مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الشعراء والفيسبوك

غدا عالم الفيسبوك الافتراضي واقعاً، يتأرجح ما بين اعتباط معتمد على العبث في بث الآراء وحتى الإساءة إلى أفكار معينة, ومابين واقع منتظم يبعث على الدفء والرضا, لما لهذا الكائن الإلكتروني من إمكانية في إتاحة فرصة التواصل وتبادل الآراء. فبعد أن كان النشر الإلكتروني والكتابة عبر لوحة المفاتيح المتجردة من كل إحساس أمراً مرفوضاً لدى العديد من الكتاب والشعراء والمثقفين؛ بتنا اليوم وبعد ظهور الفيسبوك نجد الشعراء ينشرون عبر هذه المساحة الواسعة كل ما يجول في ذواتهم عبر سؤال الفايسبوك الدائم (ما الذي يخطر في بالك).
وأصبح بالإمكان العثور على أي شاعر مهما بعد مكانه على هذه المساحة, وتبادل أطراف الحديث معه، عبر هذه المسافة يكتب الشعراء كل ما يجول في خواطرهم لحظة التصفح والاطلاع.. نجد شاعراً قد عثر لنفسه وهو في عزلته على مساحة يصرخ فيها ويدلي بآرائه لأشخاص بعيدين قريبين, بعيدين بحكم المسافة وقريبين بحكم هذا الكائن المدعو فيسبوك. لكن والحالة هذه هل يمكن أن ننسى آراء بعض المثقفين منذ فترة ليست بعيدة؟ ذلك الرأي الذي انتشر لفترة طويلة جداً وهو رفض معظم الكتاب والشعراء والمثقفين لفكرة الكتابة باستخدام لوحة المفاتيح المتجردة من كل إحساس وفق رأيهم.. وعدم تحمل فكرة الاستغناء عن القلم والورقة البيضاء.. في هذا السياق توجهنا بمجموعة أسئلة إلى العديد من الشعراء والمثقفين العرب حول فكرة انتشار استخدام الشعراء للفيسبوك. كانت الآراء مختلفة حول هذا الكائن الإلكتروني.
الروائية السورية هيفاء بيطار توجهنا إليها بسؤال عن نظرتها إلى الفيسبوك واستخدامه فأجابت: يعني لي أن باب القفص الذي أعيش فيه أو بصراحة السجن الكبير الذي نعيش فيه قد فتح وسمح لنا بالتنزه للحظات كي نلتقي بعضاً نحن الغرباء والأصدقاء جداً, لأنه لا توجد حرية أكبر من الحرية مع الغرباء الذين يصيرون أصدقاء بلا تحفظ ولا حدود بواسطة تلك الشاشة الحنونة وغير الخاضعة لرقيب نتبادل الأحاسيس ونختلف ونتفق، والبعض يشتم البعض والبعض يحذف البعض, ولكن المهم هو هذا التفاعل الوجداني العميق بيننا كبشر يجمعنا شيء واحد مهما اختلفنا ألخصه بعبارة: (ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا).
أما الشاعرة انتصار سليمان فكان لها جواب مغاير تماماً تطرقت فيه إلى انعدام الشعرية في الكثير من تعليقات الفيسبوك: تقول: أعتقد أن هناك الكثير ممن يكتبون على صفحاتهم تحت عناوين مختلفة ولكنني أرى أنها لا تمت للشعر بشيء, وهذا لا يعني أننا نرى ذلك في المجموعات الورقية أو الصفحات الثقافية, ولكنها بصورة أقل بكثير من هذا الاستسهال المخيف فعلاً لتشويه الذائقة ولا أستطيع أن أحكم على نسبة التشويه لأن الذائقة السليمة تصقل بالقراءة الجادة والمكثفة ونتيجة لتراكم الثقافات.
