مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الكتابة على جدران القلوب الحية: إضافة نوعية لمشروع الكتابة

 تباينت آراء عدد من الكتاب والمثقفين ممن شاركونا الرأي حول النقلة التي يتناولها ملفنا بين أشكال التواصل الثقافي وأنماط الكتابة من العهد الكلاسيكي للكتابة الصحفية والإبداعية, ومايقابلها من وسائل حديثة تكثفت فيها المعلومة وتكدست فيها الخطابات لتتحول بحسب رأي أحد مثقفينا إلى مجرد لغو زائد أو حديث مجاني ينتظر معجزة الفرز من قبل الذائقة.. وبين من يرى فيها: أكتب.. أنشر.. أتلقى التفاعل آنيا دون انتظار، هنا المتعة أكبر وأجمل..
الكاتب المسرحي عباس الحايك, يكتب الشعر والقصة القصيرة والسيناريو ويعنى بالنقد المسرحي, من مواليد مدينة القطيف السعودية سنة 1973, كتب مقالات ونصوص إبداعية في عدد كبير من الصحف السعودية والعربية. يقول عن تغير العادات الكتابية بين المطبوعة الورقية والكتابة الإلكترونية: «من هذه النواحي لم يتغير شيء، فالكتابة هي ذاتها لم تتغير وإن تغيرت الوسيلة، فالتحضير لمقال أو نص مسرحي هي نفسها في الكتابة الإلكترونية والكتابة الورقية. ربما غاب القلم، ولكن حضور الكمبيوتر عوض عن هذا الغياب. صحيح أن القلم له ميزة المرونة، فأنت تكتب متى شئت وأين شئت، على عكس الكمبيوتر فإن له ظروفه الخاصة حتى من ناحية وضعية الجلوس. ولا أظن أن الوسيلة قادرة على تغيير أسلوب الكتابة، فالكتابة هي هي، خاصة في كتابة النص أو المقال، ولكن قد يتغير بظهور التغريدات أو الستاتوس، في التويتر والفيسبوك، الذي يملي عليك الاختزال والاختصار، فهنا لا مجال للاسترسال، ففكرتك محدودة في 140 حرفاً. هنا يتغير أسلوب الكتابة، وأجده تدريباً شاقاً على اختزال الأفكار».
متعة التواصل المباشر
أما فيما يتعلق بالعمق الثقافي للقراء يقول الحايك: «المتواصلون عبر الوسائط التقليدية كانوا أكثر عمقاً، فردودهم على المقال المنشور ورقياً كان مقالاً بحد ذاته يستحق النشر وإن كان في قسم القراء, ولكنه يستحق النشر الورقي، وهذا نادر الآن في وقت طغيان النشر الإلكتروني، فسهولة الرد، جعلت مسألة الجدل مع الكاتب متيسرة ولا تحتاج إلى فكر أو عمق، ردود سريعة سطحية تنم عن قصور فكري، هذه سمة الردود التي يمكن قراءتها في المنشور إلكترونيا. رغم أن النشر الإلكتروني أكثر تحفيزاً على المساءلة والجدال، وقد تكون عنواناً لمقالات أخرى تثري الموضوع الأصلي. ولكن المشكلة في القراء الذين استساغوا السهل». 
وحول الوسيلة الأكثر تأثيراً من وجهة نظر الحايك يضيف: «نظراً لمساحة الحرية الأكبر في النشر الإلكتروني، أرى أنه الأقدر على إحداث التغيير والإقناع، فكثير مما نشر على تويتر أو في المجلات الإلكترونية حقق التغيير خاصة في المقالات الاجتماعية والتي تتناول قضايا الناس وعلاقاتهم بالجهات الرسمية. لم نسمع في الماضي أيام النشر الورقي أن مقالاً لصحفي أثار جدلاً أو أحدث تغييراً، إذا كان هناك مستوى من الحرية في الصحافة الورقية».
