يقال إن الشجعان لا يهابون الموت، تجدهم -فطرياً- مستعدون لأي لحظة يهجم بها عليهم، لهذا تجدهم يبتسمون للأقدار كيفما جاءت، ولكن يخيفهم الرحيل المفاجئ، الذي يبدأ دون أن تدري ويبقى ألماً حاداً يعيش فينا طويلاً، هذه حالنا مع ألم رحيل الروائي الكويتي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل قبل أيام، عندما ضجت منابر الإعلام والثقافة معزية المشهدين الخليجي والعربي بوفاته، ليس جزعاً ولا اعتراضاً، ولكنه ألم الفقد واليتم الذي استوطن أرواحنا بعد سويعات من تأكيد خبر رحيله إلى الغياب الطويل دون رجعة، لم تختلف لحظة مغادرته للدنيا عن حضوره الهادئ المفعم بالسلام والإنسانية والحب.. ليس لوطنه ومواطنيه وحسب بل لكل البشر.
إسماعيل فهد إسماعيل رائد الرواية الكويتية وسادنها الأمين وراصد إحداثياتها وتفاصليها كتب عنها وفيها، تميز رحمه الله بتواصله مع مختلف الأجيال الروائية في الكويت والخليج وكان داعماً لها، فهو قيمة أدبية ملهمة عظيمة في عطائها وإنسانية في حبها للناس علاوة على تواضعه الواضح وتفاعله الإيجابي مع الآخرين والمتغيرات.
ويعد الراحل المؤسس الفعلي للرواية الكويتية بشهادة النقاد الذين أرخوا للرواية الكويتية مع ظهوره في السبعينات من القرن الماضي عندما نشر أولى رواياته المعنونة بـ(كانت السماء زرقاء)، عام (1970)، قال عنها الشاعر صلاح عبدالصبور في مقدمته (كانت الرواية مفاجأة كبيرة لي، فهذه الرواية جديدة كما أتصور رواية القرن العشرين، قادمة من أقصى المشرق العربي حيث لا تقاليد لفن الرواية وحيث ما زالت الحياة تحتفظ للشعر بأكبر مكان، ولم يكن سر دهشتي هو ذلك فحسب، بل لعل ذلك لم يدهشني إلا بعد أن أدهشتني الرواية ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم، وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة والفكر المتغلغل كله في ثناياها).
أما الشاعر عبدالرحمن الأبنودي فقد قال عنه: (لقد استطاع هذا الروائي الشاعر الحزين جداً، القوي جداً، الخبير بمسائلنا؛ أن يمزج بين تجربته الخاصة والعامة في بساطة وعفوية مذهلة). أيضاً قال فيه الناقد الدكتور عبدالله الغذامي في تغريدة له: (رجل جعل الكتابة قيمة ومسؤولية، واجه الغزو بقلمه وصموده، وسجل يوميات الغزو والتحرير، وكتب وجدان الكويت في سرديات تشخص معاني مقاومة الدمار).
ولد إسماعيل في البصرة بالعراق عام 1940 وتلقى تعليمه في الكويت والعراق، حصل على البكالوريوس في الأدب والنقد من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وبدأ بكتابة القصص القصيرة في مجلة الرائد الكويتية عام 1963 والتي جمعها لاحقاً في مجموعة قصصية بعنوان (البقعة الداكنة) صدرت عام 1965 عن مكتبة النهضة في بغداد، كما أصدر روايته الأولى (كانت السماء زرقاء) عام 1970 والتي حققت صدى واسعاً على المستوى العربي وتوالت بعدها الروايات، منها: (الضفاف الأخرى) و(الطيور والأصدقاء) و(خطوة في الحلم) و(دوائر الاستحالة) و(ذاكرة الحضور) و(إحداثيات زمن العزلة) و(السبيليات). ورواية (في حضرة العنقاء والخل الوفي) و(بعيداً.. إلى هناك) و(النيل يجري شمالاً) ورواية (الكائن الظل) و(سماء نائية)، وغيرها. وتحولت الكثير من أعماله إلى مسرحيات، كما كانت له دراسات نقدية مهمة، منها: (القصة العربية في الكويت) و(الفعل الدرامي ونقيضه) و(الكلمة- الفعل في مسرح سعد الله ونوس) و(شعر في الهواء الطلق).
حصل على العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 1989، وجائزة الدولة في مجال الدراسات النقدية عام 2002، وجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها الرابعة عشرة 2014/2015.
عزاؤنا الكبير في الإرث الإبداعي الذي تركه إسماعيل فهد إسماعيل المليء بحكايات الإنسان وآلامه وهواجسه وقلقه وأمانيه، علاوة على ذلك العدد الكبير من كتاب القصة والرواية الذين شملتهم عناية ودعم واهتمام الراحل والذي هو بمثابة الأب الروحي لهم ليكملوا مسيرة الإبداع الإنساني.