحة الاحتكار إلى حماية البيانات. ويقدم المنظمون الأمريكيون تقارير تبحث في ما إذا كانت أبل قد أساءت في استغلال نفوذها في عالم الموسيقى.

 سباق السيليكون: كيف تغير قطاع التكنولوجيا الأمريكي منذ 1980 ؟
يرغب المنتقدون للصناعات في كثير من الأحيان الحفاظ على امتيازاتها وحمايتها، ويُعتبر سلوك المهووسون المتهور في بعض الأحيان جزءاً من التدمير الخلاّق الذي يؤدي إلى التقدم. ولكن ليس هذا هو المصدر الوحيد للغضب. يهيمن وادي السيليكون على الأسواق أيضاً، ويمتص القيمة المتضمَّنة في البيانات الشخصية، وينشئ نماذج أعمال تجني جزءاً من مالها عن طريق التهرب من الضرائب. وهناك خطر أن يشعر المستهلكون حول العالم بأنهم يخضعون للاستغلال وأن الآثار المترتبة على تقلص القاعدة الضريبية سيثير غضب الناخبين. وإذا ترسَّخ تصور بأن هناك أرباحاً هائلة من استغلال البيانات وتجنب الضرائب تتدفق إلى ثروات عدد قليل من الناس الذين يعيشون على رقعة من الأرض بالقرب من سان فرانسيسكو، فسيكون هناك رد فعل عنيف.

احذروا التراجع التقني
لا تعد شركات وادي السيلكون الوحيدة التي تقاوم الضرائب والتنظيم. فهي تفعل ما يحلو لها من أعمال في إطار القانون. ولكنها عُرضة لخطر الاستهداف لأنها تعمل في إطار عالمي. ينبغي أن تتذكر هذه الشركات أن القانون يمكن أن يتغير. فإذا أرادت مقعداً على أي طاولة وقتما تشاء، فإنها بحاجة إلى أن تكون جزءاً من الأسواق التي تبيع لها، فلا تنعزل عنها. فحتى الشركات الخاصة التي يديرها عباقرة تحتاج إلى ترخيص من المجتمع لتباشر أعمالها.
يعبر وادي السيليكون، في أفضل الأحوال، عن الحرية والإبداع والتمرد. وسيكون من العار إذا صار مجرد مظهر نخبوي معزول لا يحظى بالشعبية.

 

pantoprazol 60mg oforsendelse.site pantoprazol iv
ذو صلة