ويتحدث الحايك عن ناحية الأكثر متعة للكاتب من بين الوسائل التقليدية أو الحديثة فيبين: «أصبحت المتعة الآن, بالتواصل المباشر عبر شبكة الإنترنت, لأنها اختصرت المسافات والزمان، ولم يعد من الضروري انتظار متى ينشر المقال، وهل سيرضي رئيس التحرير، وهل ستحذف منه جمل، وكيف سيكون إخراجه، أكتب، أنشر، أتلقى التفاعل آنيا دون انتظار، هنا المتعة أكبر وأجمل. وحركة التطور متواصلة، فما كان جديداً هو في الذاكرة الآن، الماضي ليس كالحاضر، وما كان مألوفاً يصير تراثاً فيما بعد. وأشكال الخطاب التقليدية ستختفي وستأخذ مكانها أشكال تواصل أخرى تتناسب وطبيعة العصر، كل شيء يتغير ولا يبقى على حال». 
التقنية إضافة وليست انسلاخاً
عبدالحفيظ الشمري الكاتب الصحفي والمشرف على عدد من الصفحات الأدبية, من مواليد مدينة حائل سنة 1959. يقول: «لم تتغير ظروف الكتابة لدي بوصفي أحد المخضرمين الذين عايشوا التجربة الكتابية وتحولاتها على مدى ثلاثة عقود تخص تجربتي الشخصية، فقد وضعت نصب عيني أن هذه الانثيالات الإلكترونية وتداعياتها المعلوماتية هي إضافة نوعية لمشروع الكتابة، بل هي تطوير لوسائل التواصل لا أكثر ولا أقل، فأنا أجزم بلا تردد أن هذه النقلة الإلكترونية ليست من قبيل التحول النوعي في المفاهيم إنما هي تحولات متطورة لوسائل ووسائط الخطاب وقنواته، لا تحمل أي ملمح للتحول الفكري أو المضمون المنهجي الذي يمكن أن يعول عليه في صياغة الفكر والمعرفة الناجزة».  
ويضيف الشمري: «تظل هذه التقنيات مجرد وسائل حولت نظام الكتابة بالقلم والورق إلى لوحة مفاتيح وبرامج وقنوات إلكترونية تسهم في تواصله مع العالم بشكل أقوى منذ قبل.. فيما المبدع الحقيقي يظل في حالة صراع وتوهج وقلق قبل الكتابة وأثنائها وبعدها.. وما يحمد للتجربة الإلكترونية أنها سهلت المهمة وجعلت من اليسير تقديم ذاتك كتابياً وإبداعياً بشكل ميسر لكنها لم تخلق أي نمط تحولي أو نشاط تطويري يركن إليه في مفهوم (قبل أو بعد) في تحولات التجربة المعرفية بوجه عام. وكما أسلفت لا يمكن أن أجزم بأن هناك أي تغيير في الأسلوب فالكتابة واحدة والتعاطي مع القنوات الجديدة إضافة نوعية عند جيل الخضرمة على وجه الخصوص.. وأنظر إلى وسائل التقنية بوصفها إضافة وليست انسلاخاً كما يتصور البعض من عهد إلى آخر، أو خروجاً من تجربة قوية إلى أخرى أقوى أو أقل، فالنشر الورقي من الكتاب إلى المجلة  إلى الجريدة حتماً ستكون هذه الوسائل إضافات نوعية تسهم في تطوير العمل وتقديمه إلى القارئ بشكل عصري يكفل زحزحة هذه النظرة التدميرية التي تسعى إلى إيقاف عجلة النشر التقليدي والتهويل من أخطار افتراضية محتملة للتجربة الكتابية والطباعية بمفهومها الحالي. ومعارض الكتاب في كل الدول لا تزال تزخر بالنشر والورقي رغم الحديث المتواصل منذ أعوام عن غياب أو تلاشي النشر الورقي !! فلم يغب الورقي إنما ظل حاضراً ومتميزاً».     
