قبل2053 سنة قال هيرودت في معرض حديثه عن مصر (إنها دون غيرها من بلاد العالم أجمع تحوي عجائب أكثر، وآثاراً تجلّ عن الوصف) وفي حقيقة الأمر فمنذ ذلك التاريخ ومصر تشد انتباه الرحالة والسياح من سائر البلدان والدول.
ومن ناحية أخرى ترتب على مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر وصول الكثير من الرسامين الفرنسيين الذين بهرتهم الطبيعة المصرية وما بها من آثار نادرة، فخلدوها على لوحاتهم، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في تشجيع كثير من الأوروبيين على المجيء إلى مصر، ومشاهدة هذه المناظر والآثار على الطبيعة، لأن هذه الصور إذا كانت رائعة؛ فالتمتع بمشاهدتها يكون أكثر روعة.
وكان سياح العصر الفيكتوري من البريطانيين ينقلون تجاربهم إلى الأهل من خلال مايرسلونه من خطابات، وكتب الرحلات، والكتب العلمية، والرسم، والصور الفوتغرافية والبطاقات البريدية.
لقد دفعت أحلام الاستشراق الرومانسية بالكثير من الرحالة صوب الشرق. كان الكثير منهم ينشد التخلص من قبح المدن الصناعية في بلادهم، على الرغم من أن الثروة والقوة التي حققتها الثورة الصناعية هي التي أتاحت لشرائح واسعة من الطبقة الوسطى القدرة على السفر.
بعد منتصف القرن التاسع عشر، بدأ التصوير الفوتوغرافي يتحدى الرسم كوسيلة من وسائل نقل المشاهد التي يراها السائح إلى الوطن. ولما كانت مصر من أهم الوجهات السياحية في تلك الفترة، فقد انتعشت ظاهرة تصوير أهم معالمها ومبانيها وآثارها، ففي خريف عام 1839 جاء إلى مصر (فرديرك جروبل فسكوبه) وبصحبته رسامه (هوراسفينيه)، وانضم (فسكوبه) إلى السويسري (بيير جولي ديلو بتنييه) حيث قاما باستخدام طريقة (داجير) في التقاط الصور الفوتغرافية بمصر وفلسطين.
وأدى اختراع عملية (الكولوديون) المبلل على الزجاج عام 1851 إلى تشجيع المحترفين على إنتاج صور فوتغرافية في متناول القدرة الشرائية لأبناء الطبقة الوسطى، واستخدم (فرانسس فريث) هذه الطريقة الجديدة في ثلاث رحلات قام بها إلى الصعيد في أواخر خمسينات القرن التاسع عشر.
كان أول ظهور للبطاقات البريدية السياحية على مستوى العالم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1861 من قبل (جون ب. تشارلتون) الذي حصل على براءة الاختراع في هذا الخصوص.
أما في مصر فقد بدأ تاريخ البطاقات البريدية عام 1862، حين عيّنت الملكة فيكتوريا المصور الشهير (دي فرانسيس بدفورد) ليلتقط اللحظات المهمة لرحلة أمير ويلز إلى مصر وسوريا من العام نفسه، إذ التقط (بدفورد) خلال هذه الجولة 210 صور بأسلوب (الكولوديون الرطب) فكانت صورهُ ملخصاً بصرياً فوتوغرافياً لأهم المواقع الأثرية في مصر، كالأهرامات، وأبو الهول، والمعابد الفرعونية على ضفاف النيل، تلا ذلك افتتاح (أنطونيو بيتو) أستوديو بالأقصر لبيع الصور للسياح، وبدأت عائلة بونفيل بيع الصور المصرية عام 1870.
وجلبت حقبة التسعينات في القرن التاسع عشر معها بطاقات البريدية تباع بـ(بنس) واحد بعد أن كانت تباع بـ(شلن) واحد، كما جلبت آلة تصوير (كوداك) المحمولة باليد وأفلامها الحرارية وأصبح باستطاعة أي هاو يحمل تلك الآلة أن يلتقط صوراً، يحمضها ويطبعها بعد عودته لبلاده.
واقع الأمر أن بطاقات البريد السياحية لا تُظهر شيئاً عن حقيقة البلد، دعاية معقمة لصناعة السياحة، لقطات لمشهد مجهز، أكثر جاذبية، حيث لا يصنع تاريخاً.
وبالطبع لا تخلو البطاقات البريدية لمصر فيما حول القرن العشرين من هذه القاعدة، ولكن، لأنها صور فوتوغرافية قديمة، فإنها تمنح سحر رحلة عبر الزمن. وإذا لم نفقد أبداً مشهد نقطة الانطلاق، فإن الرحلة تصبح درساً غير مخطط في التاريخ.
لا تبحث عن بطاقة بريدية حديثة للمقارنة، فكل البطاقات الجديدة تصرخ بمأساة مصر الحديثة: الانفجار السكاني. في عام 1900 كان تعداد القاهرة حوالي خمسمائة أو ستمائة ألف نسمة، وقد تضاعف العدد الآن ثلاثين مرة. كل البطاقات البريدية من القاهرة والإسكندرية تعلن نفس المأساة. ولكنها تثير أيضاً دروساً أخرى، إذا توقفنا قليلاً عند التفصيلات. تلك البحيرة المائية أسفل الأهرام تثبت أن الصورة التقطت قبل أن تقوم سدود أسوان وأسيوط التي بنيت عام 1902 بتلجيم نهر النيل حتى شمال القاهرة، حتى تم رصف الطريق في عام 1868. كانت الرحلة إلى الأهرامات تتم في قارب بدائي حين كان الطريق غير الممهد يغمر بالمياه.
في عام 1882، تحدد بطاقة البريد التي تحمل صورة كوبري قصر النيل، مقار القوات البريطانية المحتلة في القاهرة، والتي كانت عنصراً أساسياً لجيش احتلال قوامه 15.000 رجل.
قدمت البطاقات البريدية تصوراً لنمو المدن المصرية وتطور العمران بها من خلال آلاف البطاقات التي وثقت مدناً عديدة كالقاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان والسويس وبورسعيد، وأعطت معلومات هائلة الحضارة المصرية القديمة، وصورت المعابد والمتاحف والفنادق والحياة في الريف والمدينة على السواء، وقدمت لنا سجلاً مصوراً أسهم في حفظ تراث مصر على مر الأزمان.