ورأت الشاعرة المصرية زينة منصور في الفيسبوك وسيلة للتعبير بعيداً عن الإعلام المسيس والمؤدلج, وتبين: الفيسبوك إعلام جديد تفوق على الإعلام القديم في تأثيره الجماهيري, فهو مساحة جديدة حرة من التعبير لكل الناس العاديين والمثقفين والسياسيين, وهنا تكمن قوته وميزاته التفاضلية عن الإعلام القديم المؤسساتي. هو إعلام فردي لجأ إليه المواطن بعد أن فقد ثقته بكل الوسائل الإعلامية المسيسة أو المؤدلجة أو الممولة في خدمة اتجاه سياسي معين ولم يعد يثق بالمنابر الإعلامية الحزبية والطائفية والرسمية, وجد نفسه بحاجة أن يسمع أصوات مواطنين مثله يتفاعل معهم ويدخل معهم في جدال حيوي ولحظي بعيداً عن القوالب الخبرية الثقيلة والمنزلة من غرف التحرير التابعة لجهات سياسية. بالفرد وبفكره من باب تدفق المعلومات وترك القرار له في اتخاذ الرأي الصائب الحر.. إذاً هي ثورة التواصل الاجتماعي الحر والمفتوح على كل الأصعدة السياسة والثقافية والاجتماعية.
أما عن الفيسبوك والشعراء, فتضيف: أعاد الفيسبوك للشعر وللكلمة المكتوبة حضورها بما تملك صفحاته من طابع تدويني يفسح المجال للشاعر أو للكاتب أن ينشر خواطره أو كتاباته باللحظة والدخول في تواصل فوري مع أصدقائه وقرائه.. ولاشك أن الفيسبوك ساهم في تنشيط حركة النشر وأعاد إحياء الأمسيات الشعرية التي أصبحت دعاواها تنشر على الفيسبوك دون اللجوء إلى الصحف أو الدعوات الخاصة, وتجد الصالة مزدحمة بالناس فوق العدد المتوقع ما يعني أن الناس كانت وستبقى من عشاق الكلمة وتبحث عن العمق الفكري في كل شيء.
أما الشاعر العراقي سعدي يوسف فأجاب عن سؤالنا حول كيفية تعامله ونظرته إلى الفيسبوك بقوله إن دورة الكتاب بطيئة جداً, الإنترنت غير الأمور. إنها أداة اتصال وتواصل ونشر ما أكتبه.. إن موقعي بلغ زواره أكثر من مئة ألف. كم نسخة يبيع الكتاب خلال عشر سنوات؟ قد يبيع 500 نسخة من أصل ألف.
 أما الروائية اللبنانية ليلى عيد فقد نظرت إلى الفيسبوك على أنه خشبة مسرح من خلاله يتم التواصل والتفاعل مع الجمهور مباشرة: أتعاطى مع الفيسبوك كفسحة ممتعة، كوسيلة للتواصل الاجتماعي بمعنى الاطلاع من شبكة الأصدقاء على نشاطاتهم الأدبية بالأخص وعلى آخر نصوصهم النثرية أو الشعرية، لأن هذا ما يهمني فقط على الفيسبوك.
أما فيما يتعلق بتجربتي الخاصة عندما أكتب حالتي أو منشوراً ما, فإن الأمر يكون في كثير من الأحيان على رغم الفارق أشبه ما يكون بخشبة المسرح، حيث المؤدي يتفاعل مباشرة مع الحضور ومع التصفيق أما على صفحة الفيسبوك تتلقى ما يشبه هذا التفاعل بطريقة الإعجاب أو التعليقات. ويبقى على المتعاطي مع الفيسبوك دوماً أن يحدد هو ماذا يريد والطريقة التي ترضيه.