البحث عن القارئ المفترض
وحول درجة العمق الفكري لدى القراء قديماً وحديثاً يجيب الشمري: «لا يمكن أن أجسد لك أي إجابة مفترضة لهذا السؤال من الأعمق ومن الأقل عمقاً في مجال الكتابة والإبداع الأدبي؛ إلا أنني استشعر أهمية انخراط الكاتب في مشروع التطوير في وسائل الاتصال والتخاطب لكن دون تهافت أو لهاث وراء فرضية القارئ المعتبر، لأن من تظنه قارئاً هو في أساسيات وبديهيات هذه الأقنية كاتب ينتظر قراءه، فلا يمكن لنا في ظل هذه الهجمة أن نفرز بين طبقتين ونقول هناك كاتب وقارئ إنما هي خليط من هذا وذاك. وحينما نتحدث عن أهداف هذا الخطاب يمكننا أن نقف على حقيقة لمسناها وتفاعلنا معها وهي التي تتمثل في تحشيد فكرة التلقي وصنع مقاربة اتصالية ناجزة تحقق أهداف الدعوة إلى أي أمر يستشعر فيه الجيل الجديد أهمية الالتفاف حوله، وصياغة مفاهيم استرشادية تبنى على وعي اللحظة وتحول الخطاب التصاعدي حتى بلوغ الذروة، إما في مجال الكتابة أو الإبداع الأدبي فالأمر لا يزال في دهاليز الفرضية أو البحث عن القارئ المفترض في حين أن التجربة الكتابية تنتظر من هذه الهبة أو الثورة الإلكترونية مزيداً من التألق والتواصل واللحاق بركب التحول الاجتماعي الذي تفاعل معه الجميع دون أي حضور للأديب والكاتب بوجه خاص».  
ويضيف الشمري حول مقاربة لتفضيلاته بين القلم ولوحة المفاتيح: «بالنسبة للكاتب لا يمكن أن أحدد من الأقرب أو الأحب لأن العملية تظل تحولاً شكلياً يمكن أن أجعله إضافة لوسائط الطرح والتلقي حيث تستطيع ككاتب أن تنجز رؤيتك أو فكرتك أو مشروعك بسبل شكلية ميسرة».
وعن التغير في أشكال التواصل الثقافي أو أطراف الرسالة الثقافية من متلقٍ ومرسل, ينوه الشمري إلى أنه «من أقوى التحديات التي تواجه العمل المعرفي أو الخطاب الاجتماعي أنها تلغي مفاهيم (الأبوية) أو سطوة المثقف أو حضور المتعلم أو المتعالم، ليصبح الجميع في حالة من التفاعل الاستفهامي والحدسي والتنبؤ والبحث عن حلول.  إلا أن ما يحيل الأمر إلى معضلة مفاهيمية محتملة هو تكدس الخطابات وتحولها إلى مجرد لغو زائد أو حديث مجاني ينتظر معجزة الفرز من قبل الذائقة التي بدأت تهرم وتشيخ بسرعة فلم تعد هي المعيار الحقيقي لتجاوز الطرح وتجليه، بل إن الفكر قد يعجز عن ربط أو جمع أو تحليل الخطابات المتكدسة والقابلة للتهشيم والتشظي في ظل هذا السيل المتدفق من المعلوماتية والأحاديث الافتراضية التي تتداخل فيها الصور وتتشابك فيها الرؤى، وقد يقبل عليها البعض من قبيل النظرة العابرة والرؤية الوجلة التي تبحث عن ما هو سريع وحسي أو معبر عن مرحلة هشة من خطابات المفاجأة أو الطرفة أو الغرابة أو التفاعل المبني على هياج أو بحث عن الذات بأي شكل ومقابل أي ثمن». 
كتفاً أريح رأسي عليه
من ناحيتها فإن الكاتبة والقاصة فوزية الجارالله التي صدرت لها مجموعتان قصصيتان: (في البدء كان الرحيل), و(المقعد الخلفي), وهي ممن كتب المقالات التقليدية في عدد من الصحف السعودية, حيث بدأت في كتابة المقالات لصحيفة الجزيرة ثم عكاظ وبعدها مجلة اليمامة, كما كتبت في عدة مطبوعات منها المجلة العربية وجريدة الرياض, لكنها فيما بعد انشغلت في إكمال دراستها العليا, وهي تقول إن ذلك من الأسباب التي جعلت تواصلها مع الصحف التقليدية يتراجع لصالح المشاركات التفاعلية على الإنترنت, ومنها صفحتها في فيس بوك التي تقضي معها أوقات تسحبها إلى أجواء الأصدقاء والتواصل اليومي بالأفكار بعيداً عن هموم الدراسة ومسؤولياتها. 
