أهدتنا المجلة العربية برفقة عددها ذي الرقم 577 الصادر في مستهل أكتوبر 2024 كتاب (أعلام العزَّاب في العصر الحديث) للأستاذ أحمد العلاونة.
والعلاونة باحث صدر له عشرات الكتب، وجُلُّ اهتمامه بكتب الأعلام ومؤلفيها، فقد أصدر (ذيل الأعلام) تكملة لأعلام خير الدين الزركلي في خمسة مجلدات، و(التذييل والاستدراك على معجم المؤلفين) و(العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم) وغيرها.
وكتاب (أعلام العزاب في العصر الحديث) هو كتابه الخامس الذي نشرته له المجلة العربية، وكلها كتب منهجها ترجمة الأعلام، لكن كل إصدار يختلف عن سابقه بالصفة التي تجمع بين ما حوته دفتا الكتاب من أعلام.
فالأول الصادر مرفقاً بالعدد (500) وعنوانه (الزوجان العالمان) جمع فيه أزواجاً اجتمع لهما العلم والأدب والفكر والإبداع. وكتابه الثاني (شعراء يرسمون وقصائد تتكلم) المرفق بالعدد (516) يضم صوراً لشعراء كتبوا عليها أبياتاً من وحي تأملهم فيها، أو أبياتاً كتبها أصدقاؤهم على صورهم لما تلقوها منهم، أو طالعوها. أما ثالث الكتب فهو (المئة في تراجم من بلغ المئة) المرفق بالعدد (547) ويحمل بين طياته تراجم لمئة علم بلغوا المئة. وكتابه الرابع المرافق للعدد (559) المعنون بـ(بين الموهبة والموت) تراجم لمبدعين عرب معاصرين رحلوا ولما يبلغوا الأربعين.
وإذا عدنا للإصدار الخامس (أعلام العزاب) نجده خاصاً بتراجم لمن تُوُفّوا ولم يتزوجوا، ما عدا اثنتين استثناهما الكاتب من شرطه - وهو ألا يكون المترجَم له على قيد الحياة - معللاً ذلك بأنهما بلغتا من العمر عتياً، فتجاوزتا سن الزواج.
جاءت بعض التراجم وافية، وتضمنت تراجم بعض الشعراء منهم أبياتاً تمثل أنموذجاً لما قالوه، في حين كانت بعض التراجم في غاية الإيجاز بحيث لم تتجاوز السطرين. بل إن علماً مثل الأستاذ محمد أبا حسين - يرحمه الله - لم يكن له نصيب أكثر من سطر ونصف.
أشار المؤلف في مقدمة كتابه لأسباب امتناع بعض هؤلاء عن الزواج، فذكر من ذلك الاشتغال بالعلم، والتشدد الديني والاجتماعي، ومنها ما كان بسبب الإخفاق في التجارب العاطفية، أو لأسباب اقتصادية.
ومما استرعى انتباهي الخطأ المطبعي الواضح في تاريخي ميلاد ووفاة الشاعر أحمد الصافي النجفي، فقد ذكر أنه ولد سنة (1314) الموافق (1869) وتوفي (1379) الموافق (1977) والصحيح أن ما يقابل سنة ولادته بالتاريخ الميلادي هو (1896) وما يقابل سنة وفاته بالتاريخ الهجري هو (1397).
والكتاب يخلو من الإحالات، وبالتالي من المراجع والمصادر، وإن كان المؤلف قد أشار في مقدمة الكتاب إلى بعض مصادره، وهي كما يقول: (المصادر الموثوقة وعلاقاتي الشخصية ومعرفتي ببعضهم، والتواصل مع بعض العلماء). فضلاً عن أنه ذكر الإفادة بقدر محدود من كتاب عبدالفتاح أبو غدة (العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج).
ونبه المؤلف إلى مواقع التواصل وخطأ الركون إليها في تحصيل المعلومة، فقال: (ويجد القارئ في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي أن فلاناً أعزب وهو غير صحيح، أو أنه تزوج وهو غير صحيح، فهذه المواقع يكتب فيها من يشاء من غير معرفة أو تدقيق).
غير أن الخطأ قد يكون مصدره مقالة منشورة أو كتاب مطبوع، ويزيده رسوخاً أن يتناقل الكتّاب المعلومة دون تثبت من مصدرها. ولذا لا ألوم أستاذنا الفاضل في وقوعه في خطأ نسبة الأبيات التالية للشاعر السوداني إدريس جمّاع:
إن حـظــــــــي كـدقيــــــــق
فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة
يوم ريح اجمعوه
صعب الأمر عليهم
قلت يا قوم اتركوه
إن من أشقاه ربي
كيف أنتم تسعدوه؟
فقد نسبها كثيرون لجمّاع لما فيها من وصف مشابه لحاله. وهناك من أراد تصحيح المعلومة فنسب الأبيات للشاعر عبدالحميد الديب لما فيها من وصف لحالة البؤس التي تليق بالشاعر، فقد وجه الأستاذ عبدالعزيز بن سعد الخراشي رسالة لرئيس تحرير جريدة الرياض نُشرت في 3/3/2017 تعقيباً على مقال نُشر في الجريدة نفسها في 27/2/2016م للدكتورة فاطمة الزهراء الأنصاري بعنوان (حظك يا أبو الحظوظ) نَسبت فيه الأبيات السابقة إلى الشاعر إدريس جماع.
وما جعل الأستاذ الخراشي مطمئناً لنسبة الأبيات لعبدالحميد الديب أنه لم يعثر عليها في ديوان إدريس جماع الوحيد (لحظات باقية)، وأنها قد وردت ثلاث مرات في كتاب (الصعلوك الساخر وشعره المجهول: عبدالحميد الديب) للأستاذ محمد محمود رضوان، الذي نشرته دار الكتاب العربي في دمشق والقاهرة، وطبعته دار القبس الطبعة الأولى عام 2005م، وقدم له الشاعر فاروق شوشة، والأبيات في الكتاب المذكور الصفحات (58، 68، 406).
وذكر الخراشي أن محمد رضوان قال في دفاعه عن صحة نسبة الأبيات إن المقربين من عبدالحميد الديب قالوا إنه نظمها عام 1939م وكان عمر إدريس جماع في عمر السابعة عشرة، ولم يكن زار مصر بعد.
انحصر الخلاف في نسبة الأبيات بين الفريقين بين جمّاع والديب، وما علموا أن الحقيقة خلاف ذلك كله. فقد أشار الباحث إبراهيم الحقيل في مقال له في مجلة اليمامة إلى أن الخوارزمي (ت430) أورد البيتان الأولان في كتابه (المناقب والمثالب) ونسبهما للّبادي، وقد وقفتُ عليهما في الكتاب المذكور، بتحقيق إبراهيم صالح، دار البشائر ط1 1999 ص320 بالنص التالي:
إن رزقي كدقيق
بين شوك بددوه
ثم قالوا لحفاة
يوم ريح اجمعوه
وقد يكون أحد الشعراء المتأخرين وقع على بيتي اللَّبادي فعدل فيهما وأضاف إليهما استحساناً وتبنياً.