مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

جدلية الصورة المرئية والكلمة المكتوبة

تجذرت العلاقة بين ثمرات الأقلام الأدبية العربية، وحبكة وبراعة الأفلام السينمائية. وثمة روابط عريقة بين دفاتر الأدب العربي (وجدان الشعب)، وحداثة السينما (التاريخ المرئي).
سارعت السينما العربية نحو الأدب تستلهم منه أعمالاً سينمائية. وعلى مدار أكثر من 60 عاماً (1930 - 1991) استلهمت منه 306 عمل فني. وبالمقابل حرص أدباء وكتاب عرب على تحويل إنتاجهم الأدبي إلى إبداع سينمائي. بل ذهب بعضهم للكتابة، خصيصاً، للفن السابع/ الفن السحري. ومنهم من أعاد ما خصصه للسينما في صورة مكتوبة. وفي كثير من دولنا العربية (كالسعودية، والكويت، وسوريا، ولبنان، إلخ) ثمة حركة أدبية أكثر نشاطاً وحيوية من الصناعة السينمائية المصرية. وفي محاولة للتوازن، قامت بعض البلدان بإنتاج جزء من أدبها المكتوب. لكن الفن السابع لم يلعب دوره المنوط به في إبراز معظم هذه الإبداعات الكثيرة، الجادة.
وعموماً.. عالجت السينما المصرية أغلب الأعمال الأدبية المهمة. وكعلامة بارزة في تاريخها، ظهرت رواية (زينب) للدكتور (محمد حسين هيكل) شريطاً صامتاً وقت السينما الصامتة 1930م. ثم (ناطقاً) للمخرج نفسه (محمد كريم) عام 1952م. ولم تحظ رواية (هكذا خلقت) للدكتور (هيكل) بالاهتمام الذي حظيت به (زينب). وأهملتها السينما على الرغم من أن لُبها (حياة امرأة تعدد أزواجها)، وهو موضوع سينمائي. وفي عيد ميلادها التاسع والعشرين (عام 1956م) لم تكن السينما المصرية قد أنتجت سوى عدد قليل من إبداع الأقلام. فعولجت رواية (شجرة الدر) لـ(جرجي زيدان) عام 1935م، و(الحب لا يموت) (1984م) لـ(إبراهيم المصري). كما نُسجت بعض أعمال (علي أحمد باكثير) مثل (سلامة) لـ(توجو مزراحي) عام 1942م، و(مسمار جحا) 1952م. وجاءت (رصاصة في القب) (1944م) لـ(توفيق الحكيم)، وعن (لقيطة) لـ(محمد عبد الحليم عبد الله) كان فيلم (ليلة غرام) (1951م) لأحمد بدرخان.
نقلات نوعية
أنتج الفن السابع معظم أعمال (نجيب محفوظ)، و(إحسان عبدالقدوس)، و(يوسف السباعي)، و(فتحي غانم)، و(يوسف إدريس) إلخ. كذلك بعض أعمال (طه حسين)، و(توفيق الحكيم)، و(ثروت أباظة). وقام بعضهم بكتابة روايات خاصة للسينما غير مأخوذة عن نصوصهم الأدبية. فكتب (نجيب محفوظ) (ريا وسكينة) (1952م)، و(فتوات الحسينية) (1954م). بينما قدم (إحسان عبدالقدوس) عام 1955 ثاني فيلم له، عن الثورة وحرب فلسطين عام 1948م، في (الله معنا) لأحمد بدرخان. وعن (الوعد الحق) للدكتور (طه حسين) تم إنتاج (ظهور الإسلام) عام 1951م. وعلى الرغم من أنه كتب عدداً محدوداً من الروايات، فقد حاولت السينما الاستفادة من هذا الإنتاج (3 أعمال) مثل (دعاء الكروان) (1959م)، و(الحب الضائع) (1970م). ومع ذلك يقول د.(عميد الأدب العربي): (السينما مفسدة للأعمال الأدبية).