 فهي تصف توجهها بتعبير مغاير حين تقول: «تآلفت مؤخراً مع وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك والتويتر), حتى أصبحت كتفاً أريح رأسي عليه كلما شعرت بالتعب». وتضيف: «لاشك أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم من أهم مايستغرق أحاديث الناس سواء حولها أو من خلالها. وربما لدي حالة خاصة تختلف عن أي كاتب أو كاتبة, فقد بدأت التعامل مع الفيس بوك خلال فترة انقطاعي عن الكتابة الدورية عبر الصحافة وانشغالي بدراستي إلى الدرجة التي بدأت أشعر فيها بالانعزال الثقافي ناهيك عن بعض المشاعر الانسحابية أحياناً بسبب التوقف عن الكتابة، لذا أدين بالفضل الكبير للفيس بوك الذي بدأت فيه لإعادتي إلى عالم الكتابة والتواصل مع الآخرين».
حيوية التواصل.. وجدولة الوقت
وتبين الكاتبة فوزية الجارالله: «يتميز الفيس بوك بحيويته وقدرتك على التواصل اليومي فيه مع الآخرين, وكأنما هو مطبوعتك الإلكترونية الخاصة تقدم فيها ماتشاء بالطريقة والأسلوب اللذين تريدهما، بمعنى أنك تتمتع بمساحة من الحرية فيه بدرجة أكبر بكثير من الصحافة المعتادة. هذا هو الجانب الإيجابي؛ لكن مع استمرار التعامل اليومي ينبغي الانتباه لأمر ما خاصة حين تكون كاتباً مبدعاً أمامك هدف ورسالة لابد من تأديتها, فالاستغراق المستمر في العمل على الفيس بوك يستهلك الكثير من الوقت والمجهود, وعليه لابد لك من تنظيم وقتك وجدولة أعمالك والتزاماتك، هذا إذا علمنا بأن الكتابة تحتاج إلى تركيز وترتيب للأفكار, وتتطلب شيئاً من الهدوء والعزلة مع الذات لأجل كتابة أفضل. ولعل الجميع يدرك أيضاً بأن القصة والرواية تستلزمان وقتاً وعزلة أطول لأجل صقل الكتابة والحصول على إبداع أفضل».
مشكلة الانسياق للهجة المحكية
أما فيما يتعلق بأسلوب الكتابة, فتقول الكاتبة فوزية الجارالله: «هناك اختلاف إلى حد ما مابين الكتابة عبر الفيس بوك والكتابة الأخرى (المقالية أو القصصية). الكتابة على الفيس بوك تكون أبسط وأقرب حسب الموضوع, وأحياناً يجد الكاتب نفسه منساقاً للحديث باللهجة المحلية (المحكيّة) إلى درجة تشعره بالتوجس والقلق على انعكاس ذلك على كتابته مستقبلاً. أتذكر بأنني استغرقت فترة من الوقت ريثما استطعت الاقتناع بالكتابة باللهجة المحلية، كنت أحاول استخدامها في أضيق الحدود. والكاتب حين يستخدم أسلوب الخطاب البسيط حسب اللهجة المحلية ربما تنتابه مخاوف من تأثر وتردي أسلوبه الذي عرفه القارئ من خلاله، لكن لا أعتقد أن ذلك ممكن أن يحدث هكذا بمنتهى البساطة؛ فالكاتب الجاد الذي يؤمن بهدفه ورسالته لابد له من انضباط, وإلى تعديل مساره حسب المفترض كلما أحس بأن شيئاً ما يتهدّده».
مقارنات
وفي سياق مقارنة الكاتبة بين الصحافة التقليدية والوسائط الحديثة؛ توضح القاصة فوزية: «عدد القراء في الصحافة لاشك أكبر بكثير, أدرك ذلك مثل الكثير من الكتاب, ولو لم يتواصل أكثرهم مباشرة معي. أما على الفيس بوك فيكون عدد القراء أقل بالنسبة لي أنا، لسبب توقفي حالياً عن الكتابة المنتظمة للصحافة. لكن أعتقد أن الآخرين سواء كانوا صحفيين أم كتاباً أو إعلاميين فنسبة قرائهم أكبر بكثير من الصحافة خاصة أولئك الذين لديهم مواقع على التويتر مثل: د.سلمان العودة، د.عبدالله الغذامي، د.طارق السويدان». وتضيف الكاتبة: «ومن الملاحظ أن للتلفزيون شعبية أكبر بكثير من أولئك الذين يتعاملون عبر الصحافة أو الأدب فقط, على سبيل المثال عدد التابعين لأوبرا وينفري على التويتر تجاوز الثمانية ملايين أما د.سلمان العودة فبلغ تابعوه مايقارب أربع مئة ألف، أما الكاتب عبده خال فبلغ تسعة عشر ألفاً وأربع مئة وسبع وسبعين».(هذه الأرقام حتى كتابة المقال، وهي في حالة تحديث مستمر، ولحظة إعداد الملف دخل العودة المليونية عربياً).  