وحول ما يخطر ببال الشاعرة اللبنانية سوزان تلحوق تقول: كشاعرة لا تربطني علاقة وثيقة بالفيسبوك, وبرأيي أجمل ما في الشعر خصوصية اللحظة التي تلد فيها القصيدة، حينها نشعر بأننا اقتربنا من ذاتنا ومن نبضنا من دون أن نكترث لردة فعل أحد أو رأي أحد إنما نحن نمارس الشعر لأنه يحيينا ويقربنا من حقيقتنا. مهم جداً رأي القارئ لكن بعد الولادة وخطير جداً برأي أن أفكر بالقارئ وأنا أكتب عندها سيهرب الصدق والإحساس من بين كلماتي. أستعمل الفيسبوك للتواصل في عدة أمور لكنني نادراً ما أستعمله لعرض قصائدي وأخاف جداً أن يصل اليوم الذي أكتب فيه وأفكر كم إشارة إعجاب ستأتي على هذه القصيدة, فنحن مع كل يوم يمر نتوجه أكثر فأكثر إلى خارج ذواتنا بدل حصول العكس، والشعر لا يختمر إلا في الداخل حيث عتمة الإبداع وعمق الحقيقة.
أما الشاعر السوري مروان خورشيد فيقول:  كشاعر يمكنني أن أتخلى عن الفيسبوك لو ضمنت طريقة أخرى للتواصل الاجتماعي اليومي أسرع من الفيسبوك.. لكن تحت ضغط الزمن وهذه المسافات بيننا أرى أنه من المفضل أن أطل على هذه النافذة لأتأكد أنني ما زلت حياً. 
أما الشاعر السوري باسم سليمان فقد أجاب: الفيسبوك, شفوية جديدة, يعيشها الشاعر بعدما بعد عن التلقي المباشر لنصه, فالحالات القليلة التي تقدمها المنابر, تظل بعيدة الجدوى لأسباب كثيرة؛ لكن مع الفيسبوك وعندما يضع نصه ويتناوله الأصدقاء بالإعجاب أو التعليق وحتى النقاش, يعود للشاعر ذلك الألق القديم, حيث كان لكلمته قوة الكهانة والسحر. 
شفوية جديدة تحرر القراءة من وحدتها التي تفرضها طبيعة النص المكتوب, وكأننا أمام لغة إشارة بدلاً من الصوت, إذ يدخل المتلقي بنسبة ما لمحترف الشاعر وخاصة عندما تكون الشذرة الشعرية وليدة اللحظة, وهذا يذكرنا بطبيعة البيت الشعري الذي يكون رداً على قول أو وقوفاً على حادث, وخاصة أن الحدث الذي يتعلق به النص موازياً له, وساعد ذلك ما توافق على تسميته بشعر الومضة لأن الفيسبوك أو غيره من قنوات التواصل الإلكترونية وخاصة التفاعلية لا تسمح بنص طويل. 
انتقال المتلقي المفترض من حالة ضبابية إلى حالة معينة, فالأصدقاء والمشتركون في تحديثات الشاعر عادة ما يكون له معرفة لا بأس بها بأكثرهم ومن هنا تتوافق التحاورية مع القارئ المفترض مع المتلقي المباشر للنص. يحقق له الدعاية والانتشار لنصه وخاصة مع الحالة المزرية الذي وصل لها انتشار الكتاب. 
ومع ما سبق هناك سلبيات منها المجاملة والشليلة ولكن الفيس بوك قناة تواصل جديدة أكاد أشبهها بأن نضع رسالة في الكثير من الزجاجات ونقذف بها على هذا الشط الافتراضي.
من ناحيتها تقول الشاعرة والمترجمة السورية لينا شدود عن نظرتها إلى عالم الفيسبوك: «ترددت قبل أن أدخل فضاء الفيسبوك, لم تكن تشغلني فكرة أن أكون من سكانه، وأن أعلق على حيطانه ما أريد، ولكن تلبيةً لرغبة أصدقاء كثر، تجاهلت حذري، ودخلت إلى هذا العالم المستفز، والمثير إلى حد ما. ثمة حوائط مفتوحة للجميع، منها الثري ومنها الهش العادي. حوائط أخرى قاتمة يلفها الغموض، سريعاً سيبعدك حدسك عن كل ما هو ملغز بدعوات غريبة، وأفكار لا تعنيك من أماكن ليست بالبعيدة عن مناخك، ستصلك أصوات جميلة، وهاءات ضاحكة، وربما يكدرك صراخ من هنا وشتائم من هناك رفقة أنغام شجية، وكل ذلك ستتجاوزه لتصل آمناً إلى إبداع يغريك بالمتابعة.
