في حضرة نوبل تهادت بطلات سردها القصصي بغرائبيتهن وغموضهن وذكرياتهن، وأسرارهن. في تلك اللحظات لاحت ملامح كيت شوبان وإدغار بو وتشيخوف, وهمست للحضور (لاتشبه القصة طريقاً تتبعه إنها أكثر شبهاً بمنزل تدخله وتبقى فيه لبرهة وتتجول ذهاباً وإياباً وتجلس حيث تحب). إنها الكاتبة الكندية آليس مونرو الفائزة بجائزة نوبل للآداب 2013م.
كان صباح خميس أكتوبري وبالتحديد العاشر منه، أيقظ ذاك الصباح سلمى لاغرولوف، وحرك أجفان كل المبدعات الاثنتي عشرة اللواتي تبعن سلمى، كان صباحاً عزز وجود سرد الكاتبة (المرأة) القصصي, صباحاً اتسعت فيه حدقات الطرقات، والعدسات، ودارت الأفكار. لم يكن ذلك في ستوكولهم فقط بل في العالم بأسره، ليعلن السكرتير الدائم لجائزة نوبل بيتر إنجلند بهدوء وبكلمات قليلة بأن ابنة أونتاريو آليس مونرو (سيدة القصة القصيرة). هنا دوى تصفيق حاد، وارتفعت هتافات الإناث وكتاب القصة القصيرة في العالم لتلامس جائزة نوبل للآداب لعام 2013 كفوف سرد آليس مونرو القصصي والذي يحمل الحس الروائي، وبهذا تصبح آليس مونرو الكاتبة التي تحمل رقم 13 من الفائزات بجائزة نوبل, لتنضم إلى مبدعات ثابرن وتحملن الكثير لكي يخلقن حضوراً باسقاً لإبداع المرأة الثقافي في العالم، ذلك الحضور الذي يعني جماليات الحياة.
يشكل فوز الكاتبة الكندية آليس مونرو تتويجاً لبلدها كندا وللأدب الكندي, ومنحنى جديداً في جائزة نوبل، إذ بفوزها تؤكد إبداعية فن القصة القصيرة وكتابها المخلصين لها.
من جنوب غرب أونتاريو بكندا تأتي جذور آليس مونرو، ويأتي سردها الذي وصف بأنه إقليمي, حيث تتبعت من خلاله مشاعر النساء وتعقيداتهن وطموحهن وانكساراتهن وعلاقتهن مع الرجل، فكتبت عنهن قصصاً وحكايات لتكون من أعظم كتاب القصة القصيرة الحديثة، وتنساب لها كلمة سينث أوزيك (تشيخوفنا).
ولدت آليس مونرو في وينغهام بمقاطعة أونتاريو عام 1931م، كان والدها يملك مزرعة ثعالب، وأمها معلمة، بدأت مونرو الكتابة منذ صباها ونشرت قصتها الأولى (أبعاد الظل) في عام 1950م. عملت نادلة وجامعة تبغ وموظفة في مكتبة بينما كانت تدرس اللغة الإنجليزية والصحافة في جامعة غرب أونتاريو. تزوجت من زميلها جيمس مونرو, وفي عام 1963 انتقل الزوجان إلى فيكتوريا حيث افتتحا مكتبة مونرو.
فازت مجموعة آليس مونرو القصصية الأولى رقصة الظلال السعيدة 1968 م بجوائز عديدة منها جائزة الحاكم العام وجائزة كندا الأدبية، بعد ذلك أصدرت (حياة فتيات ونساء) 1971م, وهي مجموعة من القصص المترابطة, وقد صنفت بأنها رواية. في عام 1978م أصدرت مجموعة أخرى تضمنت قصصاً مترابطة (من يعتقد بأنك أنت), وأصبح عنوانها فيما بعد (الخادمة المتسولة) جعلت هذه المجموعة مونرو تفوز للمرة الثانية بجائزة الحاكم العام الكندية. زارت آليس مونرو أستراليا والصين والدول الإسكندنافية في الفترة من عام 1979-1982، حصلت على منصب كاتب في جامعة بريطانيا الكولومبية وجامعة كوينزلاند في عام 1980م. كانت تنشر مجموعة قصصية واحدة خلال كل أربع سنوات.
نشرت قصص مونرو بشكل مستمر في عدد من المطبوعات منها: نيو يوركر، الأطلنطي الشهرية، والآنسة، ودورية باريس.
في لقاءات لتسويق مجموعتها القصصية 2006 (مشهد من القلعة الصخرية)، لمحت بأنها ربما لن تنشر أي مجموعة قصصية في المستقبل. ولكنها نشرت بعد ذلك مجموعتها القصصية (سعادة أكثر ما يجب) عام 2009م. وقد مثلت إحدى قصصها والتي حملت عنوان (الدب الآتي من الجبل) في فيلم.
