الفنان علي الكسار، مُمثل مصري خفيف الظل، حالة نادرة جداً من الكوميديا الراقية، بل يُعتبر اُسطورة الكوميديا في عصره، استطاع أن يؤسس مدرسة راقية في فن الكوميديا يزيد عُمرها عن مئة عام، وقد اُشتُهر في الوسط الفني من خلال شخصية (عثمان عبدالباسط) التي ابتكرها، وقدم من خلالها سلسلة ناجحة وظريفة من الأعمال الكوميدية.
ويعتبر البعض أن المسرح الكوميدي بدأ في مصر مع ظهور علي الكسار، الذي حقق نجومية واسعة في فترة العشرينات وما قبلها، بفضل أدائه المسرحي البارع. وفي التاسعة من عُمره، عمل الكسار طاهياً، وأثناء تلك الفترة اختلط بالنوبيين من بوابين وسُفرجية، وأتقن لهجتهم، واستغلها ليضيفها لشخصية (عثمان عبدالباسط)، صاحب الإفيه المُضحك (يا ولد.. يا عفريت !!).
وُلد رائد المسرح الكوميدي الغنائي علي الكسار، في 13 يوليو عام 1887م، بحي السيدة زينب بالقاهرة، واسمه الحقيقي هو (علي خليل سالم)، ولكنه اقتبس لقب الكسار، من عائلة والدته (زينب علي الكسار) تكريماً لها.
وتُعد البداية الحقيقية لعلي الكسار مع عالم التمثيل في عام 1907م، عندما كون أول فرقة مسرحية، وأطلق عليها (دار التمثيل الزينبي)، ثم كون فرقة مسرحية أخرى تحمل اسمُه، على مسرح كازينو (دي باري) بشارع عماد الدين عام 1916م، وبعدها انتقل للعمل بفرقة (دار السلام) بحي الحسين.
وفي بداياته، انضم علي الكسار لما سُمي بـ(كوميديا السيرك)، حيث تنقل مع الفرق الجوالة ومع فرقته عبر ربوع مصر، واختلط بالبُسطاء من الناس، وعرف ما يُضحكهم وما يقدمونه هم أنفسهم من فُكاهة تلقائية، وقد وعى كل ذلك، وقدمه على مسرحه باقتدار.
وبسبب ذكائه الجم وفلسفته في التمثيل، استطاع الكسار أن يُنافس الفنان الكوميدي نجيب الريحاني، وأن يُناطح قامته الفنية، والتفوق عليه، فابتدع شخصية الخادم البربري (عثمان عبدالباسط) التي تقمصها في غالبية أفلامه، لكي يُنافس شخصية (كشكش بيك) التي كان يُقدمها الريحاني.
ويبدو أن الكسار كان محظوظاً، بنجاح شخصية (عثمان عبدالباسط)، بسبب الطريقة التي قُدمت بها، والهيئة التي ظهر عليها علي الكسار، مُتمثلة في لحيته الظريفة المُلفتة للنظر، والشكل الكوميدي لملابسه، وطربوشه العجيب، وأحياناً عمامته أو طاقيته المميزتان في شكلهما، وابتسامته الصانعة للبهجة، ولهجته النوبية الظريفة، وكانت طريقة نواحه المُصطنع تُولد حالة ضحك وسعادة على وجوه المشاهدين. وكان الكسار يصبغ وجهه عندما يؤدي شخصية (عثمان عبدالباسط) على خشبة المسرح.
ظل الصراع الفني يحتدم بشدة بين فرقتي الريحاني والكسار، للدرجة التي جعلت كل منها يرد على الآخر بأسماء المسرحيات بأسلوب ظريف ومقبول !! فعندما قدم الريحاني مسرحية (حمار وحلاوة)، رد عليه الكسار بمسرحية (عقبال عندكم)، فقدم الريحاني مسرحية (قولوا له)، فرد الكسار بمسرحية (قُلنا له)، فعاود الريحاني الرد بمسرحية (فُرجت)، فداعبه الكسار مُقدماً مسرحية (راحت عليك)، فقدم الريحاني مسرحية (الدنيا جرى فيها إيه)، ليرد الكسار بمسرحية (الدنيا بخير)!!.