وحول العمق الثقافي والفكري للمتواصلين عبر الإنترنت فتجيب الكاتبة: «غالباً الردود التي تأتيني على الفيس بوك تكون أعمق نظراً لوجود معرفة متبادلة مع البعض على الفيس بوك بالطبع، علماً بأني أحرص مؤخراً على قصر قائمة الأصدقاء عبر الفيس بوك على ذوي الأسماء الصريحة. أما في الصحافة الإلكترونية فغالباً يتم إبداء الآراء من قبل القراء والكثير منهم غير متخصص أو لا يكتب بأسماء صريحة». وتنوه الكاتبة: «ربما يحدث بعض المجاملة مع بعض الكتاب والكاتبات بسبب المعرفة المباشرة أحياناً، لكن ذلك أيضاً يمكن أن يحدث عبر الصحافة والأدب المنشورة عبر الوسائل التقليدية المعروفة».
ليس إلا أنت والقلم
وحول الوسيلة الأكثر إثراء وتحفيزاً لها تبين الكاتبة فوزية الجارالله أن ذلك يكون غالباً عبر «قنوات التواصل الاجتماعي، ويأتي التويتر في المرتبة الأولى». ولم تغفل الكاتبة الميزة التي تمنحها وسائط الإنترنت التفاعلية, فتقول: «مساحة الحرية على الفيس بوك والتويتر أكثر منها في الصحافة», لكنها تبين أن الأكثر متعة وقرباً إلى نفسها هو «كتابة مقال في جو هادئ, حسب الأسلوب التقليدي القديم. لسبب مهم وهو ضمان التركيز لعدم وجود أي صوت أو تواصل مع العالم الخارجي لحظة الكتابة، ليس إلا أنت والقلم».
الورقة يمكن أن تضيع
الكاتبة السعودية ليلى الأحيدب صاحبة المجموعة القصصية (البحث عن يوم سابع- 1997), ورواية (عيون الثعالب 2009), وهي كاتبة تشارك في العديد من الفعاليات الثقافية داخل المملكة وخارجها, تقول: «لنبدأ من الورقة أولاً، الورقة مادة يمكن أن تضيع في زحام الأشياء حولك، وضياع ورقة أو اختفاؤها يعطل مشروع الكتابة, وبالتالي يعني ضياع الوقت. والتقنية وفرت لي شخصياً أن أحفظ ما أكتب عبر أكثر من وسيلة، أجد هذه الورقة في (فلاش صغير) في إيميل معلق في الفضاء، كما أن عملية (المنتجة) من تغيير في المفردة أو تقديم حدث على حدث، سهل جداً. أما ورقياً فالمسألة معقدة وطويلة. باختصار الكتابة الإلكترونية سهلت لي عملية الكتابة وجعلتها أبسط وأكثر».
بعد هذا تبين الكاتبة ليلى الأحيدب: «لا أعتقد أن تغيير الوسيلة له علاقة في تغيير أسلوب الكتابة. فالكتابة تتغير بتغيير الوعي والتجربة الحياتية، وسائل التقنية مجرد أدوات تتواءم مع مزاجات الكاتب النزقة».
وفيما يتعلق بمحور العمق الفكري بين المتواصلين عبر الوسائل التقليدية والواسائل الحديثة تقول الكاتبة: «لنتفق أولاً أن العمق الفكري سمة شخصية لا يمكن وصف فئة بها وفقاً لطريقتها في التواصل مع الكاتب. العمق والتسطح موجودان في كل الفئات بغض النظر عن وسيلة التواصل. لكن لايخفى على كل متماس مع هذه التقنية الإلكترونية أنها تفاعلية وردود المتواصلين مع الكاتب تثريه حتى من أولئك السطحيين الذي يمرون ويتفاعلون مع ما يكتب».