هو عالم مواز، نخلد إليه بعد أن نفرغ من حياة نعيشها في مدن وبلدان منفصلة، رغبةً في فضاء يوحدنا، فنطير إليه بنجاحاتنا وانكساراتنا، لنخزن فيه ذاكرة طرية ضد لغة تواصل قديمة، باتت عاجزة عن إرضائنا.
ربما يهنأ الكاتب في ظله بصداقات غنية ولطيفة، قادرة أن تخفف من حالة الاغتراب التي يعيشها الأديب في محيطه الحالي، إذ يمنحنا الفيسبوك مساحة لندون وبجرأة ما يشبه الصرخات المتقطعة، ولو أنها مبحوحة.. صرخات غير مرحب بها في أماكن النشر المعروفة. ولكن أن ينجح الفيسبوك في تضليلك وإقناعك باستبدال ما هو مضجر ومؤلم في عالمك الواقعي بمكان أكثر رأفةً وأقل إزعاجاً؛ هنا ستقع في مأزق قد يذهب بتوازنك الروحي والنفسي.
أما عن علاقتي بالفيسبوك، هي كغيرها من الأمور فيها المشرق والمعتم. ربما على المشترك في هذا العالم شبه الافتراضي، أن يحدد هدفه من هذا التواصل، ومع من؛ تلافياً لخسارة الوقت. فكما أظن أن الفيسبوك قد وجد ليبدده، أعني الوقت.
من ناحية أخرى, لم يبعدني هذا التواصل عن المشهد الثقافي، بل يسر لي متابعة الأحداث والأخبار الثقافية، إذ سهل عملية قطف الزبد الطازج من بعض الصفحات الغنية قبل ذوبانه في دروب النشر الاعتيادية. 
في عالم الفيسبوك، كل شيء مفتوح أمامك، شهقات الأصدقاء، الشفاه المقلوبة، المسافرون والعائدون رغماً عنهم، الصور المفرحة والمؤلمة، ناهيك عن السخرية التي تنجح في امتصاص قتامة أي مشهد.
في النهاية لقد كان سبباً لصداقات جديدة وملهمة، كما صيد المحار الغني بالدسم؛ صداقات خففت من ثقل أشياء أخرى باردة وفارغة. قد تنكمش بذور لهفتك لهذا المكان بعد فترة من التواصل، ولكنك ستبقى أسيره بشكل من الأشكال، إذ لن يكون سهلاً الإقلاع عن هذه العادة. كثيرون حاولوا قبلك ولم ينجحوا.
أما الشاعر السوري وفائي ليلا فقد أجاب أنه ينظر إلى الفيسبوك ويتعامل مع هذا العالم لافتراضي على أنه عالم حقيقي: «ببساطة الفيسبوك عالم ليس افتراضياً كما يحب الكثيرون أن يطلقوا عليه, كان ولا زال بالنسبة لي جزءاً من العالم الواقعي، بكل تعقيداته، وتناقضاته، وتنوعه.. بل فيه ما لا يسمح لك الواقع الحقيقي أن تحصل عليه بسهولة عبر الوصول إلى أنماط وأفكار وأشخاص وجماعات كان من المستحيل عليك أن تعرفهم أو تقترب منهم.. شعراء، وممثلين مشهورين ومغمورين، وكتاب صحف وأشخاص اعتياديين تماماً وعاطلين عن العمل ربما.. وموتورين متعصبين، وسطحيين.. كل الأنماط الإنسانية والاجتماعية مطروحة ومتوفرة هنا في مدينة إلكترونية يسجل سكانها ملاحظاتهم وأفكارهم، هواجسهم، قلقهم، سخافاتهم دون تحفظ.. وبتحفظ.. وأنت هنا عليك أن تخوض هذا العالم الواسع بكل تلك الكثرة دون أن تضطر مثلاً إلى انتظار فرصة متاحة قد تأتي أو لا تأتي، أو ظرف مناسب قد تسعفك به الصدفة لتتعرف على ذلك الشخص أو تصل إلى ذاك التفصيل لترصد آلية تفكير تلك الجماعات أو تتواصل معها حسب غاياتك ومبتغاك.