يركز سرد آليس مونرو على الشخصيات التي تكشف بنفسها عما يدور في أعماقها, وقد ركزت في قصصها على إشكالات المرأة في بلدتها، فتناولت حب الفتاة والمرأة الشابة وعناء المرأة في مرحلة منتصف العمر، وأسى المرأة الوحيدة، وحياة المسنات. كما أنها تناولت العلاقة بين الرجل والمرأة والعلاقات الإنسانية بشكل عام.
وتعتبر الكاتبة آليس مونرو الكاتبة الكندية الثانية التي تفوز بجائزة نوبل بعد الكاتب الكندي الذي يحمل الجنسية الأمريكية سول بولو الذي فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1976.
أصدرت مونرو 14 مجموعة قصصية, فبالإضافة إلى رقصة الظلال السعيدة؛ أصدرت المجموعات القصصية التالية:
- حياة الفتيات والنساء, 1971 (اعتبرها النقاد رواية). الشيء الذي نويت أن أخبرك به, 1974. الخادمة المتسولة, 1978 (الفائزة بجائزة الحاكم العام 1978). أقمار كوكب المشتري, 1982 (رشحت لجائزة الحاكم العام). تقدم الحب, 1986 (فازت بجائزة الحاكم العام للقصة 1986). صديق صباي, 1990 (فازت بجائزة كتاب تريليوم). كشف الأسرار, 1994. حب المرأة الطيبة, 1998(فازت بجائزة قيلر 1998). كراهية، صداقة، مغازلة، حب، زواج, 2001 (نشرت مؤخراً تحت عنوان بعيداً عنها). الهاربة, 2004 (فازت بجائزة قيلر 2004). مشهد من القلعة الصخرية, 2006. سعادة أكثر مما يجب, 2009. عزيزتي الحياة, 2012.
مونرو والبوكر العالمية
حصلت الكاتبة آليس مونرو على جائزة بوكر العالمية في عام 2009 م، ووصفت لجنة التحكيم نصوصها بالعمق والدقة قائلة: (آليس مونرو كاتبة قصة قصيرة لديها عمق كبير وحكمة ودقة لكل قصة تكتبها كمعظم الروائيين الذي يحضرون الحياة إلى رواياتهم. أن تقرأ لآليس مونرو يعني أن تتعلم شيئاً في كل وقت, ذاك الشيء لم تفكر به من قبل).
النقاد وكتاباتها
يرى النقاد أن آليس مونرو كاتبة إقليمية حيث استلهمت معظم شخوص نصوصها من أناس مقاطعة أونتاريو, ويحمل سردها رؤيتها تجاه الزمان وجغرافية المكان من خلال الحنين إلى الماضي. كما أنها اقتربت من السرد القوطي دون أن تغرق فيه، كانت كتاباتها المبكرة ممتلئة بالتفاصيل الكثيرة، كما أنهم يرون بأنها تكتب قصصها بحس الرواية، أما شخوص سردها فمعظم شخوصه أنثوية مركبة وكثيراً ما تكون لها معاناة مع المكان الذي تحيا فيه. تتميز قصص مونرو بالوضوح، واعتبر بعض النقاد أن قصة (مشهد من القلعة الصخرية) هي سيرة حياتها, فهي جزء من تاريخ عائلتها, إذ تتناول هجرة عائلتها من أسكتلندا في القرن التاسع عشر. فجدها الأكبر كان يصحب ابنه إلى القلعة الصخرية ويخبره بأنه يرى أمريكا، ولكن مونرو تؤكد أنها مزيج من السرد والواقع، حققت قصة (مشهد من القلعة الصخرية) نجاحاً ملحوظاً حيث أثارت إعجاب النقاد والقراء.
عن فوزها
(الكنديون فخورون جداً بهذا الإنجاز الرائع، والذي يمثل تتويجاً لحياة من الكتابة المتألقة)
رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر
(كانت في ذروة لعبتها منذ بدأت)
محرر الفنون، بي بي سي، ويل قومبيرتز
أما هي فقالت: «علمت أنني في السباق، ولكنني لم أظن أبداً بأنني سأفوز. إنني مندهشة وممتنة جداً. وأنا مسرورة جداً لأن الفوز بهذه الجائزة سوف يسعد عدداً من الكنديين, وأنا سعيدة أيضاً لأن هذا سيجلب اهتماماً أكثر إلى الأعمال الأدبية الكندية. آمل حقيقة بأن فوزي هذا سيجعل الناس ترى القصة القصيرة فناً مهماً».