وعما إذا كان هناك تباين من وسيلة إلى أخرى في إيصال الرسالة الثقافية تقول ليلى: «إذا كنا نتحدث عن إحداث تغيير أو إقناع بفكرة ما فتلك مسألة أكثر تعقيداً من مجرد المفاضلة بين تغريدة في توتير أو مقال منشور في جريدة ورقية، إحداث التغيير مسألة كبرى، لكني أرى أن وسائل التواصل الإلكترونية تحقق الانتشار والانتشار وسيلة من وسائل إيصال الفكرة. لكن السؤال: هل يساهم  انتشار فكرة ما على إحداث  تغيير!! هذا بحاجة إلى تحليل أعمق».
قلمي لوحة المفاتيح
وعن الأقرب إلى نفس الكاتبة بين وسائل التواصل المختلفة تبين ليلى الأحيدب: «أنا لم أعد أمسك قلماً لأكتب! قلمي هو لوحة المفاتيح في جهازي المحمول. والحمد لله للكاتب الآن أكثر من وسيلة للتواصل مع كافة الشرائح, فالمجال متاح له ليكتب مقالاً في جريدة يقرؤها الذين لايزالون يفضلون قراءة الجريدة ورقياً، ويتاح له نشر مقاله نفسه في وسائل التواصل, ويحصل على ردود الأفعال مباشرة من أؤلئك الذين يفضلون القراءة عبر الإنترنت».
التغريدات لم تغير شيئاً
وحول النظرة القائلة بتغير أشكال التواصل الثقافي توضح الكاتبة: «التقنية أداة، ولها سياقاتها المختلفة شكلاً ومضموناً عن الخطاب التقليدي، ومن يعتقد أن هذه الأداة قادرة لوحدها على تحويل شكل التواصل من رأسي إلى أفقي فهو مخطئ . تحويل شكل التواصل أو التبادل الثقافي من رأسي إلى أفقي يحدث في المجتمعات الأكثر انفتاحاً ووعياً وحرية. وأسألك ماذا فعلت تغريدات أو كتابات المثقفين (النتيين) التي تنتقد جهاز الوزارة بالصوت والصورة واللغة؟ هل حولت الخطاب في المؤسسة الثقافية من رأسي إلى أفقي!! لا أظن ذلك». 
ثورة في توجه المثقفين
زينب الخضيري قاصة وكاتبة عامود أسبوعي في جريدة اليوم, تعرض سيرتها في مدونتها الخاصة بطريقة مختلفة, حيث أنها مولودة في «مدينة  التفكير بصوت عالٍ, آتية من خبايا مدينتي الضاجة بالتفكير دون تذكرة أو هوية أو جواز سفر». وعن عمرها تعرّف: «تائهة بين حماس الشباب وحكمة الكبار , صغيرة على الحزن وكبيرة على الشكوى». وهواياتها: «الكتابة على جدران القلوب الحية«.. أما أصدقاؤها كما تعرفهم في مدونتها فهم: » كتابي وكمبيوتري هما أصدقائي مع وحدتي المختنقة بالحب».
 وحول محاور قضيتنا تقول زينب الخضيري: «الكتابة هي الكتابة لا نستطيع أن نجزئها أو نغيرها لمجرد الانتقال من الوسيلة الورقية إلى الوسيلة الإلكترونية , فقط قناة الاتصال تغيرت من ثابتة إلى متحركة متسارعة, وهي لا شك قفزة كبيرة في وسيلة التواصل مع القارئ, وهذا فعلاً يختصر الوقت لمعرفة رأي القراء فيما يطرحه الكاتب, والتفاعل بشكل مباشر بعيداً عن الوسطاء, أيضاً لا يُلزَم الكاتب بوقت معين من أجل أن يطرح أفكاره أو نصوصه فلديه حرية في اختياره لتوقيت طرح مواضيعه, إلا إن كان ملتزماً مقدماً مع مؤسسة معينة, ولكنه لا يختصر الوقت في عملية التحضير لكتابة موضوع ما, فهذه تعتمد على الكاتب وطقوسه في الكتابة».
