مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

شعيب البويب

بويب تصغير باب، وسمي بهذا الاسم لمضيق بداية مجرى الشعيب بين هذه الجبال حتى يخرج من مخرج صغير كأنه باب، وشعيب البويب يمر من الجانب الشرقي لجبل جلدية وبعدها يخترق جبل البويب ويستمر أكثر من 25 كم حتى يصب في قاع الملح (هوبان) الواقع في الجهة الجنوبية من مدينة بقعاء.
زاره بعض المستشرقين أمثال الفرنسي شارل هوبير، والألماني يوليوس أويتنج قبل 137 عاماً وبالتحديد يوم الأحد 12 محرم عام 1301هـ ونسخوا منه بعض النقوش والرسوم الصخرية الموجودة على بعض الصخور والجبال، ووصفوها ورسموها في مؤلفاتهم، ومن أشهرها وأجملها رسمة الحصان، ويقول أويتنج وهو يتجول في البويب: (كل ذلك يجعل المرء يعتقد أنه يسير فوق أنظف بقعة في العالم)، وكذلك زاره العالم فان دن براندن ونسخ منه 26 نقشاً ثمودياً وأوردها في دراسة مطبوعة لم تترجم حتى الآن إلى اللغة العربية.
وفي هذا المقال وعبر (المجلة العربية) نستعرض ترجمة بعض النقوش الثمودية التاريخية الموجودة في شعيب البويب:

النقش الأول
القراءة: (بواسطة أكمت ل سعد هذا الجمل)
أكمت/ اسم علم، أَكْمَتَ الفرس: كان لونه بين الأسود والأحمر، يقول الجوهري في معجم الصحاح (الكُمَيْتُ من الخيل، يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، ولونه الكُمْتَةُ، وهي حُمرة يدخُلها قُنُوءٌ. والفرق بين الكُمَيْتِ والأشقر بالعُرْفِ والذَنَب، فإن كانا أحمرين فهو أشقر، وإن كانا أسودين فهو كُمَيْتٌ. تقول منه: اكْمَتَّ الفرس اكمتاناً، واكْماتَّ اكْميتاتاً مثله. الأصمعيّ: يقال بعير أحمر، إذا لم يخالط حُمرته شيء، فإن خالط حمرته قُنُوءٌ فهو كُمَيْتٌ، والناقة كُمَيْتٌ أيضاً. والكُمَيْتُ من أسماء الخمر، لما فيها من سَواد وحُمرة).
وهذا النقش يقع بجانب رسمة الخيل المعروفة في هذا الموقع وقد يكون صاحب النقش هو نفسه من رسم الرسمة.
سعد: اسم علم، من أقدم الأسماء العربية يستخدم حتى وقتنا الحالي، جاء بكثرة في النقوش الثمودية والصفوية واللحيانية والمعينية والتدمرية، بينما جاء في النبطية بصيغة س ع د و، وعرف في النقوش الصفوية كاسم علم لقبيلة، ورد هذا الاسم أكثر من ثلاثمئة مرة في الكتابات الصفوية كأسماء أعلام على أشخاص، ووجدت بعض النقوش الذي ذكرت اسم (سعد) في النمارة في سوريا وكذلك في شمال الجزيرة العربية، وكذلك سعد اسم لصنم عبدته العرب من دون الله.

النقش الثاني
القراءة: يا كهل أتم ل (حج) من قبيلة لببي
كهل: اسم معبود من دون الله، ورد هذا المعبود بصيغته هذه في النقوش الثمودية وكذلك في النقوش المعينية بينما ورد بصيغة (ك ه ل م) في النقوش السبئية وبصيغة اسم معبود قرية الفاو الرئيس، كهل، هكهل، كهلن، كهلان. إن هذه الألفاظ ودرت في النقوش المختلفة العربية الجنوبية والشمالية ومن ضمنها كتابات الفاو، وتعني الكاهل أي الكبير القدير العاقل، وهذا الاسم من مجموعة أسماء المعبودات التي تعني صفة من صفات الآلهة في عقيدتهم. فالعربي الجنوبي (كهلن) أي الكهل والثمودي (هكهل) أي الكهل تعني العاقل القدير.
ويعني هذا اللفظ في العربية الشمالية أيضاً القمر وبخاصة عند الشعوب السامية الشمالية وقد يكون كذلك عند عرب الجنوب.
وانتشر اسم هذا المعبود من دون الله على معظم ما عثر عليه في قرية الفاو من آثار فوجد في النقوش الحجرية (نقش عجل بن هفغم)، وفي نقوش جبل الطويق وفي نقش جديد يضاف لكهل أهمية كبيرة فقد وجد نقش (لم ينشر بعد) يذكر فيه (صرح حرم كهل) كذلك وجد على لوح برونزي لقب لكهل (كهل رب) وغيرها، مما يدل أن كهل كان إله قرية الذي يُعبد من دون الله. وأكبر دليل على ذلك النقود الفضية المقعرة التي تحمل اسمه وربما رسمه وهي أقدم نقود عربية وجدت في الجزيرة العربية.
ويلاحظ أن ظهور عبادة كهل في أواسط الجزيرة العربية وعلى الأخص في (قرية) جاء بعد أفول نجم (ود) الذي عبد هناك وكانت رموزه على شواهد القبور والمباخر الحجرية وموائد القرابين ومنها الدائرتين في أعلى شواهد القبور، والمرحلة الثانية في قرية الفاو تعتبره فترة ازدهار عبادة كهل حتى إنه سُكّت به النقود.
وانتشرت عبادة كهل عند الثموديين في الأقسام الشمالية من الجزيرة في تيماء وتبوك وحائل. ووردت ألفاظ جديرة بالاهتمام مثل: أب كهل وأمت كهل. فهل عبادة كهل عند (أهل الجنوب) جاءتهم من الشمال رغم أن كهل معروف عند عرب الجنوب.
حج: علم بسيط اشتقاقه من الجذر (ح ج ج) على وزن فعل يعني (القادم، الحاج) من حجّ إلى فلان أي (قدم)، وحجه أي قصده، والحجاج اسم رجل، ويفهم من التسمية أن المولود ربما قد ولد في زمن الحج، حيث كان الحج أيضاً عند العرب معظماً ومقدساً قبل الإسلام، ومن شدة فرحه بقدومه سماه والده بهذا الاسم (ح ج). ويمكن مقارنته بالعلم المعروف في الموروث العربي بصيغة الحجاج. ورد العلم بصيغته هذه في النقوش الثمودية والصفوية واللحيانية والمعينية، بينما جاء بصيغة ح ج وفي النقوش النبطية.
ل ب ب ي: اسم قبيلة ذكرت في النقوش الثمودية، وكذلك اسم لب معروف في الثمودية والصفوية.


وأحب التوضيح أن كل ما يُنقل هنا في جزئية المعبودات من دون الله هو لوصف ومعرفة أحوال الأمم السابقة في الزمان المنقضِي للتَّبصُّر بعواقبهم وأخذ العِبَر والدُّروس، فجميع الآلهة والمعبودات التي تُعبد من دون الله (ألوهيتها باطلة). وإن الإله الحق هو الله عز وجل لا شريك له. قال تعالى (ذَِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) الحج الآية 62.

ذو صلة