وحدثت القفزة الهائلة والتطور الكبير لفرقة (علي الكسار)، بانضمام الشيخ زكريا أحمد، عام 1924م، والذي قدم للفرقة ألحاناً مسرحية نالت إعجاب الجماهير في جميع أنحاء الوطن العربي، أثناء حقبة العشرينات، وللعلم بأن علي الكسار، افتتح مسرحه الخاص (الماجستيك) بشارع عماد الدين في 6 يناير عام 1919م.
استمرت الرحلة الفنية لفيلسوف الضحك علي الكسار، مُحققة فلاحاً كبيراً، حتى أنه سافر إلى الشام عام 1934م، وقدم مسرحياته هناك، واستقبله أهل الشام بحفاوة، سُعداء بأدائه المسرحي المُدهش.
قدم علي الكسار، حوالي 57 مسرحية، قام بتمثيلها على ثلاثة مسارح بوسط القاهرة، وهذه المسارح هي (الماجستيك، الحمراء، كازينو دي باري)، ومن أبرز مسرحيات علي الكسار، (حسن أبو علي سرق المعزة - البربري في باريس - الضرورة لها أحكام - الصيف في سانستفنو - البربري الفيلسوف - البربري في مونت كارلو - أم أربعة وأربعين - البربري في الجيش - الأمير عبدالباسط - ناظر الزراعة - اديني عقلك - عثمان هيخُش دنيا)، علماً بأن أولى مسرحيات علي الكسار هي (زقزوق وظريفة) عام 1916م.
وصف الكاتب بديع خيري، المُمثل علي الكسار بـ(الفنان المُتجاوب مع سواد الشعب)، ولعل ما كان يُميز مسرح الكسار، أنه أول من قدم واحدة من الطبقات الشعبية البسيطة على خشبة المسرح، متمثلة في شخصية عثمان عبدالباسط، فكانت هي الشخصية الرئيسية وصاحبة البطولة المُطلقة، في الوقت الذي كانت فيه البطولة معقودة لشخصيات النُبلاء والباشوات فقط، فلم يكن بالشيء الهين في زمن الكسار، أن يستحدث مثل هذا الأمر.
انضم لمسرح الكسار الغنائي، عدد من كبار الفناين آنذاك أمثال (كارم محمود، عبدالعزيز أحمد، إبراهيم حمودة، عقيلة راتب ورتيبة رشدي)، كما انضم لمسرح الكسار كبار الملحنين وقتها أمثال (سيد درويش، زكريا أحمد، كامل الخُلعي)، أما سيد درويش فقام بتلحين 11 مسرحية للفنان علي الكسار.
قدم الكسار، روائع المسرحيات لجورج فيدو من خلال قالب مصري شعبي، كما أنه قد خرجت من بعض مسرحياته وأفلامه، ألحان جديدة، سُميت بألحان الطوائف، عبرت عن معاناة الطوائف الشعبية والبُسطاء، أمثال الكناسين، الكُمسارية، البُوسطجية، العربجية، البويجية وغيرهم، إلا أن الكسار تعرض لأزمة تسببت في إغلاق مسرحه الشهير بوسط القاهرة، بعد مسيرة عطاء، قدم خلالها أكثر من 160عرضاً.
برع الكسار سينمائياً مثلما برع مسرحياً، فقد اشترك في نحو 37 فيلماً، من بينها (سلفني 3 جنية - ألف ليلة وليلة - قسمة ونصيب - أخلاق للبيع - رصاصة في القلب)، كما كون الكسار ثنائياً كوميدياً ناجحاً مع إسماعيل ياسين في بعض الأفلام، منها (نور الدين والبحارة الثلاثة - علي بابا والأربعين حرامي - على أد لحافك).
استطاع علي الكسار بأدائه الارتجالي الفذ، أن يُعبر عن هموم العامة من الناس، حتى أسر قلوبهم في حياته، وحتى بعد رحيله الذي كان في 15 يناير عام 1957م.
وفي عام 1996م، صدر طابع بريد مصري، يحمل اسم وصورة الكوميديان علي الكسار، تكريماً له على مشواره الفني الطويل، وتخليداً لذكراه كرائد من رواد زمن الفن الجميل.