وتضيف زينب: «الوسيلة الإلكترونية أعطت سقفاً عالياً من الحرية والمساحة, ولكن لابد للكاتب من أن يتقن المهارات الأساسية في الإعلام الكلاسيكي (التقليدي), فالأدوات لا تختلف ولكن الوسيلة هي المختلفة, الذي تغير هو الأفكار المطروحة, فالإعلام الإلكتروني لا يخضع لشروط معينة تمليها المؤسسة الإعلامية الرسمية, كما هو معروف في الإعلام الكلاسيكي, لذلك بات طرح مواضيع اجتماعية وحقوقية هو السائد في الإعلام الإلكتروني, وهذا يعتبر ثورة في توجه الكُتّاب وغيرهم من المهتمين. وحرية الكتابة للكاتب الإلكتروني ترتبط بشخصيته وبشكل الحرية التي يرسمها وفق تصوره, فكل شخص يكتب عبر وسائل إلكترونية يعتبر بمثابة مؤسسة إعلامية صغيرة تقدم أفكاراً وأخباراً مستقلة».
أما عن طبيعة العمق الفكري في المطروح  بين الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة فتبين زينب الخضيري: «العمق الفكري لا نستطيع الحكم عليه وتعميمه لمجرد تغير وسيلة التواصل, فالقراء من مختلف شرائح المجتمع فيهم العميق والسطحي, المنفتح والإقصائي, أيضاً لانهمل فكرة أن البعض يكتب كثيراً ولكن لا يقول شيئاً. ودور الكاتب هو الاستمتاع بالاختلاف والاستفادة منه لا الحكم على الآخرين ومدى هشاشتهم أو عمقهم. والكاتب الذكي يستفيد من كل شيء حوله لتطوير أدواته الكتابية وأطروحاته الفكرية, فالقارئ هو شريان يغذي الكاتب».
مصداقية الصحافة التقليدية 
وتوضح فيما يتعلق بما يحدث تغييراً فعلياً أن الذي «يُحدث تغييراً من وجهة نظري هو عمق ومصداقية النقد بعيداً عن التشنج أو الطابع الفضائحي, والملاحظ أن الصحافة التقليدية لا زالت تتمتع بمصداقية أكثر من الصحافة الإلكترونية, فالاستجابة عند نقد جهاز حكومي أو غيره تكون أسرع في الصحافة التقليدية, وهذا يرجع  لكونها مؤسسات إعلامية رسمية تخضع لسياسة معينة».
وحول الوسيلة المفضلة من وجهة نظرها تقول الكاتبة زينب: «كلاهما ممتع إذا توافر الحافز والرغبة والحماس في التواصل, حاجة الإنسان لمعرفة ذاته تتطلب أن يتعرف عليها من خلال الآخرين سواء أكان التواصل في مقال للصحيفة أم عبر الإنترنت. أما اختيار وسيلة التواصل فيرجع إلى نوعية الموضوع المطروح ومدى حساسيته, والوقت الذي طرح فيه, فبعض القضايا تتطلب الخوض فيها مباشرة وإبداء الرأي وطرح الحلول, وبعضها لا يؤثر الزمن فيها بشكل كبير, لذلك التواصل يعتمد على حسب نوع القضايا المطروحة ومدى أهميتها بالنسبة للكاتب».
الثقافة منظومة
وعن رأيها في تغير أشكال التواصل في الرسالة الثقافية فتقول: «تراجع أشكال الخطابة التقليدية ليس بسبب عصر الصورة, بل بسبب إهمال المختصين لها. أما اختفاء أشكال التواصل الرأسي (خطاب موجهة من أعلى إلى أسفل) إلى شكل جديد يكون فيه التبادل الثقافي أفقياً هذا مرهون بتقييمنا للإعلام الإلكتروني الرقمي ومدى اعتمادنا عليه, وقوة تأثيره على المستوى السياسي والاجتماعي, وهو عبارة عن تواصل غير رسمي يخترق الأفقية والرأسية, والتبادل الثقافي يفترض أن يكون من جميع الجهات, شرقاً من المثقف نفسه إلى غرب القارئ, وجنوباً من المسؤول إلى شمال تحقيق مسؤولياته تجاه مستحقيها. فالثقافة منظومة مجتمع متكاملة وليست مرتبطة بأفراد».