ورصدت السينما في إبداع قلم (توفيق الحكيم) مادة ثرية وجيدة. وحبكت عن أعماله أحد عشر فيلماً منها (رصاصة في القلب) (1944)، و(الرباط المقدس) (1960م)، التي لم تتغير كثيراً عند نقلها إلى الشاشة. وكان بعضها عن مسرحيات مثل (العش الهادي) (1976م)، أو عن قصص قصيرة مثل (طريد الفردوس) (1965م)، و(ليلة الزفاف) (1966م). وحرص (الحكيم) على أن يقدم فكراً في كتاباته لكن السينما رأت إعطاء أفلامه (حبكة درامية). ولقد تنوعت في جذريتها (تغيير الأحداث والشخصيات) حسب المخرج الذي قدمها. فـ(يوميات نائب في الأرياف) نسخة مصورة من الرواية. أما (العش الهادي)، فاهتم بمعاناة الزوجة الموظفة وحياتها الأسرية ومحاولة جذب زوجها الأديب إلى عالم أنقى. وفي (الأيدي الناعمة) (1963م) يقدم (قيمة العمل في المجتمع المصري الجديد). وعندما قدمت أعمال (الحكيم) على الشاشة لم تكن معظمها من وجهة نظره على مستوى العمل الأدبي الذي كتبه. ولم تلق أعماله ما تستحق في سينما لها مقاربتها الخاصة، وعناصرها الدرامية الفنية الأساسية (كالحدوتة).
ومع خمسينات القرن الفائت، كانت بداية الاهتمام بروائع (يوسف السباعي) الذي أغرق الفن السابع (15 فيلماً) بخليط من الرومانسية، والوطنية. ومن أبرز أعماله (آثار على الرمال) (1954م)، و(إني راحلة) (1955م)، و(بين الأطلال) (1959م)، و(نادية) (1969م). وكان هناك شريط (رد قلبي) (1956م) (عن ثورة يوليو 1952م)، وشريط (العمر لحظة) (1978م) (عن حرب أكتوبر 1973م). كما قدم (السباعي) روايات تنتمي للواقع الاجتماعي المتنوع في (السقا مات) (1977م)، وفنتازيا اجتماعية في (أرض النفاق) (1968م)، وكوميديا اجتماعية في (جمعية قتل الزوجات) (1962م)، و(أم رتيبة) (1959م). واتخذت شاشة السينما موقفاً متميزاً من أعمال (السباعي)، فزادت من أهميتها خاصة في (السقا مات) التي عالجها باقتدار (صلاح أبو سيف). أما روايته الجيدة (أرض النفاق)، فقد أضاعت السينما معالمها في المرتين. وبدت أعماله مثل (مبكي العشاق) (1966م) لـ(حسن الصيفي) هشة سينمائياً.
أما أعمال الكاتب الروائي (نجيب محفوظ) فقد تأخرت عن الحَبك السينمائي أكثر من ثمانية عشر عاماً. فضلاً عن الروايات التاريخية الثلاثة التي أغفلتها السينما. على الرغم من أنها تصلح للإنتاج السينمائي خصوصاً (رادوبيس)، و(عبث الأقدار)، و(كفاح طيبة). وعلاقة (محفوظ) بالسينما علاقة شائكة. فقد عرضته السينما ككاتب سيناريو قبل أن تتنبه لأعماله وكانت أول تجربة له من خلال فيلم (مغامرات عنتر وعبلة)، وبتشجيع من مخرجه (صلاح أبو سيف) الذي كان صاحب فكرة الفيلم. وقد اقنع (محفوظ) وقتها أن السيناريو لا يختلف في كتابته كثيراً عن الرواية التي يكتبها. لذا ففي أكثر من مناسبة ردد (محفوظ)، بتواضع أن: (صلاح أبو سيف هو معلمه الأول في كتابة السيناريو). فقيمة إبداعاته الأدبية مُقدرة بجلاء. ورواياته لا تشهد تفاوتاً في قيمتها الأدبية مثلما يحدث في الأفلام الكثيرة المأخوذة عنها (41 فيلماً). فبعضها بالغ الجودة مثل (بداية ونهاية) (1960م)، و(القاهرة 30) (1966م). والبعض الآخر أقل جودة مثل (قصر الشوق) (1967م)، و(وكالة البلح) (1983م). لذا عندما سئل (محفوظ) الحائز على نوبل عام 1988 عن إنتاجه الأدبي الذي تحول إلى أعمال سينمائية أجاب: (بأنه غير راض كل الرضا عن أعماله التي تحولت إلى أفلام.. أنا مسؤول فقط عن الكلمة المكتوبة، أما الصورة المرئية فلها مبدع آخر هو المخرج).
