مع اللحظات الأولى لافتتاح معرض آرت بازل بمركز ميامي بيتش، ودخول مورف فاندوولت الذي يعمل لمصلحة آرت ويب؛ تنقل المشاهد لأكثر من عشر دقائق أحداث الافتتاح والحضور والتفاف الفنانين ومديري أعمالهم حول الناقد الفني الشهير مورف الأكثر احتراماً، وهو الذي وجد نفسه مبتعداً عن أقرب أصدقائه، ويقترب من جوزفينا التي لم توفق في عملها ولا في احتفاظها بصديقها، وهو الكاتب والناقد الذي يمكنه أن يرفع من شأن أي عرض، جالباً المقتنين من مختلف أنحاء العالم، وليس من الغريب بعد ذلك أن نعرف أن هناك من يريد توجيه آرائه وكتاباته نحو فنان وأعماله، متجاوزاً الباقين، لأن مدير أعمال ذلك الفنان يستطيع أن يقدم العرض الأفضل مالياً ومعنوياً، بالطريقة التي تظهر الناقد بأنه حيادي ونزيه.
ويصور لنا الفيلم velvet buzzsaw ما يمكن أن تتوقعه عن شخصيات هواة جمع التحف واللوحات الفنية وهم يتجولون في ملابس ذات صيحات تواكب الموضة وإكسسوارات وألماس وفراء، لا يهمهم الفنانون الذين تعرضوا للتعذيب أو الموت فقراً، وإنما اللوحات التي تصلهم معلومات أنها نتائج عن عبقرية. كل شخص يتحدث بلهجات غامضة، ولكن بالتأكيد في اتجاه الاستثمار وحركة تداول المال، وتجار الفن، قادة هذه الهرج والمرج، وجميع الأشرار الذين يتم تسليط الضوء عليهم لتشعر مع أحداث الفيلم أن هذا الفن كارثة، وأن جميع الأشرار سوف ينالهم العقاب.
هل الفيلم يحاول البحث وراء التسويق للطبقة المخملية دون سواها؟ وكيف يستعرض الفيلم أساليب التسويق التي يمارسها الوكلاء ومديرو الأعمال للفنانين؟ وكيفية الثراء السريع من وراء لوحات وأعمال فنية تحاك من أجل ترويجها حكايات تشبه الخيال، ولم يغفل صناع الفيلم عن طرح العديد من الأسئلة على النحو التالي:
ما هو الفن؟
ما فائدة الفن إن لم يره أحد؟
هل شعرت يوماً أنه لا قيمة لوجودك؟
ما هي النقطة من الهدف التي وضعها الفنان ولا يراها أحد؟
ما الفائدة التي تعود على فنان كابد الحياة وخرج منها صفر اليدين، وأعماله بيعت بمئات الملايين بعد وفاته؟
أمام السمو يرتجف الجسد كله
ومن طرق وأساليب التسويق التي يمارسها الوكلاء ومديرو الأعمال للفنانين نتوقف عند حديث جانبي بين جون دندون (صاحب صالة عرض ومسوق) مع بيرس (فنان):
لقد بالغت رودورا في رفع سعر أعمالك، لو استعنت بي ستجد أنني أقدم تحليلات متطورة بمعرضنا الفني لزيادة تدفق الصفقات والطلب العالمي لأقصى حد. ويأتي رد بيرس: أنا أناضل لأجد طريق العودة إلى الإبداع والإلهام والطاقة التي تحفز أدمغتنا، ولست أجول في الأجواء لاقتناص الأموال، كما أنني لا أعطي تفويضاً لأحد وجميع أعمالي ومستنسخاتها تم تسويقها بعلامتي التجارية.
ونعود لجوزفينا التي كانت كل وظيفتها تلقي المكالمات والتنسيق في جاليري رودورا، وبالمصادفة عثرت على الأعمال الفنية لجارها المتوفي فيتريل ديز والذي أوصى صاحب العقار بالتخلص من جميع أعماله، غير أن جوزفينا وجدتها فرصة سانحة لتخرج من دائرة الوظيفة وتصبح شريكة لرودورا في عرض وبيع أعمال ديز والحرص على ربط جيوبهم بالأرباح وسط دهشة جمهور الحضور لرؤية لوحات هذا الفنان المجهول تماماً للأوساط الفنية، حيث تبدأ رحلة مورف للبحث عن سيرته ودراسة أسلوبه وكشف بعض الغموض الذي تتسم به أعمال ديز.
