(الوسائط الإلكترونية) نافذة جديدة يطل من خلالها المثقف على الجمهور، بيد أن المتابع يجد أن فئة محددة من الكتاب –لاسيما المتقدمين في العمر– لا يتكّئ كثيراً عليها، ويكتفي باتخاذها زاوية له لإعلان عن نشاط أو إصدار جديد، أو صورة أعجبته، فيما يكون رصيده من الأصدقاء الافتراضيين (المشتركين) عدداً محدوداً وبسيطاً يقتصر على بعض المعارف.
ورغم انتشار الصحف والمجلات والكتب، فإن وسائل الاتصال الاجتماعي على الإنترنت، والوسائل الإلكترونية، تجاوزت بكثير الصحافة الورقية، واستطاعت أن تمد الجسور بين الجزر الثقافية العربية وترفع من مستوى التفاعل فيما بين المثقفين العرب والجمهور، بعد أن كانت الصحف والإصدارات الورقية بمختلف أشكالها والملتقيات تعدّ إحدى الطرق للتواصل بين النخب من جانب، والجمهور من جانب آخر.
في المقابل, ثمة من لا يحسن استخدام هذه الوسائط، ولا يميل إليها، وينظر إليها بعين الريبة والشك، منطلقاً من منظور ستيني–سبعيني فائت من القرن الماضي يقول إن هذه (أدوات معولمة) تقتل الأدب والفن وتسلعه، وتجعله تحت مظلة الغرب، وإن كانت هذه الفئة شبه معدومة، وتثير برأيها هذا جانباً من الطرافة!.
التطور يرتبط بالحالة الثقافية
زياد الجيوسي (مواليد 1955م) قاص وكاتب ومصور فتوغرافي، يؤكد أن هناك تغيرات في العادات الكتابية وطقوسها تختلف في حال المقارنة بين (الإلكترونية) و(الورقية)؛ فالكتابة الإلكترونية ثورة في عالم تطور بشري يأتي ضمن مراحل مختلفة، والثورة الرقمية لها تأثير كبير في حياة البشرية، فهي أحالت العالم إلى كرة صغيرة بين يدي كل من يتقن التعامل معها، وعبر التاريخ شهدت مراحل التطور ثورات لها علاقة بالجانب الثقافي والفكري, وشكلت قفزات في عملية التطور، فقبل اختراع الأبجدية عبر الإنسان عن آرائه وما يجول بفكره عبر النقش والرسم، وهذا ما تم اكتشافه على جدران الكهوف التي سكنها الإنسان البدائي، ومنذ اختراع الرموز والحروف الأبجدية بأشكالها المختلفة، استخدم الإنسان وسائل مختلفة للتوثيق، فمن النقش على العظام والحجارة وجدران المعابد، وصولاً لاستخدام الجلود بعد دباغتها، مروراً بالألواح النحاسية والبرونزية، وكان كل نمط من وسائل التوثيق يشكل ثورة عن الأسلوب السابق، وحين تم اكتشاف واستخدام ورق البردي كانت نهضة كبيرة وثورة حقيقية في عمليات التواصل والتوثيق، حتى كانت الثورة الحقيقية والتي غيرت من مسار البشرية حين تم اختراع واكتشاف صناعة الورق والطباعة، وما زلنا نعيش في المرحلة الورقية.
ونظراً إلى كون الجيوسي كاتباً متنقلاً بين الأردن وفلسطين، ويهمه المكان والكتابة عنه، فقد أصبح الاستعداد لزيارة المكان والحصول على المعلومات المتعلقة به سريعاً جداً في ظل الثورة التقنية، مقارنة مع الفترات السابقة التي كانت تستدعي الذهاب للمكتبات ومراجعة العديد من الكتب والمجلدات للوصول للمعلومة، إضافة لسرعة الكتابة من حيث أن الحاسوب المحمول صغير الحجم أصبح يرافقه في الكتابة مباشرة دون المرور على الورق وإعادة الطباعة من جديد.
ويتابع صاحب كتاب (فضاءات قزح): لذا فإن الكتابة الإلكترونية تؤثر تلقائياً على أسلوب الكتابة، والكتابة الورقية تأخذ وقتاً طويلاً وجهداً غير قليل، بينما الكتابة الإلكترونية تحتاج وقتاً أقل ويمكن مباشرة لمن يتقنها وخاصة في سرعة الطباعة أن تترافق أفكاره مع سرعته ويكتبها مباشرة، إضافة لقلة الجهد المبذول في الإضافات، فمثال ذلك أن كتاباتي تترافق مع الصور التي تلتقطها عدستي، وهذا كان يستحيل في الكتابة الورقية إلا من خلال مطبعة متخصصة، والآن لا تأخذ عملية إضافة الصورة إلا دقائق معدودة وتصبح متلازمة مع المقال، إضافة لمسائل أخرى مثل إضافة المؤثرات الصوتية وغيرها من وسائل التوضيح.