وفي عام 1956م تم إنتاج (أين عمري؟) لأحمد ضياء الدين كباكورة روايات الكاتب (إحسان عبدالقدوس) (1908-1990). ثم في العام التالي ظهرت له ثلاثة أعمال أدبية متتالية هي (أنا حرة)، و(الطريق المسدود)، و(الوسادة الخالية). وكلها من إخراج (صلاح أبو سيف) الذي شغف بأدب (إحسان) على وجه الخصوص. ومنذ ذلك الحين وجهت السينما وجهها صوب الأدب. وتنافس المنتجون، وتخصص المخرجون في اكتشاف إبداع الأقلام لتحويله إلى أفلام. وبدأ بروز كثير من الأدباء والكتاب ليحتلوا صدارة المشهد الأدبي والسينمائي في آن.
ويعد (إحسان عبدالقدوس) من أكثر الأدباء تعاوناً مع السينما العربية. وصاحب أكبر رصيد من الأفلام (58 فيلماً) حُبكت عن أعماله سواء كانت قصصاً قصيرة أو روايات أو سيناريوهات خاصة أو قصصاً سينمائية. ومن أبرز الأفلام عن قلم (إحسان): (في بيتنا رجل) (1960م)، و(لا تطفئ الشمس) (1961م)، و(النظارة السوداء) (1963م)، و(شيء في صدري) (1971م)، و(أنف وثلاثة عيون) (1972م)، و(العذراء والشعر الأبيض) (1973م)، و(الراقصة والسياسي) (1990م) إلخ. كما يعد (إحسان) أول من أخذت قصصهم القصيرة لتُعَالج في ثلاثيات قصيرة في فيلم واحد مثل (البنات والصيف)، و(ثلاث نساء)، و(ثلاثة لصوص). ويتسم أدب (إحسان) بأنه لا يتغير كثيراً عند حبكته للسينما. وغالباً ما تلتزم السينما بروايته مثل: (الوسادة الخالية)، و(لا تطفئ الشمس)، و(الطريق المسدود)، و(لا شيء يهم). لكنه يأتي بحدوته جديدة في (النظارة السوداء). فيسعى المخرج (حسام الدين مصطفى) لإبراز جانب (التحول الجذري لدى شخصية عبثية)، رغم أن هذا الأمر لم يُلحظ كثيراً في الرواية الأصلية. كذلك الأمر في (أنف وثلاث عيون) حيث حولت المنتجة وبطلة الفيلم وجهته إلى عين واحدة هي عين (ماجدة). بينما لعبت العينان الأخريان دوراً ثانوياً. هذا فضلاً عما أضافته السينما من (أحداث معاصرة) إلى فيلم (الرصاصة لا تزال في جيبي) (1974م) بإدخال وقائع حرب أكتوبر 1973 على رواية كتبت حول سنوات وحرب الاستنزاف. لذا تسمع الروائي الكبير (إحسان عبدالقدوس) يقول: (إن مهمتي ككاتب تنتهي عندما تنشر الرواية أو القصة على الناس).
وفي ظاهرة فريدة ونادرة أدبياً وفنياً، كان (إحسان) قد قدم (أفكاراً سينمائية) مثل (أبي فوق الشجرة) (1969م) المأخوذ عن أسطورة (تاييس)، و(بعيداً عن الأرض) (1976م)، و(هـــــذا أحبـــه وهـــــــــذا أريــــــده) (1976م) ثم ما لبث أن ضم عِقد هذه الأفكار السينمائية في كتب. ومثلما انتشر قلمه بين أوساط القراء، نجحت الأفلام المأخوذة عن أدبه فنياً وجماهيرياً وبين من يعزف على وتر (الجنس) في أدب (إحسان) يرى آخرون أنه اهتم بـ(القيم الاجتماعية)، بينما يرى (صلاح أبو سيف) منه (رومانسيته)، فإن (حسين كمال) يعزف على أكثر من وتر درامي. وسعى (أشرف فهمي) إلى معالجة روايات (إحسان) مثل (ولا يزال التحقيق مستمراً). وظل (محفوظ)، و(إحسان) كتاب لكل العصور. وسيطرا بأدبهما على الساحة خلال السبعينات والثمانينات. ويكفي الإشارة إلى أن (ملحمة الحرافيش) لمحفوظ التي قدم عنها ستة أفلام.