فيتريل ديز الذي أدرج اسمه أول مرة في تعداد 1930 مع أبيه في قائمة الناجين الوحيدين من حريق مشبوه اجتاح منزلهم، وبعد فترة تم عزله عن والده الذي كان يسيء معاملته ليعيش بعدها فترة في دار للأيتام، ثم يغادرها في عمر التاسعة عشرة، ولكن الغموض يغلف كل سنوات حياته، ثم ظهر فجأة في قسم الرواتب بإدارة مستشفى سوتيل للمحاربين القدماء، حيث عمل حارساً لمدة 42 عاماً، عاش وحيداً وفي عزلة تامة واستخدم فنه للتوغل عميقاً في قرارة نفسه.. وقاوم رغباته، وكانت النتيجة ملحمة من العنف والجنون وصرخة لأجوبة وحلول لم تطرأ قط.
ويستأجر دندن محققاً خاصاً يحمل له بعض الأخبار عن ديز بأنه قتل زميله في العمل، وعذب أباه بالحرق حياً حتى الموت، وأمضى عقدين من عمره في مصحة نفسية للمجرمين المختلين عقلياً، حيث استغلت المصحة وجود هؤلاء المرضى لإجراء بعض العمليات بالحقن والصعق كفئران تجارب، وكل غرض دندن هو إهدار قيمة ديز الفنية، وليس إعلاء شأنه وشأن أعماله.
وإهدار قيمة أي فنان مع أجواء المنافسة التي تجري مع أحداث الفيلم يقع في ذات الجريمة، مورف الذي كان يوصف بالناقد الأكثر صدقاً وأكثر احتراماً عندما يحاول فهم العمل الفني الحديث داخل غرفة تنطلق بها أصوات ما أطلق على تسميتها سمفونية الحوت الأزرق والمسجلة على عمق 6100 متر تحت البحر في خندق ماريانا، ونشاهد مورف وهو يتألم من صوت ضميره الذي يقوم بتعريته تماماً أمام نفسه، ويكشف زيف نزاهته وأنه أمام رغباته وتقييمه غير المنصف والذي سحق الفنان ريكي وأعماله وتسبب في فقده لمشاعره والتعرض لحادث أدخله في غيبوبة.
الفيلم يقدم مجموعة من النخب الفنية، في عالم الفنون البصرية والذي من السهل تقليد ما يتم من خلاله، وإن كان المخرج لم يقدم الرعب في أشكاله البشعة ودون معارك فقد استثمر الأعمال الفنية وتفاصيلها في المحاكاة الساخرة مثل لقطة السيدة وبجوارها القط تستقبل أشعة الشمس وتترك الظل يصنع خلفية تشتبك مع لوحة للفنان ديز الشخصية الرئيسة والخفية داخل قصة الفيلم، وحتى بعض اللقطات الحميمية جاءت لصياغة الضغط العاطفي من أجل تغيير التقييم النقدي.
مورف الذي يخرج من تجربة سمفونية الحوت الأزرق مسرعاً لتجنب المزيد من الكوارث، منبهاً رودورا التي ترد على تخوفه بعدم بيع أعمال ديز لخطورتها قائلة: كالفنون خطرة يا مورف، لكنه يعلن لهم أنه قد نشر مقاله التحذيري والذي يمثل انتحاره مهنياً وحياتياً.
في النهاية
تتحرك اللوحات والجداريات
والمنحوتات في مشاهد عبثية لتقتص من التجار ومن فريق التسويق الذي لا يرى من الفن إلا أوراق البنكنوت والثراء الفاحش والحياة المخملية الطنانة، بينما تباع تلك اللوحات الكارثية على الأرصفة بيد الفقراء دون أي مشاكل مع نهايات الفيلم، فيما نرى الفنان بيرس يستسلم تماماً لمشاعره الفياضة والمتسقة مع طبيعة الساحل الذي اتخذه مسكناً ومحترفاً طبيعياً يكشف له جماليات لم يستطع الحصول عليها من خلال الرسم التقليدي الذي يمارس في مرسمه وبين مساعديه.