الفيسبوك نسخة من واقع نعيشه يلهب أيضاً مشاعرنا، ويمنحنا الثقة أو ينزعها، يعطينا فكرة عنا والآخر أو لنقل اختباراً لم نكتب، أو ندون، أو ندلي برأي أو قناعة أو فكرة. ولعل شدة واقعية هذا المنجز البشري الخطير يتمظهر فيما أفرزه من نتائج على واقع العالم العربي من أحداث وأفكار أدت إلى تغيير الإنسان العربي لمصيره ولمجتمعه ولقيمه قاطبة. يسحرني هذا الاختراع كلعبة لا أملها توفر لي المعرفة والتسلية واختبار الذات وفهم الموضوع بشكل أكثر عيانية ومباشرة.. يسهل الخروج والتخلص من آثاره السلبية التي قد تسيء كل حسب شخصه وميوله عبر (حذف) يمحو دون ندم ما يمكن أن يكون صعباً أو مستحيلاً في واقع الحياة المباشر.
أما الشاعرة السورية فرات إسبر فكان لها رأي آخر في عالم الفيسبوك حيث أجابت أن المرء بعد الفرحة الأولى يصاب بالملل ويشعر بالنفاق الاجتماعي: «الفيسبوك دهشة العلم, روعته أن تجمع البشر من كل الجهات والأطراف على صفحة واحدة، تتحدث معهم وأليهم وترافقهم في تصفح أخبار العالم وأحواله وحروبه، هذا ميزة لابد من تقديرها لأهل العلم وأيضاً هناك الكثير من المزايا. لكن هناك مخاطر كثيرة يتعرض لها الأشخاص المتعاملون على الفيس سواء أكانوا رجالاً أم نساء، وحتى الأطفال يجب مراقبتهم وبحذر شديد. على هذه الصفحة ترى الأعداء والأصدقاء, ترى النفوس المختبئة والمتنكرة بأسماء مستعارة، وبالمقابل يمكن أن تنشأ صداقات وعلاقات إنسانية رفيعة وتتعرف إلى أشخاص من مختلف الجنسيات، هذا بشكل عام. 
بالنسبة لي على الصعيد الشخصي وخاصة في هذه المرحلة التي تمر بها سوريا أشعر أنه مقهى يشبه الروضة، لا بد أن أمر كل يوم وأتتبع الأخبار من الموالين والمعارضين ومن المحبين والكارهين. 
هو وسيلة لتلقي المعلومات والأخبار من الأصدقاء والأعداء، من أصدقاء الثورة وأعدائها، تراهم يشنون الحروب ويرمون الاتهامات. اليوم لا بد من أن أطل على هذا المقهى وألقي نظرة إلى الجدران المضيئة بما في نفوس أصحابها. أحياناً أغلق الباب، لا أريد أن أزور المقهى اليوم لأنه صار يحمل الأخبار التي تجرح وتقلق. 
أما الشاعرة والصحفية السورية سوزان إبراهيم فتقول: بعد فترة رفض الكتاب والشعراء لفكرة الكتابة بواسطة لوحة المفاتيح نجد أن الالتجاء إلى الفيسبوك أصبح أمراً واقعاً.. لكن كما أن لكل جديد لذة فإن لكل جديد رهبة, لأنه يغير إيقاع معتاد, وقد يتطلب الأمر جرأة ما بهذه النسبة أو تلك. صحيح أن للورق دفأه وحميميته, وأن للقلم رتماً موسيقياً يهسهس به على الورق.. لكن الأمر بالنسبة لي يشكل تغيير عادة, وكسر إيقاع رتيب. في كل الحالات إنه البياض الذي تقف أمامه مرتبكاً, وقد استفز كوامن لغتك وروحك للعب على أرضه. شخصياً ومنذ وقت طويل هجرت الورق.
