تعتبر التنمية الثقافية شرطاً أساسياً للتنمية المجتمعية العامة، فلا يمكن أن نتصور شكلاً للتنمية الاجتماعية ما لم نستقِ أدبياتها من الحضارات الحديثة، مما يعني ضرورة العمل الفعلي بمقومات هذه الحضارة.
يأتي الحديث عن التنمية بجانب الحديث عن التحديث الاقتصادي، ويمكن وصف حالة مجتمعنا الراهنة بالوقوع بين مرحلتين، هما: الأولى التي يغلب فيها التأخر الاقتصادي، وبين الثانية التي توجد فيها محاولات جاهدة لترشيد الاقتصاد وتخليص المجتمع من أسباب التخلف والجمود الذي يتسم به. لكنها محاولات تنعكس على الواقع بشكل ضئيل، وذلك يتبع أسباب عديدة، منها سوء التخطيط والإدارة وسوء استغلال الموارد الطبيعية. فليس غريباً أن بعض الدول النفطية يعتريها التخلف الاقتصادي حين تضعها مظاهر حياتها في ظل هذا التوصيف، وهذا ينعكس على المستوى الاجتماعي في ظاهرة ارتفاع الميل للاستهلاك، وعدم توافر الخبرات الفنية، وهجرة الكفاءات الوطنية للعمل أو التعليم في الخارج، إضافة إلى ضعف الموارد اللازمة لتكوين استثمارات جديدة، وهنا تحدث الفجوة، بمعنى أن الحركة الاقتصادية لا تتناسب مع الحركة السكانية.
إن التنمية الاجتماعية والثقافية تأتي نتيجة للتحولات الاقتصادية التي تنعكس على المجتمع بسمة التطور، وهذا يتطلب القيام بمشاريع على المستوى الوطني تأتي جنباً إلى جنب في العمل على تطوير القطاع الاقتصادي، وهي مداخل لا بد من الاستناد عليها، حيث لدينا مدخل الخدمات العامة الذي يفرض على الدولة القيام بإحداث التغييرات البنائية المطلوبة في المجتمع من خلال إجراء البحوث وتقديم الخدمات النوعية المتخصصة في كافة المجالات، وكذلك مدخل تنمية المجتمعات المحلية من خلال الاستفادة من الطاقات البشرية لتتعاون مع الجهود الحكومية نتيجة فهم واقتناع، وذلك من أجل تحسين الأحوال المعيشية والظروف الاقتصادية، وهذا يقوم على مجموعة من القيم والمبررات الاجتماعية والحضارية. ولأن التغيير الحقيقي يأتي من المجتمع ولا يفرض عليه، فلا بد من الوصول إلى القناعة المجتمعية التي تجد في هذا العمل فرصة التغيير للأفضل، وهذا من شأنه إثراء الحياة وتعميقها وتجددها، من خلال تكامل وتفاعل مستمر بين قوى المجتمع والمجتمع المحلي، إسهاماً في تغيير الأوضاع الاجتماعية لتساير ظروف العصر، وإقامة بناء اجتماعي تأتي منه علاقات جديدة وقيم مستحدثة تسمح بتحقيق المطالب والحاجات.
إن المشاركة الشعبية هدف لأسلوب الحياة السليم، حيث يستند على اشتراك المواطنين في مسؤوليات التفكير والعمل من أجل مجتمعهم، وهو كذلك وسيلة يشعر الناس بأهميتها من خلال الممارسة التي تتأصل في عاداتهم وتصبح جزءاً من الثقافة والسلوك.
لا يمكن أن تكتسب التنمية البشرية معناها الحقيقي دون الاستناد على البعد الثقافي الذي يعتبر نقطة الربط الفاعلة بين جميع جوانب التنمية على أوجهها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء، فالنجاح في هذه المجالات يشترط الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي والعلمي، في ظل مواكبة مستمرة وفي صيغة أعمال تكاملية يحقق كل جزء منها أهداف الجزء الآخر.