التفاعل الورقي شبه معدوم
وحول عمق التواصل الفكري، يرى الجيوسي أن المسألة ترتبط بطبيعة المتواصلين، ففي الصحافة الورقية يكاد يكون التواصل شبه معدوم، فلا يتاح للقارئ الرد بحرية ونشر رده، بينما عبر وسائط التواصل الإلكتروني تختلف المسألة تماماً، فالرد والمناقشة سهلة ومباشرة، وتمكن القارئ من نقل وجهة نظره بسرعة قصوى وتلقي الرد عليها، علماً أن التواصل عبر الندوات والأمسيات الأدبية أيضاً هو في غاية الأهمية، كونه يكون مباشراً بين متلقي الحديث أو القراءة وبين الكاتب، مما يعطي حميمية للحوار، وعبر الحوارات والملاحظات إلكترونياً أستفيد كثيراً، وتمثل هذه الملاحظات وخاصة من المثقفين والمفكرين والأدباء إضافة للقارئ العادي، وإثراءً موضوعياً وحافزاً على المشاركة بأفكار القراء، وحقيقة هذه المشاركة سبق أن منحتني الكثير من الأفكار.
وفيما يتعلق بأيهما يحقق أهداف الخطاب، عبر الإقناع أو إحداث تغيير ما, خصوصاً في المقالات والكتابات ذات المنحى الإصلاحي كانتقاد جهاز حكومي أو خدمة معينة، يؤكد أن التواصل والنشر الإلكتروني في عصرنا الحالي أصبح أكثر تأثيراً على تحقيق الهدف من الانتقاد الموجه، فكثير من المسؤولين وأصحاب القرار أصبح لديهم عاملون متابعون لكل ما ينشر إلكترونيا عن مؤسساتهم، وبعضهم لا يغفل الصحافة الورقية، لكن انخفاض حجم التوزيع للصحافة الورقية، جعلهم يتابعون النشر الإلكتروني لأنه يصل للآلاف في لحظة، وهذا خفف من المقولة المعتادة (ما في أحد يقرأ ورق)، وردود الفعل أصبحت سريعة وهذا حصل معي شخصياً، ففي أحد مقالاتي نشر ورقياً لم أجد ردة فعل، لكن حين نشر إلكترونياً وصلتني أربعة اتصالات بسرعة من أصحاب القرار الذين انتقدت أداء المؤسسات التي يقودونها، وجرى إصلاح الخلل بسرعة.
وحول صفحاته الإلكترونية، في الفيس بوك يبين الجيوسي: يوجد لي صفحة شخصية تحمل اسمي بالعربية (زياد جيوسي)، وهي الصفحة الثانية التي أنشئها بعد أن وصلت صفحتي الأولى إلى الحد المسموح به من الإضافات (وصل العدد بها إلى 5000 مشترك ولم تعد الإضافة ممكنة)، علاوةً على مجموعة بريدية تحمل اسم (الكاتب الفلسطيني زياد جيوسي وعدد المشتركين بها 3500 عضو), وقد أنشأها قراء لي من طلاب جامعة فلسطين التقنية، وكذلك هناك مجموعة أخرى أنشئت من خلال قارئة جيدة تحمل اسم كتابي (أطياف متمردة). فيما لم يتعامل الجيوسي مع موقع (التويتر)، ولم يقم بإنشاء موقع شخصي حتى اللحظة، ولا يوجد لديه إلا مدونة وصل عدد زوارها إلى ما يقارب 340 ألف زائر.
وقت أكثر للقراءة الإلكترونية
ليانة بدر روائية ومخرجة أفلام وثائقية (مواليد 1952)، ترى أن الأجهزة الإلكترونية لم تغير في عاداتها الكتابية شيئاً، وتضيف في حديثها لـ(المجلة العربية) أنها منذ زمن طويل وهي تكتب على آلة كاتبة كهربائية، ومن ثم استبدلتها بالكومبيوتر كالجميع، «لكن الكومبيوتر يصيبني بالتشتت بسبب سهولة فتح ملفات جديدة مما يجعلني أقع في خضم أعمال متعددة».
وتضيف صاحبة رواية (نجوم أريحا): «قراءة نوعية المادة التي توفرها وسائل الاتصال الإلكتروني سريعة، وسهلة الوصول، ولذا ربما صرت أصرف وقتاً أكثر على القراءة الإلكترونية عما قبل. هنالك منابر ثقافية كثيرة، وقد يضيع وقت كثير قبل أن أعثر على مادة جادة ونص مهم، وربما صرت أنتزع من وقت مشاهدة التلفزة كي أقرأ أخباراً ومتابعات سياسية مباشرة قد تصل أسرع على الشبكة الإلكترونية من الصحف اليومية. لكني في كل هذا لا أتخلى عن الكتاب، وعن الصحف اليومية وعن المنابر الإلكترونية؛ ففي كل منها وظائف مختلفة لا يقوم بها المنبر الآخر».
متعة الكتاب الورقي
وتتابع بدر: «الكتاب الورقي يوفر متعة فكرية ووجدانية عالية لأنه يضع القارئ في موضع التأهب لاستيعاب النص وتأمله. الكتاب يحمل نكهة لا يعوضها أي شيء، ولا يهم كيف يمكن قراءته سواء على ورق أم جهاز قراءة، ولكن المهم أنه كتاب متكامل. بينما الصفحات الإلكترونية تعاني من التشوش والانقطاع، وعدم التسلسل في أحيان كثيرة. الفرق بينها شاسع كما أرى، ولا يمكن إلا لنصوص قليلة أن تخترق هذا الحاجز».
