عرف الإنسان الزينة والحلي منذ عصور قديمة ترجع إلى نحو 18 ألف سنة قبل الميلاد، ومازالت البعثات الأثرية تكتشف المزيد من تلك اللقى والأيقونات حتى يومنا هذا، وتعود المكتشفات إلى حضارات وحقب تاريخية مختلفة، تمتد منذ ما قبل التاريخ وحتى العصور الوسطى، وصولاً إلى الحضارة الإسلامية، وتشهد تلك القطع المكتشفة على درجة الرفاه والتطور الذي بلغته الممالك التاريخية لدى الإغريق والرومان والفرس والفراعنة وبلاد الشام وأباطرة الشرق الأقصى، وبدرجة أقلّ حرفية وجمالاً عند الهنود الحمر، والممالك الأفريقية وإمارات الشرق الأدنى، وفي أماكن أخرى حول العالم.
وكانت الحلي وأحجار الزينة تستخدم آنذاك في طقوس الاحتفالات والمناسبات ومواسم العبادة، وكان لبعض الأحجار الكريمة رمزية خاصة وقدسية عالية، ولكلّ حضارة زينتها وأحجارها ونماذجها، وأول الحلي صنعها الإنسان القديم من الصخور وعظام الحيوان والعاج والأخشاب وفقاريات الكائنات البحرية. ولم تنتشر الأحجار النادرة كمادة أولية لمنحوتات الزينة إلاّ حوالي 5 آلاف سنة قبل الميلاد، ثم عرف الإنسان الذهب بعد ألف سنة، ويعد الفراعنة من أوائل الشعوب القديمة التي استخدمته للزينة والتزيين، فصنعت منه أشكالاً ومجسّمات ونماذج مختلفة قبل أن يتحول إلى نقود وعملات للتبادل التجاري وأعمال البيع والشراء، كما عرفت شعوب جنوب أمريكا وأستراليا حجارة الكريستال، وأحجاراً كريمة أخرى، وعرفت ندرتها فقصرتْ استخدامها في المناسبات والطقوس الدينية وهدايا الطبقة الحاكمة.
حافظت الأحجار الكريمة بأنواعها، وسبائك الذهب، وعروق الفضة، والمعادن النفيسة الأخرى على ندرتها وقيمتها العالية حتى يومنا هذا، إلاّ أنها اختفت من التداول النقدي والتبادل، واحتفظت بمكانتها الراقية في مجال الزينة، وازداد عدد العاملين في أشغال الذهب والمجوهرات مع ازدياد الطلب عليه، واختلاطه بالفنون التشكيلية الحديثة، واستقت الحلي تصاميم مبتكرة هي وليدة الأفكار العصرية، أو التي مزجت بين القديم والجديد، وظهر التصميم كفن تطبيقي، وعلم قائم بذاته يُعنى بتحويل المعادن والأحجار الكريمة والمعادن النفيسة إلى تحف وقطع فنية، تناسب أذواق العامة والخاصة من الناس، وتستوحي تصاميمها من الرؤى والأفكار المبدعة، التي تستند أساساً على فنون الموزاييك والفسيفساء والمنمنمات، فتميّزت الحلي العصرية بالحفر والتطعيم والتلوين، والمزج بين التراث والمعاصرة، وتتناسب جمالياً مع البيئة التي تنتج فيها.
اعتمدت أفكار التصميم الحديثة على التناغم بين المعادن والأحجار، وقد نشأت مدارس تصميم عربية وأجنبية وضعت بصمات متباينة على منتجها الفني، وكان لها الأثر الكبير في التنوع والإبداع التنافسي، وساعد وجود التقنيات الحديثة على تطوّر هذا اللون الفني وإنتاج قطع جمالية جذابة، إلى جانب العدد والأدوات الإلكترونية والآلية العصرية، كالليزر والمقصات والمشارط والمسبك، وأدوات الحرق والحفر والتشذيب، بالإضافة إلى تقدم الفنون الجميلة في مجال التصميم، وتأهيل المصمم الحداثي الذي درس المذاهب الفنية ومدارسها، والحِرفي الذي يمتلك مهارات فنية وعلمية عالية، وهكذا أصبحت الحلي والمجوهرات الرائجة تحفاً فنية راقية تباع بأسعار خيالية أحياناً، وتُقام من أجلها المعارض والمزادات لجذب عشّاق هذه المقتنيات النفيسة والمستثمرين على السواء.