 كتابة فورية وتفاعلية
وإذا انتقلنا إلى من لمع نجمهم في عالم الكتابة الإلكترونية مع تجارب سابقة متواضعة في الكتابة التقليدية نجد الكاتب عادل محمد عبده تجاوز عدد المشتركين في صفحاته الفيسبوكية أكثر من عشرة آلاف صديق منهم 1500 مشترك في التحديثات اليومية, ولأن صفحات الفيس بوك لاتسمح بأكثر من 5000 في الصفحة الواحدة فنجد الكاتب قد خصص صفحة شخصية رئيسة له إضافة إلى صفحة ثانية, فضلاً عن إنشاء صفحة معجبين باسمه.
هذا التعدد والكم الكبير من المشتركين والأصدقاء يفسر عزوف الكاتب عن الصحافة المكتوبة حيث كان سابقاً يكتب مقالات لعدد من الصحف التقليدية. 
ويفسر الكاتب عادل عبده ذلك بأنه «تغير شيء كثير, كانت الكتابة و كأنك تراسل شخص لا يعبرك أو لا يجيبك, تكتب المقال ومن الصعب رؤية ردود الأفعال أو أثر مقالك, وإن وصلت ردود للصحيفة على المقال نادراً ما تخبرك الصحيفة أو تنشر الرد».
ويضيف: «في السابق كان المقال يرسل بالبريد أو فاكس, وأحياناً تتعقب المقال فلا تعرف إن وصل أم لا, وتكرر الإرسال عدة مرات. وكانت جميع المقالات مطبوعة على الطابعة. أما في مواقع الإنترنت فالكتابة فورية, وبدون مقص الرقيب, وبدون بتر للمقال من أجل المساحة, أو إخفاء جزء منه, أو التغيير عليه». موضحاً: «الآن نكتب مباشرة في الإنترنت ونرى ردود الأفعال فورية من تعليقات أو نقل, بينما كان في السابق الجريدة قد ترمى ومن الصعب أن تجدها في اليوم التالي, لكن في الإنترنت جميع مقالاتك وأفكارك محفوظة, ويمكن الوصول إليها بسرعة, وفي أي وقت».
متابعة الجهات الرسمية للإنترنت ضعيفة
ويقارن الكاتب بين الوسائط الورقية ووسائل التواصل الحديثة, فيقول من حيث أعداد المتواصلين فإن «الإنترنت بكل تأكيد فيها تفاعل كبير وسريع جداً». أما من ناحية العمق الثقافي والفكري للمتفاعلين فيبين أنه من خلال التفاعل الذي يجده من قراء صفحته الآن فإن هناك «أصحاب فكر متفتح ومستنير», مؤكداً أن هؤلاء المتابعين يضيفون للكاتب إثراء موضوعياً وتحفيزاً على المشاركة بأفكار تثيرها مداخلاتهم, «فالتفاعل فوري, وفيه أخذ وعطاء وحوارات وتعليقات تثري الفكر». وفيما يتعلق بتواصل المستهدفين من مسؤولين خصوصاً في المقالات ذات المنحى الإصلاحي كانتقاد جهاز حكومي أو خدمة معينة؛ يشير الكاتب إلى أنه ربما لاتزال المقالات في الصحف التقليدية لها صدى أكبر عند المسؤولين, ويفسر سبب ذلك بأن «متابعة الجهات الرسمية للإنترنت ما زالت ضعيفة جداً».
الإنترنت خياري المفضل
ومن ناحية قرب هذا النوع من الكتابة التواصلية إلى نفس الكاتب مقارنة مع كتابة المقالات للصحف؛ يوضح الكاتب عادل عبده أن التواصل عبر الإنترنت والصفحات الخاصة بها هو خياره المفضل في الكتابة, مبيناً أن الإنترنت أكثر متعة وقرب إلى نفسه «لكونه تفاعلياً أكثر, وفيه تواصل مباشر مع القراء و متعة كبيرة».
ذو صلة