الفيسبوك فضاء وأبواب تفتح, جسور تمتد بين هنا وهناك.. بين أنا وأنت, وبين نحن وهم.. وجل ما ينقص عالمنا اليوم هو الجسور, فلطالما بنى الإنسان الكثير من الجدران, إنه وسيلة نقل متطورة.
الفيسبوك وسيلة وأداة, وخيرها وشرها لا يتحدد بذاته, بل بالمستخدم النهائي.. أي الإنسان. كأي اختراع يمكن أن يحمل: الأبيض والأسود, ويبقى لنا الخيار. 
تأخرت قليلاً في اللحاق بهذا الفضاء, إذ لم يكن متاحاً من قبل على شبكتنا العنكبوتية الوطنية, ولم أناور للوصول إليه. الفيسبوك عالم كأي عالم يكون الإنسان فيه الإله أو الشيطان.. إنه جلسة حميمية مع من تختارهم.. مساحة حرة لتبادل الرأي والود وتجاهل أباطرة الرقابة والخطوط الحمراء.
من خلال الفيسبوك تواصلت مع كثير من الأدباء والشخصيات التي كنت أود التواصل معها, وبنيت جسوراً مع أصدقاء على مساحة الوطن العربي. بالتأكيد أفدت من إمكانات الفيسبوك في توسيع دائرة انتشار نصوصي وآرائي ومواقفي, وتبادلت الحديث مع بعض الجادين في عدة أمور.
وقد جاوبت الروائية الفلسطينية إيناس عبد الله على سؤالنا بقولها: علاقتي بالفيس بوك أتت متأخرة قليلاً عن الباقين، كعادتي حين أصاب بوسواس مضاد لكل ما هو جديد ومتكرر ومجمع عليه، لكن لوهلة أحسست أنني يجب أن أسبر غور هذا العالم، وجدته مزدحماً، مقيتاً, وأحياناً فقط ممكن وصحيح، ومفيد، لكنني بكل الأحوال لا أعتبره بديلاً عن الواقع، الواقع هو الحقيقة التي لن تهزها افتراضيتنا حتى ولو عدونا بخيالنا جامحين إلى أبعاد، لم نطأها من قبل، رغم ذلك تشييد صورة مصغرة، أو سكيتش عن الواقع، وتفصيل المجاز على مقاس الجوهر، لكي يتم تعديله فيما بعد، شيء يمكننا أن نعتبره تمرينا مفيداً لا أكثر، بالنسبة لي كروائية، الفيسبوك هو حديقة خلفية للأفكار، يمكننا ملازمتها كلما، أردت الابتعاد عن صخب الحي، واضطراب الشارع الفكري، التواصل الآن بشكله الميتافيزيقي أصبح صعباً ومعقداً بفعل تنامي شعور الفرد بالاغتراب، وهذا الاغتراب تحصيل حاصل للمدنية الحديثة، وتطور ما يسمى بالمساحة الشخصية عند الأفراد، والرغبة في العزلة وتقنين العلاقات، لذا هو يفي بالغرض، في عالم كلما أصبح قرية صغيرة، كلما صار يشبه ماكوندو، قرية ماركيز التي غرقت في قرن من العزلة، من صنع يديها! 
وبجواب مقتضب على سؤال: كيف تنظر إلى الفيسبوك, أجاب الشاعر الكردي السوري الشاب (جوان نبي): الفيسبوك أعاد للكتاب الجيدين بعض مجدهم وللأنوثة غرورها, هذا الكائن مكن التواصل بين الأشخاص على اختلاف الآراء والأذواق المحتملة ومكن التعرف على مايجول في خاطر الشاعر أو الروائي أو أي شخصية كانت.. مكنتنا من التعرف على القراءات المتعددة لهؤلاء الشعراء والمثقفين ونوبات جنونهم وعقلانيتهم.
ذو صلة