لقد حاولت مدارس التصميم الغربية الاستفادة من التراث الشرقي وإعادة إنتاجه بأدوات حديثة وأفكار جذابة ومبتكرة، فكانت المدرسة الفرنسية هي الأنجح في تشكيل الخطوط المدهشة المستقاة من القطع البدائية، وآثار الحضارات المختلفة، وتبوّأت باقي الدول الأوروبية مراتب مختلفة في الإبداع، وكان لسويسرا لمسات ساحرة في هذا الميدان، ولم تكن إيطاليا بمنأى عن هذا الإبداع، وحافظت معظم بلدان الشرق الأدنى والأوسط على مهاراتها الحرفية والإبداعية، لوجود أجيال من الحرفيين المهرة الذين توارثوا الصنعة جيلاً بعد آخر، واستطاعت بعض هذه البلدان مواكبة التطور والحداثة، فازدادت مشغولاتها إبداعاً وتألقاً، وقدمت للعالم أفكاراً عصرية، استمدت خطوطها من تراث الحضارات الشرقية، حتى أصبحت مذهباً في التصميم والصياغة.
وينبغي الإشارة إلى أن الطفرة الاقتصادية والاستقرار في منطقة الخليج العربي، قد أفرزت مجموعة من الأسماء اللامعة من الذكور والإناث في مجال التصميم، وكان لها بصمة واضحة وحضور لافت في المعارض المحلية والإقليمية والدولية كذلك، ولاقت تصاميمها إقبالاً ورواجاً في الأسواق المحلية والخارجية.
ونظراً لأهمية هذا السوق، وشغف الجيل الجديد من الجنسين بهذا الفن الجميل، وما يرغب التعبير عنه من أفكار عصرية، فقد نشطت المعارض وورش التدريب، ونُظِّمتِ المسابقات ورُصِدتِ الجوائز للمتميزين في العديد من المدن والعواصم العربية، فقد احتضنت مدينة جدة في ديسمبر 2019، مسابقة في تصميم المجوهرات تحت شعار (وطن من ذهب)، بمشاركة 100 مصمم ومصممة، بهدف رفع تأهيلهم في مجال التصميم، وتعزيز قدراتهم على المشاركة بفاعلية في أحد أهم القطاعات الجاذبة للمرأة السعودية، في ظل حاجة القطاع للكفاءات السعودية الخبيرة والموهوبة، ودعم رواد ورائدات الأعمال في مجال تصميم المجوهرات من جميع مناطق المملكة، وإبراز أعمالهم في المجتمع.
كما أطلقت هيئة الترفيه السعودية أكبر بازار نسائي لتصميم الأزياء في الرياض بعنوان: (أنا عربية) جمع أكثر من 250 مصممة من مختلف أنحاء العالم، وذلك في تجربة عالمية فريدة من نوعها للمرأة العربية، وقد استقطب المعرض نخبة من مصممات المجوهرات السعوديات اللاتي تميزن بصناعة مجوهرات فاخرة بمعايير عالمية، وقد أثارت مشاركة أصغر مصممة سعودية تدعى ليليان إسماعيل دهشة الحضور وإعجابهم.
وهناك الكثير من المبادرات الأخرى في المملكة والدول العربية الأخرى لدعم هذه الصناعة الفنية، والمواهب الناشئة في هذا المجال. وقد تميزت أسماء واعدة في كلٍّ من السعودية ودول الخليج العربية ومصر ولبنان وسورية وبلدان المغرب العربي، ونجحت في تهجين التراث الحضاري الإسلامي بلمسات الحداثة، فأنتجت قطعاً فنية مدهشة، وقد شعرت بعض الدول بأهمية هذا الفن الجميل الذي يدر الملايين، ويسهم في الحفاظ على حرفة تراثية عريقة تكاد تنقرض، فأسست فرعاً لتصميم المجوهرات في كليات الفنون الجميلة لديها، ووضعت له الأسس والبرامج والمناهج الأكاديمية، وكان للأنامل النسائية قصب السبق في الإبداع والتميز، لأنهن الأقرب إلى خطوط الموضة، ويملكن اللمسة والذائقة الأنثوية المرهفة.