أما (إسماعيل ولي الدين) فنتج عن قلمه ستة عشر شريطاً سينمائياً منها (السلخانة) (1982م)، و(أبناء وقتلة) (1987م)، و(رجل له ماض) (2000م). وفاز بنصيب الأسد في مرحلة الانفتاح على امتداد عشرين عاماً من 1975 1995م. حيث توالت الأفلام المأخوذة عن رواياته مثل: (الأقمر) (1978م)، و(الباطنية) (1980م)، و(أسوار المدابغ) (1983م)، و(حارة برجوان) (1989م)، و(درب الرهبة) (1990م) إلخ. ويعد (فتحي غانم) (1925-1999م) من الأدباء المحظوظين سينمائياً (4 أفلام)، فقد استطاع (خليل شوقي) معالجـــــــة روايـــــة (الجبـــــــــل) (1965م) التي تعرض لتهجير أبناء الجبال إلى جنوب الوادي والتصاق الإنسان بأرضه. كما استطاع (كمال الشيخ) أن يصنع من رباعية (الرجل الذي فقد ظله) (1968م) فيلماً جيداً. لكن في السنوات الأخيرة أهملت السينما روايات (غانم) مثل (زينب والعرش) (التي نجحت كمسلسل تلفزيوني)، و(الساخن والبارد)، و(الأفيال)، و(من أين؟)، و(بنت من شبرا). لكن (رأفت الميهي) قدم روايته (قليل من الحب.. كثير من العنف) (1995م) برؤية خاصة لم تنجح.
وتباينت أهمية الحبكات السينمائية (12 فيلماً) المأخوذة عن قلم د. (يوسف إدريس) صاحب (الحرام) (1965م). أول رواية/ عمل سينمائي يتحدث عن عمال التراحيل ومعاناتهم. لا شك أن كاتب السيناريو المبدع، والمخرج ذا البصيرة، عاملان مهمان في تألق قلم الأديب، وبهما يكون الكاتب محظوظاً، مثلما التقى (إدريس) مع (بركات)، ثم مع (صلاح أبو سيف) في (لا وقت للحب) (1963م)، و(النداهة) (1975م) لحسين كمال. أما (العيب) (1967م) لـ(جلال الشرقاوي)، و(حادثة شرف) (1972م) لشفيق شامية فدون مستوى الكاتب. وفي عام 1981م قدم (إدريس) فكرة فيلم (حدوتة مصرية) ليوسف شاهين، وكلاهما عانى في لندن ملابسات إجراء جراحة في القلب. ثم ظهر فيلم (عنبر الموت) (1989م) لأشرف فهمي تماشياً من أفلام العنف التي انتشرت في حينها.
وملثما حدث مع أعمال أدبية متعددة، كان من الممكن أن يتحول الإبداع الأدبي: لـ(يحيى حقي) في السينما (أربعة أعمال) إلى أعمال باهتة، إلا أنه من حسن الطالع أن من كتب له سيناريو بعض أفلامه هو الروائي (صبري موسى)، فقدم له كل من (البوسطجي) (1968م) لحسين كمال، و(قنديل أم هاشم) (1968م) لكمال عطية. بينما ظهر فيلم (رجل وامرأة) لـ(حسام الدين مصطفى)، دون المستوى. ويشار إلى أن السينما أهملت عدداً من الأعمال الأدبية، وتجاهلت أصحاب أقلام مبدعين. مثل الكاتب الرومانسي (محمد عبدالحليم عبدالله) (1913-1970م) الذي كان الكثير من أعماله مثل (بعد الغروب)، و(للزمن بقية)، و(الجنة العذراء) تناسب حقبة (رومانسية) من تاريخ السينما العربية بعد إضافة جماليات الحركة إليها. ولقد قدمت له السينما (6 أعمال) لم تلق نجاحاً كبيراً مثل (عاشت للحب) (1959م)، المأخوذ عن (شجرة اللبلاب)، و(سكون العاصفة) (1965م)، و(الليلة الموعودة) (1984م). وعند معالجة أعماله سينمائياً جرى كثير من التعديلات في الأحداث والشخصيات مثلما حدث في (غصن الزيتون) (1962م). فالأحداث تنتهي بمصرع الزوجة المشكوك في سلوكها. أما الفيلم فينتهي بشعور بالندم من الزوج وأنه أخطأ في شكوكه، ومن ثم يعيدها إليه ليعيشا في هناء وسعادة.