وحول مسألة التغيير، تؤكد صاحبة رواية (عين المرآة): «الوسائط الإلكترونية قد تكون أشد فعالية من الكتب التي تستغرق الوقت الكثير للوصول. ولكني أعتقد أن المهم هو فعالية الكتابة ذاتها»، مشيرةً إلى أنها تكتب زاوية أسبوعية في جريدة الأيام الفلسطينية وفي مجلة الطريق، وتصلها تفاعلات القراء باستمرار دون النظر إلى كيفية قراءتهم لها سواء إلكترونياً أم ورقياً.
وفيما يتعلق بالنشر الإلكتروني، تقول: «بالنسبة لي لا أنشر نصوصاً أدبية على موقعي في (الفيسبوك) بل أنشر فيه مقالاتي الأسبوعية، لأنني أعتقد أنه ما دامت كتبي متوافرة في المكتبات فلست بحاجة لنشرها إلكترونياً، عدا عن أن دور النشر أصلاً صارت تفكر في إنزال الكتب ذاتها إلكترونياً. ولا أنظر إلى عدد الصداقات في موقع الفيس بوك، بل أنظر إن كانت هنالك أمور مشتركة تجعل من هذه الصداقة مثمرة، لهذا أنظر إلى المهتمين بالمتابعات الثقافية وإلى أهل الكتاب أولاً. فأنا منهم، أولاً وأخيراً.
وتختم حديثها حول سؤالنا لها عن (موقعها الإلكتروني)، فتشير إلى أن وقتها لم يسمح لها بإنشاء هذا الموقع، وترى أن وسائل الاتصال كافية ورقية كانت أم إلكترونية.
القدس مدينتي
وداخل صفحة بدر على الفيس بوك، نشرت إعلاناً دعائياً لفيلمها الوثائقي الأخير (القدس مدينتي)، نال 70 إعجاباً و40 تعليقاً و22 مشاركة.
تجارب شبابية
تعد الكاتبة والشاعرة الأردنية الشابة إحسان الفقيه أنموذجاً لجيل الشباب أصحاب الإبداع الإلكتروني ممن كانت نصوصهم الإلكترونية سبيلاً إلى شهرتهم وتزايد أعداد المعجبين, إذ استطاعت بنصوصها الإبداعية القصيرة أن تجتذب آلاف المعجبين في صفحتها على فيس بوك, وهو مالم يتحقق حين خاضت الكتابة التقليدية في مقالات سابقة لها في صحيفة الدستور. نصوصها القصيرة ذات اللغة المكثقة مناسبة للأجواء التفاعلية خصوصاً حين تكتب المقطوعات النثرية القصيرة التي تناسب السرعة والجانب التفاعلي اللذين تتميز بهما الكتابة عبر الإنترنت.
النت أفادني كثيراً
وتبين الكاتبة في حديثها لـ(المجلة العربية) أنها استفادت كثيراً من الإنترنت, وتقول إنها رغم مشاركتها في العديد من مهرجانات الشعر في الأردن ومصر.. إلا أنها لم تكن معروفة سابقاً لآلاف القراء الأردنيين ولعشرات من العرب.
وتضيف الكاتبة: «إن الفيس بوك أولاً, والموقع الإلكتروني لصحيفة دنيا الرأي ثانياً؛ كانا بمثابة والدين رائعين لي», وتضيف: «الفيس بوك منحني القدرة على التواصل المباشر وبخواطر أو نصوص قصيرة لا تتجاوز 420 حرفاً, وكنت أكتب بأسلوب مكثف, وأعود أكثف أكثر وأكثر, وأعيد الصياغة أحياناً عشرات المرات كي لا أتجاوز الـ420 حرفاً».
وتبين الكاتبة أن المواقع التواصلية تمنحها القدرة على تنويع الموضوعات إضافة إلى اختيار الأسلوب والقالب المناسب للحظة.. لكنها تؤكد «هناك خطوط حمراء لم أتجاوزها يوماً ما , فلم أنافق يوماً لا لزعيم عربي, ولا لنظام عربي».
وتبين أن موقع (دنيا الرأي) الإلكتروني هو صاحب الفضل في تكوين شبكتها فيما بعد عند انخراطها في المواقع التفاعلية خصوصاً الفيس بوك الذي تصفه بقولها: «أحس أن الفيس بوك بمثابة ثقب صغير ولكن هو المصدر الوحيد لكل من الهواء والنور, وأسماء أناس رائعين, أملك أنا وحدي قرار غربلتهم بإقصائهم من عالمي أو التفاعل معهم أو الاكتفاء بوجودهم كقراء واعين لهم أسبابهم حين لايتواصلون معي أو لايكتبون تعليقاتهم أو لايوقعون مرورهم ولو بنقرة إعجاب سريعة».