مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

الزربية المغربية .. إرث فني

الزربية المغربية من أهم وأجمل الصناعات التقليدية التي أبدع فيها الصانع المغربي، حيث ارتبط كل نوع من الزرابي بمنطقة بعينها، في إفصاح دال بالألوان والعلامات القبلية التي ميزت الزربية المغربية وأعطتها ذلك الغنى والتنوع.
وكغيرها من الصناعات التقليدية تعيش الزربية مشاكل عديدة، تتمثل أساساً في قلة الإقبال عليها كمنتوج قل ما كانت البيوت المغربية تخلو منه، وكذا تقلص نسبة (صناع وصنيعيات) هذا الإرث الفني.
زرابي فاس، وزرابي الأطلس المتوسط والكبير وزرابي مراكش وزرابي المغرب الشرقي وزمور.. كلها أسماء لزرابي مغربية تفصح عن أصلها إلى حد أن تحمل اسم القبيلة التي تنتمي إليها، كزرابي مديونة وزرابي كروان وزرابي آيت يوسي وزرابي بني مطير.. وهي زرابي وإن حملت ألوانها وعلاماتها التي تميزها عن بعضها البعض؛ فإنها اشتركت في العديد من العناصر، أهمها أن جلها تنسج من الصوف الخالص، وهي مزينة بأشكال هندسية بسيطة، مثل: العين والمثلث والمستطيل والمربعات والخيوط الدائرية والمتذبذبة والخماسية.
فيما تميزت زربية الأطلس المتوسط بكونها خشنة وسميكة، بما يعكس الطبيعة التي أنتجتها، حيث تصنع من خيوط الصوف الغليظة، وهي ذات أرضية بيضاء ومزركشة بالألوان. أما زرابي الحوز ومراكش فتعرف بالزخارف الرفيعة ورسوماتها التصويرية للأطياف، عكس زرابي المغرب الشرقي التي تتفرد بزخارف غالباً ما تكون على شكل غصون وأزهار على خلفية واضحة مصنوعة من صوف ممزوج بشعر الماعز أو وبر الجمال.
وككل الزرابي الحضرية تتناسق الألوان والأشكال الهندسية في زرابي مديونة وهي مليئة بالألوان، من قبيل الأزرق الفاتح والأحمر والبرتقالي والأصهب الداكن والأخضر والأبيض، بخاصية القبة الوسطية المزدوجة ذات الأضلاع المقوسة التي تتوسط هذه الزربية الشهيرة والباهظة الثمن.

 زرابي المدينة
لزرابي بعض المدن حظوة خاصة ومتميزة، حيث تعرف على عكس زرابي بعض المناطق إقبالاً شديداً، وبخاصة من طرف العائلات الكبرى التي تعتمدها كفراش وديكور في المحافل الكبرى.
فهي جد مختلفة عن زرابي بوادي وقبائل الأطلس الكبير والمتوسط، ومناطق أخرى من المغرب، وهي مرادف للدقة والحبكة والغنى، وبشكل خاص الزربية الرباطية التي تضم 160 غرزة في المتر المربع وتصنع في الأوراش على يد (الصنيعيات).
فلم يفقدها كونها مستوحاة في الأصل من الزربية الشرقية انتماؤها للصناعة التقليدية المغربية، فهي جد متميزة في إطارها الذي يعتمد على اللون الأحمر بمختلف تدرجاته وعلى اللون الوردي كذلك، وتطريزاتها المتنوعة تتشكل من خطوط هندسية، وورود وعصافير، وعلى زيادة في اللونين الأحمر والوردي، واعتماد خمسة ألوان هي: الأسود، الأبيض، الأحمر، الأخضر والبرتقالي، وهي الألوان التي شكلت الألوان الأساسية لأفرشة القصور والإقامات الفخمة والفنادق الراقية.

 صناعة نسائية
حياكة الزرابي في المغرب نشاط نسائي بامتياز، ومحتكر من طرف الرجال..عبارة تتداول في كل المحافل التي تستعرض في كل مناسبة حال وواقع هذه الصناعة الفنية التراثية.
فالزربية في كل مناطق المغرب يتم نسجها داخل البيوت وفي المداشر والدواوير النائية والجبلية، بواسطة النساء اللواتي توارثن هذا الفن الأصيل لأجيال، حيث يعتمدن على الصوف الطبيعي وتلوينه بمواد محلية كالأعشاب والأحجار والرمان والحنة، وبابتكار نسائي بديع متمثل في النقوش والرموز التي تبدعها نساء قرويات أميات ودون رسم هندسي مسبق.
وبالرغم من أن هذه الصناعة تعد ركيزة اقتصادية مهمة في بعض المناطق المغربية؛ فإن حق هؤلاء النسوة اللواتي يرابطن خلف (المنجج) (آلة تقليدية لنسج الزرابي) طوال أيام السنة؛ مهضوم من طرف الوسطاء وسماسرة هذا النوع من الصناعة الذي صار منتوجاً سياحياً بامتياز، ومتوجهاً للأجانب بالأساس، بعد أن استحال على المغاربة اقتناء زرابي لغلاء سعرها.
 احتكار
الحكومة وإن أطلقت ما تسميه بالخطة الوطنية لدعم الصناعات التقليدية والتي تعتمد أساساً على دعم بعض الصناعات ذات الخصوصية كصناعة الزرابي من خلال اعتماد مساعدات مالية ولوجستية وتكوينية، وإنشاء تعاونيات ومناطق صناعية، والبحث عن أسواق جديدة؛ فإن هذه الصناعة بالخصوص تعيش جملة من المشاكل والعراقيل التي تهدد وجودها وتعصف بتاريخ فني تراثي حافظ على خصوصيته لقرون مضت.
فبالإضافة إلى المنافسة الشديدة التي يعرفها قطاع الزرابي في المغرب بفعل سياسة الأسواق المفتوحة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية التي أغرقت السوق بزرابي مصنعة من تركيا والصين وبأسعار زهيدة؛ يعيش صناع الزرابي مشكلاً من نوع آخر يتمثل في الاحتكار، حيث يحتكر بعض التجار الفاسيين والرباطيين الأسواق والمعارض الوطنية والدولية، ويسيطرون حسب العديد من الصناع والموزعين على دار الصانع، حيث يتم توزيع علامات الجودة على نوع من الزرابي دون غيرها ما يفقد صناع وموزعي باقي زرابي المملكة إمكانية ولوج واقتحام أسواق وطنية ودولية جديدة.

 ديكور وأثاث
بالرغم من غلاء سعر الزرابي التقليدية في المغرب، واعتماد الغالبية العظمى من الأسر في تأثيث بيوتها على الزرابي المصنعة في الأوراش والتي تتوافر في الأسواق بأثمان رخيصة وبألوان وأشكال مختلفة؛ فإن الزربية التقليدية لا تزال تحتل المكانة المهمة في فن التأثيث والديكور في البيوت المغربية، وبشكل خاص في الصالون المغربي (قاعة الضيوف) الذي تتوسطه في العادة الزربية البلدية بألوانها الفاتحة التي تدل على الفرح والترحيب بالضيوف.
وبهذا المعنى فإن حياكة الزربية عكست على مر التاريخ شهادة كبيرة على استعمال التقاليد والمعتقدات المقدسة في الغالب وعلى امتداد الثقافات الإسلامية البربرية الأندلسية والإفريقية.

ذو صلة