لعبت روايات وأقاصيص (ثمانية أفلام) (أمين يوسف غراب) دوراً مهماً في تاريخ السينما العربية وبخاصة (شباب امرأة) (1956م). ومن أفلامه (سنوات الحب) (1963م) لمحمود ذو الفقار. لكن بعض أقاصيص (غراب) تحولت إلى أفلام على مستوى عال من الحرفية السينمائية مثل (جريمة حب) (1959م) لعاطف سالم، و(نساء محرمات) (1959م). بينما فشل البعض الآخر مثل: (الثلاثة يحبونها) (1965م). بعد وفاة (غراب) تحولت السينما عن أقاصيصه تماماً. وذات الأمر قد حدث لـ(عبدالحميد جودة السحار) على الرغم من شغله منصب رئيس مؤسسة السينما حتى وفاته. فقدمت له السينما روايات متفاوتة الإبداع (5 أفلام). وبعد (أم العروسة) (1963م)، و(الحفيد) (1974م)، و(فجر الإسلام) (1971م) لم تقدم له أعمالاً بنفس المستوى. فعن روايته (المستنقع) قدم شريط (بافكر في اللي ناسيني) (1959م) حول قصة حب ساذجة مستهلكة سينمائياً. ثم قدمت له أيضاً فيلم (النصف الآخر) (1967م) وهي أفلام لا تذكر في مشوار السينما وتاريخها. أما الكاتب (ثروت أباظة) فقدم للسينما ستة أعمال أدبية/ سينمائية. من أهمها (شيء من الخوف) (1969م)، و(ثم تشرق الشمس) (1971م). في حين قدم الكاتب (موسى صبري) خمسة أفلام منها (الجبان والحب) (1975م)، و(كفاني يا قلب) (1977م) لحسن يوسف، و(دموع صاحبة الجلالة) (1992م) لعاطف سالم.
ويأتي أدباء كثيرون لم تتعد أعمالهم المأخوذة سينمائياً أكثر من خمسة أفلام فأقل. ومن أمثال هؤلاء: (إبراهيم أصلان)، (يوسف القعيد)، (إبراهيم الورداني)، (إبراهيم مسعود)، (إقبال بركة)، (البير قصيري)، (جمال الغيطاني)، (جمال حماد)، (حسن محب)، (حسن رشاد)، (خيري شلبي)، (سعد مكاوي)، (زينب صادق)، (سكينة فؤاد)، (سلوى بكر)، (صالح مرسي)، (صبري موسى)، (صالح جودت)، (عبدالرحمن الشرقاوي)، (نعمان عاشور)، (نبيل راغب)، (مصطفى محمود)، (موسى صبري)، (محمود دياب)، (محمد المنسي قنديل)، (محمد عفيفي)، (مجيد طوبيا)، (فتحي أبو الفضل) وغيرهم. ولعل العبرة ليست بالكم، بل بالكيف. فبالرغم من أن (يحيي الطاهر عبد الله) (1940-1982م) له رواية واحدة هي (الطوق والأسورة ) (1986م) حولها (خيري بشارة) إلى فيلم حمل نفس الاسم. إلا أنه قد حقق نجاحاً فنياً وجماهيرياً واسعاً.
مؤشر كاشف
يمكن تقسيم شكل (الهوية) السينمائية المصرية وفق الاقتراب إلى الأدب أو الابتعاد عنه. فهناك مرحلة ما قبل التركيز على القلم، وفيها انتشرت أفلام الكوميديا الموسيقية والميلودراما الاجتماعية التي تعتمد على (حدوتة) بسيطة يتم حشوها بالاستعراضات والأغاني. وهذه هي مرحلة الأربعينيات بشكل خاص. وعادت لتسيطر مرة أخرى على السينما في العقد الأخير من القرن العشرين. ومن الملاحظ أنه كلما بدأت مرحلة الاعتماد على الأدب أخذت الأفلام الاستعراضية في الانكماش. وكان على من تحمسوا لهذا التغيير أن يجدوا الموضوع الذي يجذب المتفرج بدلا من الغناء والاستعراض. لذلك حل الموضوع المتكامل (الغريب عن الواقع) محل الاستعراض والغناء الذي كان يسيطر على نصف زمن الفيلم تقريباً. وفي هذه الأفلام الجديدة وجد المتفرج نفسه أمام عوالم وأزمنة وشخوص أكثر قرباً منه. يفكرون بشكل عقلاني واقعي، وأيضاً يمرون بتجارب من الممكن أن تحدث له أو لغيره.
إن تحول الأدب إلى سينما ليس فقط محاولة لتجسيد خيالات الناس في صور يشاهدونها حقيقية، ولكن لخصوبة الأفكار والتجربة الناضجة الجاهزة أمام صانع الفيلم، وأيضاً لهذا التطابق الهندسي بين سينما جميلة واقعية يريدها عدد كبير من مخرجي السينما وبين روايات خالدة وأفكار ناضجة واقعية. وليس من شك في أن السينما استفادت من الأدب من خلال استغلال مضامينه الفكرية. كما استفادت الكلمة المكتوبة من السينما من خلال ذيوعها وانتشارها بشكل أكبر من مستوى القراءة.

ذو صلة